إعلان نتيجة المرحلة الثانية لاختبارات الابتعاث 2026 وانعقاد المرحلة الثالثة والأخيرة    رئيس مياه الغربية يتابع إصلاح خط رئيسى قطر 800 مم بالمحلة دون انقطاع الخدمة    رئيس "سلامة الغذاء" يستقبل نقيب الزراعيين لتعزيز التعاون المشترك    البورصة تختتم جماعي بمنتصف تعاملات جلسة اليوم الثلاثاء وربح 17 مليار جنيه    مستوطنون إسرائيليون يرشون أطفالا فلسطينيين بالغاز المسيل للدموع في أحدث هجوم بالضفة الغربية    ردا على الطموحات الأمريكية.. ماكرون يؤكد: جرينلاند ملك لشعبها والدنمارك الضامن    الصليب الأحمر: لا توجد بنية تحتية سليمة في قطاع غزة ونطالب بزيادة تدفق المساعدات    بمشاركة ماييلي| الكونغو الديمقراطية يهزم بنين في أمم إفريقيا 2025    محافظة الجيزة تكشف تداعيات انهيار عقار سكنى فى حى إمبابة    بدء إعادة تركيب مركب الملك خوفو الثانية في المتحف المصري الكبير    جامعة كفر الشيخ تكرم طلاب «الذكاء الاصطناعي» الفائزين في مسابقة للمطورين    وزيرة التنمية المحلية تبحث التوسع في إنتاج السماد العضوي من وحدات البيوجاز    تراجع الأحزاب وصعود المستقلين، تقرير الائتلاف المصري يرصد ملامح جديدة لبرلمان 2025    الطقس غدًا: شبورة كثيفة وأجواء شديدة البرودة.. والصغرى بالقاهرة 12 درجة    الرئيس السيسي يهنئ قادة العالم بعيد الميلاد ويتمنى عامًا أكثر أمنًا واستقرارًا    طرح البوستر الرسمي لمسلسل "بطل العالم"    محمد منير ل اليوم السابع: أنا بخير وفى البيت وكان عندى شوية مغص وراحوا    خالد الجندى يوضح معنى «إياك نعبد وإياك نستعين» ويدعو إلى تحرى الحلال    ملتقى المرأة بالجامع الأزهر يؤكد: الطفولة أمانة شرعية وحق إنساني يُصان    حكام مباراة الثلاثاء ضمن منافسات الدوري الممتاز للكرة النسائية    وكيل وزارة الشباب والرياضة بالفيوم يستقبل لجنة «المنشآت الشبابية والرياضية» لمتابعة أعمال مراكز الشباب بالمحافظة    مليار مشاهدة.. برنامج دولة التلاوة فى كاريكاتير اليوم السابع    15 يومًا حبسًا لقاتل صديقه بالدخيلة.. مزّق الجثمان وأخفاه بسبب 1200 جنيه    وقف إطلاق النار في مهب الريح ..الاحتلال يعمل على تهجير الفلسطينيين بتفريغ قطاع غزة من مقومات الحياة    البحوث الفلكية تكشف موعد ميلاد شهر شعبان وأول أيامه فلكيا    وزارة الصحة تشارك في المنتدى الدولي الأول للشراء الطبي بالجامعة الأمريكية    اكتمال التشكيل النهائى لهيئات مكاتب الغرف الصناعية للدورة الانتخابية 2025-2029    اللجنة الدولية للصليب الأحمر تعلن استعدادها لدعم عملية إطلاق سراح المحتجزين في اليمن    محمد منير بخير.. مصادر مقربة تكشف حقيقة شائعة تعرضه لوعكة صحية    انطلاق «أيام الشارقة المسرحية ال35» 24 مارس 2026    حصاد قطاع المعاهد الأزهرية عام 2025.. تعليم متجدد وإنجازات غير مسبوقة    أمم إفريقيا - مؤتمر محرز: لا أعذار.. نريد كتابة تاريخ جديد لمنتخب الجزائر    الاستفتاءات والتكريمات والجوائز ومصانع المكرونة؟!    أمم إفريقيا – مؤتمر مدرب السودان: أحيانا أسمع وفاة أحد أفراد أسرة لاعب في الفريق    مودى ناصر يوقع على رغبة الانتقال للزمالك وإنبى يحدد 15 مليون جنيه لبيعه    ميناء دمياط يضخ 73 ألف طن واردات في يوم حيوي    وزيرة التعاون الدولي ونظيرها الأرميني يترأسان أعمال الدورة السادسة للجنة المصرية–الأرمينية المشتركة    الصحة: تقديم 34 مليون خدمة طبية بالمستشفيات والمراكز المتخصصة    محافظ شمال سيناء يفتتح عددا من الوحدات الصحية بمدينة بئر العبد    كيان تعليمى وهمى.. حيلة "مستريح مدينة نصر" لاستقطاب ضحاياه    أبطال وصناع "ميد تيرم" ضيوف معكم منى الشاذلي الخميس    مقتل 5 أفراد الشرطة الباكستانية في هجوم مسلح بإقليم خيبر بختونخوا    أمم إفريقيا 2025.. الكونغو الديمقراطية تفتتح مشوارها في البطولة أمام بنين    إدارة ترامب ترفع مكافأة الترحيل الطوعي للمهاجرين إلى ثلاثة آلاف دولار    لو لقيت فلوس في الشارع تعمل إيه؟.. أمين الفتوى يُجيب    وزير التعليم في جولة مفاجئة بمدارس إدارتي ببا وسمسطا بمحافظة بني سويف    ضبط شخصين بالمنيا لاتهامهما بالنصب على المواطنين    البابا تواضروس الثاني يستقبل الأنبا باخوميوس بدير القديس الأنبا بيشوي بوادي النطرون    الحمصاني: الحكومة تستعد لتنفيذ المرحلة الثانية من منظومة التأمين الصحي الشامل    الاحتلال الإسرائيلي يواصل خرق اتفاق وقف إطلاق النار بأنحاء متفرقة من غزة    وزارة التعليم: أحقية المعلمين المحالين للمعاش وباقون في الخدمة بحافز التدريس    وائل القباني: هجوم منتخب مصر الأقوى.. والتكتيك سيتغير أمام جنوب إفريقيا    الداخلية تسمح ل 23 شخصا بالتنازل عن الجنسية المصرية    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 23ديسمبر 2025 فى المنيا    نظر محاكمة 89 متهما بخلية هيكل الإخوان.. اليوم    خطوات التصالح في سرقة الكهرباء    «المستشفيات التعليمية» تعلن نجاح معهد الرمد والسمع في الحصول على اعتماد «جهار»    أمم إفريقيا - ياسر إبراهيم: أحب اللعب بجانب عبد المجيد.. ونعرف جنوب إفريقيا جيدا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



استقبال رمضان بين الحاضر والماضي
نشر في الفجر يوم 17 - 06 - 2015

شهر رمضان المبارك الذي أُنزل فيه القرآن، والذي يتعبد فيه المسلمون لربهم بأعظم العبادات وأجل الطاعات، عبادة الصوم، عبادة السر التي قال الله -تعالى- عنها كما في الحديث القدسي: "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي، وأنا أجزي به، ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي"[1].
ومعلوم أن لهذا الشهر فضائل عظيمة جعلته يتميز عن سائر الشهور، ولهذا كان له من الاهتمام والميزات في قلوب المسلمين والمؤمنين ما يجعلهم ينتظرون قدومه، ويستعدون للقائه، ويهيئون أنفسهم ويسألون الله أن يبلغهم رمضان، ويعينهم على الإحسان فيه صيامًا وقيامًا وزكاةً واعتكافًا.
هذا هو شأن الصالحين من هذه الأمة سلفًا وخلفًا، يفرحون لقدوم هذا الشهر الطيب المبارك، ويتمنون أن يدركهم رمضان وهم أحياء ليتقربوا إلى مولاهم ويتعرضوا إلى رحمات الله ونفحاته، ويستغفروا الله ويتوبوا سائلين مولاهم العظيم أن يعتق رقابهم من النار في هذا الشهر العظيم؛ فالصوم حماية ووقاية من النار، فقد ثبت عن رسول الله أنه قال: "الصوم جُنَّة يستجن بها العبد من النار"[2]. وقال أيضًا: "من صام يومًا في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفًا"[3].
كما أنهم يتلمسون فيه رحمة ربهم ودخول الجنات، فقد ثبت عن رسول الله أنه قال: "إن في الجنة بابًا يقال له: الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أغلق، فلم يدخل منه أحد"[4].
كما أنهم يبتغون في الصوم غفران الذنوب وتكفير السيئات، أخذًا بقول الله تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114]. ويقول رسول الله : "فتنة الرجل في أهله وماله وجاره تكفرها الصلاة والصيام والصدقة"[5]. وبقوله: "الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر"[6]. وبقوله: "من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه"[7].
قراءة القرآن في رمضان فالصالحون من هذه الأمة يحرصون على الخير، وكانوا أحرص الناس عليه؛ لذا تراهم قبل دخول هذا الشهر يعكفون على كتاب ربهم يتلونه ويتدارسونه ويقبلون عليه إقبالاً جميلاً، ويكثرون من صيام النوافل مثل الأيام البيض من كل شهر ويومي الاثنين والخميس ويوم عرفة ويوم عاشوراء ويوم قبله أو بعده، وكذلك الإكثار من صوم أيام شهر شعبان وشهر رجب. فيأتيهم رمضان وهم بعد في اشتياق ولهفة وحنين إلى الصوم ومكابدة ساعات الليل في القيام والتهجد والوقوف بين يدي مولاهم، عسى أن يغفر لهم، ويتوب عليهم، ويجاهدون النفس في لذائذها وفتورها ونومها، وكذلك يجاهدون شحها فيبذلون أنفس ما لديهم لإخوانهم الفقراء، متقربين بذلك إلى ربهم ومولاهم العظيم.
فهذا هو دأب الصالحين اقتداءً بسيد المرسلين ، الذي كان يفرح لقدوم هذا الشهر المبارك، ويعظمه ويهتم به أيَّما اهتمام، وكان يفرغ لعبادة ربه في ليل هذا الشهر ونهاره صائمًا قائمًا، وخاصة في العشر الأواخر منه؛ طمعًا في أن يصيبوا قيام ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، رجاء الدخول في رحمة الله ومغفرته، فكان إذا دخل رجب قال: "اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلّغنا اللهم رمضان"[8].
وإذا بلغهم رمضان جدُّوا واجتهدوا في العبادة، وأخلصوا لله وهم على وجل خشية أن لا يقبل منهم صومهم وقيامهم، فتراهم خاشعين كأنهم مرضى وما هم بمرضى، فإذا انقضى رمضان حزنوا عليه حزنًا شديدًا، كأن القوم فقدوا عزيزهم وحبيبهم الذي يبلغهم منازل الأبرار، فتراهم مشفقين يسألون الله أن يتقبل منهم صلاتهم وصيامهم وصدقاتهم واعتكافهم، وتمر الأيام والليالي وقلوبهم شاخصة إلى رمضان القادم لما وجدوا في رمضان الماضي من لذة الطاعة وحلاوة النجوى وأنس القربى، فيصومون النوافل انتظارًا للغائب الحبيب، ووصالاً لتلك الطاعة العظمى.
وتمر السنون وهم ما بين مستقبل متلهف مشتاق يدنو بناظريه إلى قدوم هذا العزيز الغالي، وبين معانق لياليه يكابد السهر ويعالج النوم، واقفًا يتلو آيات الله ويناجي ربه في جوف الليل، ويستشعر عظمة الله، ويوقن بأنه قريب إليه حيث ينزل ربنا إلى سماء الدنيا في ثلث الليل الأخير ليغفر الذنوب ويتجاوز عن المسيء، وإذا انقضى الشهر المبارك، يلهجون بالذكر والدعاء أن يتقبل منهم، فإنه -سبحانه- جواد كريم.
هذه بعض ملامح استقبال الصالحين السابقين لرمضان، وكيف يكون حالهم. أما حال كثير من الناس اليوم فمما يؤسف له ويقطع القلب حزنًا ويزيد النفس ألمًا وحسرةً أن ترى بعضهم إذا قدم رمضان كأنهم في ضيق وشدة، وكأن ضيفًا ثقيلاً ينوء بكلكله عليهم، فقطع منهم الأنفاس وتحشرجت الروح في الصدور، لِمَ كل هذا؟! لأن رمضان -في نظرهم- يحجب عنهم الشهوات، ويمنعهم الملذات: ملذات المطعم، والمشرب، والنساء، هذا في المباح فضلاً عما يقترفونه من ملذات محرمة، فتراهم يعدون الساعات والأيام والليالي ويفرحون بانقضائه وانتهاء أيامه ولياليه، فهم على مر أيام السنة ولياليها غارقون في الملذات والشهوات والمباحات والمحرمات، فإذا أتى رمضان حرمهم من هذه وتلك، ورأوا في التقيد بآداب هذا الشهر وفرائضه وواجباته عبئًا ثقيلاً، يهجم عليهم يمنع عنهم ما ألفوه واعتادوا عليه في سالف أعمارهم.
حتى إنهم يستقبلون صغائر الأمور وتوافهها بصدر رحب وبشاشة الوجه وفرحة القلب، فيبذلون ما لديهم من كرائم أموالهم وأنفس أوقاتهم فيبذلون الغالي والنفيس لاستقبال مباراة لكرة القدم مثلاً، حتى صارت أغلى لديهم من رمضان، وأحب إلى قلوبهم، وتناسوا عظائم الأمور وجهلوها.
كما أننا لو نظرنا إلى واقعنا ورأينا الناس قبل رمضان بأيام قليلة في الأسواق يحملون ما لذ وطاب، وما يكفيهم الشهور لا الشهر الواحد، ولتعجب من هذا الأمر، وكأن الأسواق سوف توصد ولن تفتح بعد هذا الوقت، وانقلب شهر الصوم إلى شهر التفنن في صنع أنواع الطعام النادرة، حتى صار شهر التخمة والسمنة، وأمراض المعدة، وانقلب هذا الشهر من شهر القيام والتهجد والبكاء من خشية الله والتذلل بين يديه، انقلب إلى شهر النوم في النهار، وقضاء جل الوقت أمام أجهزة التلفاز والفيديو، أو تضييع هذا الوقت في حفلات السمر وصحبة الأشرار، وانقلب هذا الشهر من شهر الإحساس بالجوعى والفقراء والمساكين ومواساتهم إلى شهر الانغماس في الشهوات حتى الثمالة، فمتى يفيق هؤلاء الناس؟!
إذن فالبون شاسع والمسافة بيننا وبينهم بعيدة، هكذا هو الحال والواقع الذي لا مفر من الاعتراف به، وتلك هي الحقيقة المرة[9]؛ من أجل ذلك كان لزامًا علينا أن نتعرض بشيء من الإيضاح لبعض الدروس والعبر من مدرسة الصوم التي تربت فيها الأجيال فيما مضى، ونأمل في أن تعود الأجيال المعاصرة إلى الالتحاق بهذه المدرسة العظيمة لنرى رجالاً كأولئك الأطهار الأبرار سلف الأمة من العلماء والعباد والزهاد، رضي الله عنهم أجمعين.
إنني عندما أشير إلى ما كان عليه السلف الصالح فإنني أهدف إلى شحذ الهمم، وإيقاظ العزائم، والاقتداء بهؤلاء الأفذاذ، {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام:90]، {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الأَلْبَابِ} [الزمر:18].
نسأل الله أن يرزقنا الاقتداء في صيامنا وقيامنا بنبينا عليه الصلاة والسلام، وبصحابته الكرام، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.