الأهالى غادروا بيوتهم بعد دخول المياه إلى غرف نومهم.. وأصحاب المحلات يصرخون من وقف الحال «تلال من مخلفات الصرف الصحى تسد الطريق يمينا ويساراً، وعربتا شفط من الجهتين، الذباب والحشرات تملأ المكان، بشر حياتهم توقفت».. هكذا هو المشهد فى شارع مسجد الرحمن بقرية بشتيل بإمبابة، تلك القرية التى عانت طيلة 30 عاماً أو أكثر من مشكلات الصرف الصحى و كلما رأوا بارقة أمل لحل أزمتهم، سحق الفساد أحلامهم. منذ عام ونصف العام زار المهندس إبراهيم محلب وكان وقتها وزيراً للإسكان وبصحبته عدد من المسئولين قرية بشتيل، ووعدوا بحل مشكلة الصرف الصحى هناك بل وبدأوا بالفعل فى التنفيذ، وعهدوا إلى إدارة المشروعات لإتمام الأمر ولكن خط سير المشروع الذى تنفذه إدارة المشروعات مختلف تماماً عما وعد به المسئولون وقت زيارتهم، أى أن إدارة المشروعات خالفت اتفاقها مع الحكومة مما سيضيع ملايين الدولة التى ستنفقها على هذا المشروع أرضاً. يقول الأهالى إن مشكلة الصرف الصحى بقرية بشتيل موجودة منذ أكثر من 30 سنة، حيث كانت هذه القرية قديماً أرضًا زراعية فتم البناء عليها بشكل عشوائى دون مراعاة وجود شبكة صرف ملائمة، ومع زيادة عدد السكان يوماً بعد يوم بدأت مشكلة الصرف تتفاقم حتى باتت المياه تغرق البيوت بالدور الأرضى والمحلات وغيرها، وبات الخروج من البيوت مسألة صعبة لأن الشوارع غارقة فى مياه الصرف الصحى. بقرية بشتيل كانت الأم تخرج إلى السوق لأقل من الساعة وتترك أطفالها نائمين فتعود لتجد المياه أغرقت منزلها وأطفالها يصرخون لا يعرفون كيف يتصرفون، وكان صاحب المتجر من يوم لآخر تغرق المياه بضاعته، فيتكبد خسائر فادحة تضطره أخيراً إلى إغلاق مصدر رزقه، والبحث عن مصدر آخر بعيد عن مياه الصرف، جميعها حكايات حقيقية شهدها سكان وأهالى قرية بشتيل، وكان الحل فى كل مرة هو عربات شفط تذهب للقرية فتشفط المياه لتعود فى اليوم التالى لشفط مياهاً جديدة. منذ أربعة أعوام فقط بدأت الحكومة تتحرك فعلياً لإنشاء شبكة صرف صحى بالقرية ولكن بدلاً من عمل شبكة صرف جيدة، تم عمل مواسير 8 بوصة ووضعها بالقرب من سطح الأرض، وصممت شبكة صرف ضعيفة لا تتناسب مع حجم القرية والسكان وارتفاع البيوت، فما لبثت أن عادت المشكلة للظهور من جديد وعاد أهل القرية يعانون مثلما حدث من قبل، حتى زارهم المهندس محلب وعدد من المسئولين منذ عام ونصف العام وقرروا إعادة عمل شبكة صرف جديدة تستوعب القرية وسكانها. يؤكد الأهالى أن الحكومة اتفقت مع إدارة المشروعات على أن تكون مواسير شبكة الصرف الجديدة من الفخار، وأن توضع على عمق مناسب يصل إلى ثلاثة أمتار لحل الأزمة، إلا أن الأهالى فوجئوا بإدارة المشروعات تخلف عهدها مع الحكومة وبعد أن بدأت باستخدام مواسير فخار لمسافة 50 مترًا، فوجئوا بها تستكمل المشروع بمواسير بلاستيك صغيرة الحجم، ثم كانت المفاجأة حين وجدوا أن الشركة المنفذة تصمم صرفًا موازيًا وليس شبكة صرف جديدة حيث تضع المواسير البلاستيك الجديدة بجانب المواسير القديمة التالفة، وهو ما يعنى أنه عند حدوث انسداد فإنه لابد من تعقب الصرف بالخطين لمعرفة سبب الانسداد وعلى المدى القريب ستعود الأزمة للخروج من جديد. يعد شارع مسجد الرحمن هو الشارع الرئيسى بالقرية، وقد تم ربط الصرف بالشوارع الفرعية به بمعنى أن الصرف الصحى بجميع شوارع القرية يصب بهذا الشارع على اعتباره يحتوى على شبكة الصرف الأم، وفى نهاية كل شارع تجد مواتير تسحب مياه الصرف لتلقيها بشارع مسجد الرحمن، ونتيجة للفساد الذى يشوب عملية إعادة بناء شبكة الصرف يبقى هذا الشارع غارقاً فى الصرف الصحى وتبقى جميع شوارع القرية مهددة بالغرق مثلما كان يحدث فى السابق. بقرية بشتيل غادر الأهالى بيوتهم بالدور الأرضى، وبشارع مسجد الرحمن عدد من محلات الطعام كمحل كشرى ودواجن وجزارة وسوبر ماركت وخضر وفاكهة ولكنها جميعاً محلات خارج نطاق الخدمة «لو عايزة تاكلى حتفكرى تيجى تاكلى من عندى والمنظر ده قدامك؟».. كان هذا هو السؤال الذى طرحه علينا صاحب محل كشرى بالشارع، مستطرداً: «إحنا اتخرب بيتنا خلاص ما حدش بيجى يشترى مننا حاجة مين بييجى يأكل من محل الصرف طافح قدامه والذباب والحشرات حواليه فى كل حتة حسبى الله ونعم الوكيل». عم جمال محمود، وهو رجل ستينى يعمل فى تسليك الصرف بالمنطقة، قال لنا: «أنا ما باخدش أجازة أصلاً كل يوم فى الشوارع، عمال اسلك الصرف والمشروع الجديد بتاع الصرف ده هيبوظ ومش حينفع لأنه ما ينفعش تأسيس شبكة صرف جديدة دون إلغاء عمل القديمة، كمان حجم المواسير ونوعيتها اللى من البلاستيك عمره ما يستوعب حجم السكان والبيوت بالقرية يعنى الدولة بترمى فلوسها على الأرض والمشكلة مستمرة. شعبان السيد أحد السكان قال ل«الفجر»: أنا بشتغل نجار مسلح وصحابى بتوع محارة وعمال بناء وبيجلنا شغل فى التجمع الخامس وأكتوبر وبنبنى فيلات وعمارات كبيرة لو فى مشكلة زى دى عند الناس «الكبيرة» وده مستحيل طبعاً الحكومة هتحلها على الفور، عشان مفيش واحد من الناس الكبيرة دى يقدر يعيش يوم واحد وسط تلال مخلفات الصرف الصحى اللى إحنا عايشين وسطها من سنين؟» – على حد تعبيره.