قبل 15 عاما سألت الموسيقار الكبير كمال الطويل عن الملحن الذى تستوقفه أنغامه فى هذا الجيل، قال وكأنه ينتظر هذا السؤال: «رياض الهمشرى».. طلبت من الطويل أن يقدم أسبابا، قال لى: «رياض به عصرية هذا الزمن، فهو ابن جيله، وفى نفس الوقت تلمح فيه تواصلا مع جيلنا». كنا وقتها قد أقمنا فى مجلة «روزاليوسف» مسابقة لاختيار أفضل المبدعين فى كل المجالات، وحرصنا على أن نضيف إلى لجنة التحكيم فنانا متخصصا فى مجاله، ولم نجد أهم ولا أروع من كمال الطويل ليصبح هو مرجعيتنا الغنائية، ووقع اختيار الطويل على رياض الهمشرى فى أغنية «بعت لى نظرة بعت له» التى شدت بها أنغام عن كلمات بهاء الدين محمد، ليلتها اعتبرت أن جائزة رياض الحقيقية هى شهادة الطويل، وحرصت على أن أنقلها إليه، وشاءت الصدفة أن آخر مرة ألتقى بها مع رياض يوم رحيل كمال الطويل فى برنامج «القاهرة اليوم» قبل رحيل رياض بأربعة أعوام، ومن بعدها هاجر إلى بيروت بعد أن لاحقته أحكام قضائية ليس من اللائق الآن تناولها. الأهم هو أن نستعيد معا ومضاته الغنائية فى ذكراه الثامنة التى حلت قبل ثلاثة أيام، وكم كان يستحق بهذا العطاء مكانة خاصة ومتميزة لهذا الجيل الذى بدأت معالمه تفرض نفسها على الخريطة الغنائية منذ مطلع التسعينيات. الغريب أن ثورة «المضحكين الجدد» التى اندلعت عام 1997 ساهم فى إشعالها لحن رياض الهمشرى الذى صاغه على كلمات عنتر هلال «كامننا»، التى غناها محمد فؤاد ومحمد هنيدى، ولعبت الأغنية دورا محوريا فى تأكيد هذا النجاح الطاغى الذى حققه فيلم «إسماعيلية رايح جاى»، ولرياض الهمشرى باع طويل فى الأغنيات الرصينة مثل «انكسر جوانا شىء» لعلى الحجار، ومع مدحت صالح «لا طير ولا شاطئ ولا مرسى».. وعمرو دياب «قمر قمر»، و«راجعين».. ومع شيرين «جرح تانى لا».. ومع أصالة «خليك شوية».. ومع تامر وشيرين «لو كنت نسيت».. ومع هانى شاكر «باحبك أنا».. ومع هشام عباس «نارى نارين».. ومع وائل كافورى «انت بتلعبى بالنار».. دائما كان رياض قادرا على أن يقدم النغمة التى يرددها الناس بعده، ولأنه بدأ حياته مطربا، بل وكانوا يعتبرونه فى مطلع السبعينيات هو الطفل المعجزة لأنه كان قادرا على أداء الأغنيات القديمة بطلاقة وتفهم، حتى إن فريد الأطرش قال إنه بين كل من رددوا ألحانه كان رياض هو الأقرب إليه وقتها، 1974، وكان لم يتجاوز الرابعة عشرة من عمره. إلا أنه بعد ذلك اكتشف نفسه كملحن، وهذه البداية تتشابه مع بليغ حمدى، إذ كان بليغ أيضا يغنى فى مطلع حياته ألحانا لآخرين، لأن هذا يتيح له قدرة على اكتشاف تفاصيل الأداء عند المطرب. هذا الجيل أشعر أننا نظلمه كثيرا عندما لا نقيم بالفعل أعماله بحجة أن القديم فقط هو الذى يفيض بالإبداع والصدق، لا شك أن هناك ومضات قدمها عدد من ملحنى وشعراء هذا الزمن.. اختطف الموت مبكرا قبل 16 عاما الشاعر عصام عبد الله.. أتمنى أن نستعيد تقييم أغنيات هذا الجيل، سنجد ولا شك أسماء تستحق أن نتأمل لمحاتها، مثل الملحنين الأخوين «شرنوبى» فاروق وصلاح.. سامى الحفناوى، محمد ضياء الدين، محمد رحيم، شريف تاج الدين، حسين محمود، نادر شريف، عمرو مصطفى، محمود طلعت، وليد سعد.. ومن الشعراء بهاء الدين محمد، وأيمن بهجت قمر، والراحل مجدى النجار، وناصر رشوان، وأمير طعيمة، وعنتر هلال، وجمال بخيت، وأحمد نجيب، وكوثر مصطفى، وفاطمة جعفر، وهانى عبد الكريم، ومدحت العدل، ونادر عبد الله.. وغيرهم.. لا يمكن أن ننتظر ساعة الرحيل لنقول لهم أنتم مبدعون. لم يستطع الهمشرى البقاء فى سنواته الأخيرة بالقاهرة، لكنه عاد ليُدفن فى أرضها طبقا لوصيته فى 7 مايو 2007، ولا تزال ألحانه تنبض بالحياة!!