يسعى الرئيس عبدالفتاح السيسي، منذ توليه السلطة، إلى فتح العديد من قنوات التواصل مع بلدان مختلفة من جميع أنحاء العالم، ويبجث عن التنوع في السياسية الخارجية، وفتح آفاق جديدة لتحقيق التنمية الاقتصادية والسياسية والعسكرية، من خلال جولاته المتعددة، والتي تهدف إلى حماية الأمن القومي المصري. بالإضافة إلى الحفاظ على امتداده الخليجي، لرسم خريطة متوازنة للسياسة الخارجية المصرية، في منطقة الشرق الأوسط، وضع مصر كقوى إقليمية لها تأثيرها ومكانتها في اتخاذ أي قرار متعلق بالمنطقة.
حيث يبدأ الرئيس السيسي، اليوم الثلاثاء جولة آسيوية، تشمل كلا من الإمارات والبحرين، إلى جانب الهند التي سيشارك خلالها في قمة منتدى (الهند - إأفريقيا).
ويؤكد الخبراء أن تلك الجولة ليست في إطار تعزيز التعاون الاقتصادى والسياسي بين مصر والدول الثلاثة، ولكن تحمل زيارتيه إلى كلا من أبوظبى والمنامة تحديدًا رسائل إلى قوى أخرى في المنطقة والعالم، في مقدمتها إيران.
وقال السفير حسين هريدي مساعد وزير الخارجية الأسبق، إن زيارة السيسي لكل من الإمارات والبحرين في هذا التوقيت، تعكس وعي النظام المصري، ليس فقط بأهمية تعزيز العلاقات المتينة أساسًا مع البلدين الخليجيين، ولكن أيضا بأهمية تعزيز التعاون الاستراتيجي بين مصر وشقيقتيها العربيتين.
وأضاف "هريدى" إن الزيارة تكتسب أهمية مضاعفة على خلفية التحديات الإقليمية التي تشهدها المنطقة، والأخطار التي تهدد الأمن القومي العربي في ظل انتشار الإرهاب والفكر المتطرف، والملفات الشائكة التي تفرض نفسها على دول المنطقة وتستلزم تعاونا وتدخلا سريعا لمواجهتها.
وتابع: إن الزيارة تأتي في إطار سلسلة زيارت خارجية ناجحة قام بها السيسي، مشددًا على أن زيارات الرئيس الخارجية أعادت إلى مصر مكانتها الدولية.
بيما قال محمد محسن أبو النور، المحلل السياسي والمتخصص في العلاقات الدولية، إن الزيارة تأتي في سياق الاهتمام المصري بالعلاقات الخارجية في ظل سياسة القاهرة الحالية التي تستهدف بناء أوسع شبكة من التحالفات والتكتلات في مواجهة الإرهاب الدولي المتنامي في المنطقة في أعقاب ثورات الربيع العربي.
وأضاف "أبو النور" أن التركيز المصري على البعد العربي والآسيوي يعكس إلى أي مدى تتمسك مصر بالأمن القومي العربي كخيار استراتيجي رئيسي يعمل بمثابة حائط صد أمام خطط تفكيك الدول وتمزيقها من الداخل. وأوضح أن هناك عدة ملفات لا يمكن تخطيها أو تجاوز أهميتها خلال هذه الزيارة وهي: الأزمة السورية وسبل إيجاد بدائل لنظام بشار الأسد، وتنويع التسليح العربي، وإقامة قوات الدفاع الموحدة بقيادة مصرية، وأخيرا مواجهة الإرهاب وتجفيف منابع تمويله.
وأكد الخبير السياسي، على أن الوضع الإيراني في الملفات العربية اتخذ أهمية متزايدة لدى صناع السياسات العربية خاصة بعد الاتفاق النووي، وهو أمر لا تخلو منه أيا محادثات "عربية إقليمية".
كما أن قطر، على العكس مما يتصور المحللون العرب، لا تستهدف اتفاقا دفاعيا مع إيران، بل تستهدف التقرب من ألد خصومها بعد الإتفاق النووي خوفا من الجور الإيراني على ثروتها من حقل الشمال الغازي الضخم الذي تشترك فيه مع الدوحة.
وأشار "أبو النور" إلى أن السياسة المصرية تعتمد الآن منهجا هادئا ومتوازنا، مستبعدًا أي إجراء مصري تجاه قطر أو إيران على خلفية الاتفاق الحدودي الأخير.
فيما أشار الدكتور محمد حسين أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاهرة، إلى أن الجولة تستهدف مناقشة العلاقات الثنائية لمصر مع الدولتين، والتي تحمل مباحثات عن مشروعات استثمارية مشتركة، كما يتم مناقشة أهم القضايا الإقليمية والتى تتضمن الملف السورى والقضية الفلسطينية والإرهاب في ليبيا واليمن.
وأضاف "حسين" أنه سيتم مناقشة أهم القضايا الدولية والتي تمس أمن الخليج العربي، وعلى رأسها اتفاقية الدفاع المشترك بين قطروإيران.
وفي السياق ذاته قال الدكتور فتحي محمود خبير العلاقات الدولية، وعضو المجلس المصري للشئون الخارجية، إن العلاقات المصرية مع دول الخليج ليست قاصرة على الاستثمارات فقط، والجانب الاقتصادى فقط، ولكن هناك البعد الاستراتيجي الذي تتمسك به مصر بقيادة السيسي.
وأوضح أن التحالفات العسكرية والتعاون المشترك بين الجيش المصري وجيوش الإمارات والبحرين وكذلك السعودية، كلها تعد نواة للقوة العربية المشتركة، التى تهدف أساسا إلى التصدى للخطر الايرانى القادم، والمتعاظم خاصة بعد توقيع طهران لاتفاقها النووى مع مجموعة دول ال5+1.
وأضاف "محمود" إن العالم الآن وبعد التدخل الروسي في سوريا، أصبح يقبل ببقاء بشار الأسد في منصبه، ولكن لفترة مؤقته، كما يتجه إلى تشكيل حكومة إئتلافية سورية تشارك فيها المعارضة، ومن ثم لابد من أن يلعب السيسى دورًا وسيطا لتقريب وجهات النظر بين الجانبين الروسي من ناحية والخليجي من ناحية أخرى، في محاولة لإيجاد تسوية للأزمة السورية.
فيما قال الدكتور محمد سعيد إدريس خبير الشئون العربية والشرق أوسطية بمركز الاهرام للدراسات الاستراتيجية، إن الملفات التي ستتصدر طاولة المباحثات بين الرئيس المصري وحكام الإمارات والبحرين تأتي في مقدمتها الأوضاع في سوريا والعراق ولبنان واليمن وليبيا، بسبب التواجد الإيراني في تلك الدول، إلى جانب العلاقات الاقتصادية والتبادل التجاري وجذب الاستثمارات، لافتا إلى أن كلا من الإمارات والبحرين من أوائل الدول التي لديها استثمارات في مصر.
وأشار "إدريس " إلى أن كل دول الخليج لها علاقات مع إيران بما فيها السعودية، بينما تتمسك القاهرة بعدم فتح قنوات الحوار مع طهران، موضحًا أن النظام الإيراني يتطلع لأن تقود مصر الحوار بينه وبين دول الخليج، وهو نفس ما تريده روسيا، في الوقت الذي تسعى فيه دويلة قطر إلى أن تلعب هذا الدور لتتوسط في مصالحة خليجية إيرانية لا تدعي إليها القاهرة، لتقفز الدوحة على مكانة إقليمية ودولية، بينما مصر هي الأجدر بها.