لا تمتلك الولاياتالمتحدة ما يكفي من الأوراق لوقف التدخل الروسي في سوريا أو المساهمة في توريط موسكو بمستنقع شبيه بمستنقع أفغانستان، وتقول مؤشرات متعددة إن واشنطن تستعد لإخلاء الملعب وترك روسيا لاعبا وحيدا فيه تجنبا لتصادم غير محسوب العواقب. ولا شك أن القيادة الأميركية ستستمر بحرب التصريحات وخطاب التخويف لتبدو وكأنها تقف ضد خطط روسيا التي بدأ يتضح أن سوريا خطوة أولى فيها، وقد يليها العراقوأفغانستان، وكل الأماكن التي فشل الأميركيون في إحكام السيطرة عليها. وأعلن البيت الأبيض إنه سيتخلى إلى حد كبير عن جهوده المتعثرة لتدريب مقاتلي المعارضة السورية المعتدلين الذين يقاتلون تنظيم الدولة الإسلامية وإنه سيقدم بدلا من ذلك أسلحة وعتادا إلى قادة مختارين للمعارضة ووحداتهم في ساحة المعارك. ويمثل الإعلان الأميركي نهاية فعلية لبرنامج قصير العمر تكلفته 580 مليون دولار لتدريب وحدات من المقاتلين وتزويدها بالسلاح في مواقع خارج سوريا بعد أن بدأ البرنامج بداية سيئة هذا العام وزاد من الانتقادات لاستراتيجية الرئيس أوباما. وقالت وزارة الدفاع الأميركية إن تركيزها سينتقل من التدريب إلى تقديم السلاح ومعدات أخرى لجماعات المعارضة التي اختير قادتها من خلال عملية تدقيق أميركية لضمان أنه ليس لهم صلة بالجماعات المتشددة. ولا تمتلك الولاياتالمتحدة أصدقاء بين المعارضة السورية المسلحة، لتتولى دعمهم، خاصة بعد فشل الفرقة 30 التي احتجزت جبهة النصرة عناصرها، وبعد حلّ حركة حزم لنفسها بسبب هزائمها ضد النصرة. ولا يستبعد مراقبون أن تلجأ واشنطن إلى دعم جماعات مقاتلة مرتبطة بدول إقليمية وخاصة قطر وتركيا، وهي جماعات متشددة وقريبة فكريا وحركيا من جبهة النصرة، محذرين من أن مثل هذه الخطوة قد تفتح الصراع على مسارات لا أحد يمكن أن يتحكم فيها، ما يهدد الدور الأميركي في العراق، ويوسع دائرة الفوضى بالمنطقة. وأكّد الرئيس السابق لوكالة استخبارات الدفاع الأميركي الجنرال مايكل فلين أن الهدف من الخطة الأميركية القاضية بمضاعفة تسليح المعارضة، وبالخصوص مدّهم بصواريخ مضادة للطائرات، هو تصعيد الأزمة في سوريا. وحذّر فلين في حوار للتلفزيون الروسي من خطر التصعيد بين القوتين الروسية والأميركية، وانتقد المعارضة السورية، قائلا إنه لا يرى أن هناك أيّ حركة معارضة سياسية متينة يترأسها قادة حقيقيون يمكن أن يتولوا أمر سوريا سياسيا ويتم احترامهم محليا ودوليا. وكانت صحيفة واشنطن بوست قالت، في عددها الصادر الجمعة، إن فصائل المعارضة المدعومة من الولاياتالمتحدة في سوريا قد طلبت من واشنطن تزويدها بصواريخ مضادة للطائرات، بحجة تحسين دفاعها وتحصين مواقعها ضد الضربات الجوية الروسية. ودعا لورانس كورب، مساعد سابق لوزير الدفاع الأميركي، ويشغل منصب مستشار أول لمركز المعلومات الدفاعية الأميركي، حكومة بلاده إلى تجنب تجهيز مقاتلي المعارضة السورية بأنظمة الدفاع الجوي المحمولة لأنها يمكن أن تتحول إلى سلاح يستخدم ضدّ روسيا وضدّ التحالف الدولي الذي تقوده الولاياتالمتحدة. ويرجح المراقبون أن يكون التلويح بتسليح المعارضة جزءا من حرب التصريحات مع موسكو، وأن تستمر واشنطن في الحفاظ على استراتيجيتها الحالية في سوريا، التي تقوم على المراقبة وانتظار ما يأتي. وقد سارعت كريستين ورمث ثالث أرفع مسؤول مدني في البنتاغون إلى نفي نيّة تسليم صواريخ متطورة للمعارضة السورية، مشددة على أن المعدات التي ستسلم للمعارضين لن تشتمل على أسلحة ذات قدرات أعلى مثل الصواريخ المضادة للدبابات والصواريخ المضادة للطائرات التي تطلق من على الكتف. وتتمسك القيادة الأميركية برفض التصادم مع الروس في الأجواء السورية سواء عن طريق وكلاء أو عبر طائراتها ولو من باب الصدفة، وقد بدأت بتقليص عدد الضربات التي توجهها لمواقع داعش ضمن أنشطة التحالف الدولي. وأعرب بعض مسؤولي البنتاغون عن قلقهم بشأن سلامة الطيارين الأميركيين في سوريا. وأفادت قناة "سي إن إن" نقلا عن مصدر في وزارة الدفاع الأميركية بأن الطيارين الأميركيين حصلوا على تعليمات مفادها ألا يقتربوا من الطائرات الروسية بمسافة تقل عن 20 ميلا بحريا (حوالي 36 كلم). وعزا محللون الانسحاب الأميركي من المشهد السوري إلى خوف البيت الأبيض من أن يؤدّي التصادم مع الروس في الأجواء السورية إلى تقوية موقف موسكو ويشجعها على التمدد إلى العراق خاصة أن الأحزاب الدينية المرتبطة بإيران بدأت ترحب بالتدخل الروسي، وتنتظر الفرصة للتخلص من الدور الأميركي الذي ساعد بشكل أو بآخر على استمرار داعش في السيطرة على أجزاء واسعة من العراق.