مشهد الرئيس الروسى فلادمير بوتين، والرئيس عبد الفتاح السيسى يتناولان الشاى منفردين ، بأحد المقاهى بمنطقة روزا خوتر السياحية كصديقين قديمين جلسا يتبادلان حديثا وديا ووجهات النظر حول كوبان من الشاى ،هو مشهد كسر المشهد الدبلوماسى والبروتكولى وتخطى الرسميات لينقل مشاعر الصداقة والود التى جمعت بين رئيس إحدى الدول العظمى ورئيس أكبر دولة عربية بالمنطقة. اصطحب بوتين السيسى فى جولة بمجمع "لأورا" يستمتعان بمتابعة منافسات التزحلق على الجليد، والبياتلون بمبنى استاد البياتلون، شاهد ا تمرين رماية بالذخيرة الحية لفريق الرماية القومي الروسي، تفقدا الملاعب بالمجمع، لم يكن مشهد رئيسين يقومان بمباحثات رسمية بقدر ما ظهرت مشاعر صداقة ربما أثارت قلق أطراف غربية أخرى أكثر من الاتفاقيات التى تم التوقيع عليها خلال الزيارة اغسطس الماضى.
أما مراسم الاستقبال الرسمية فقد عقدت على ظهر الفرقاطة "موسكو" التابعة لأسطول البحر الأسود الروسي، استقبال يشى بأهمية الرئيس الضيف وتقديره كقائد عسكرى.
التقى الرئيس الروسى بوتين ثلاث رؤساء مصريين ( مبارك – مرسى – السيسى ) خلال فترات رئاسته المتقطعه لروسيا الاتحادية التى تخطت 10 سنوات، منذ توليه منصبه كرئيس لروسيا فى عام 2000 لفترتين رئاسيتين انتهتا فى 2008 ، وفترة رئاسية ثالثة بدات فى عام 2012.
زيارة بوتين للقاهرة تعكس عمق العلاقات بين البلدين بشكل عام، وتعكس تقديرا خاصا للرئيس السيسى، حيث تأتى بعد أقل من عام لتوليه منصبه، فى دعم ومباركة روسية لخطوات السيسى، وتعبيرا عن الثقة فى قدرته على اكمال مدته الرئاسية وقيادة البلاد فى ظروف صعبة وهى ثقة لم يمنحها لسابقه مرسى.
بوتين الذى ينظر إليه فى روسيا كبطل قومى، لأنه أستطاع يعيد بلاده إلى الواجهة مجددا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وينظر بدوره إلى السيسى كبطل قومي مصري، وعملاق عسكري في بلد تمثل فيه الحياة العسكرية أساسا في شئون الدولة والرجل القادرعلى توحيد بلاده، والقوى المتباينة التي يمكن أن تمزقها.
إعجاب بوتين بالسيسى وتقديره يظهر جليا فى حفاوة الاستقبال الرسمى بالسيسى فى زيارتيه لروسيا، الزيارة الأولى بصفته وزيرا للدفاع فبراير 2014، بصحبة وزير الخارجية انذاك نبيل فهمى، وهى الزيارة التى كانت قبيل إعلان السيسى ترشحه لمنصب رئيس الجمهورية، جاءت الزيارة فيما عرف باجتماعات 2+2 والتى جمعت بين وزيرى الدفاع والخارجية المصريين ونظريهما الروسيين، أهمية الزيارة تمحورت فى الاتفاق على أضخم صفقة اسلحة بين مصر وروسيا قدرها الخبراء ب2 ملياردولار.
زيارة السيسى إلى روسيا كانت محط أنظار دول العالم الغربى والعربى على السواء، خاصة مع ارتفاع حدة التوتر فى العلاقات المصرية الامريكية عقب 30 يونيو والاطاحة بجماعة الاخوان المسلمين وتعليق المساعدات الأمريكية، فيما يشبه الإجراء العقابى لمصر للإطاحة بالإخوان.
بدت حفاوة الاستقبال الروسى للسيسى أثناء تلك الزيارة الاولى، حيث منح أعلى وسام في روسيا، بعد أن أهداه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "جاكيت" أسود اللون عليه نجمة، وهو الزي الرسمي لفريق الهوكي الروسي، الذي يمثِّل أهم الفرق الرياضية، فى مشهد أوحى بدفء وشخصنة العلاقات بين بويتن والسيسى، كونها هدية شخصية لا علاقة لها بالرسميات.
وانعكس إعجاب الرئيس الروسى بالسيسى فى تصريحاته أثناء الزيارة، حيث وصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين توجه المشير السيسي للترشح للرئاسة حينئذ بالقرار المسئول، وقال مخاطبا السيسي "هذا قرار مسئول للغاية لأنكم تضعون على عاتقكم مصير الشعب المصري".
الزيارة الثانية للرئيس السيسى ، 18 اغسطس الماضى، في زيارة إمتدت ليومين عقد خلالها مباحثات ثنائية مع نظيره الروسى، واستهدفت تدعيم العلاقات الثنائية بين البلدين في شتى المجالات وقد تم استقبال السيسى استقبالا حافلا، حيث دخلت الطائرة الرئاسية المصرية المجال الجوي الروسي، يرافقها سرب من المقاتلات الروسية، مصطحبة إياها حتى هبوطها في مطار مدينة سوتشي، و كان سيرجي لافروف، وزير خارجية روسيا ، في استقبال الرئيس السيسي، كما تلقى السيسي، هدية أثرية قيمة من الرئيس الروسي، وهي عبارة عن نموذج لمركب جنائزي فرعوني، درج قدماء المصريين على وضعه في مقبرة المتوفى كرمز للمركب الجنائزي الذي يقله إلى الحياة الأخرى، وهى الهدية التى سلمها بوتين شخصيا للسيسى اثناء مأدبة الغداء الرسمية بقصر بوتشاروف روتشييه، فضلا عن ملازمة بوتين للسيسى اكثر من 11 ساعة متصلة، تفقدا خلالها بارجة حربية والتزحلق على الجليد.
التناغم بين بوتين والسيسى ليس فقط على المستوى الشخصى ولكن ايضا هناك توافق فى الرؤى على المستوى السياسى اتجاه قضايا المنطقة وتحديدا القضية السورية، والتى تمثل اهتماما محوريا لروسيا بالمنطقة وعمق استراتيجى للامن القومى المصرى، ودعمت مصر التحرك الروسي على خط دمشق للتوصل إلى حل سياسي للأزمة، وإنهاء الصراع مستبعدين الحل العسكرى، حيث رفضت مصر المشاركة عسكريا فى التحالف الدولى الذى شكلته الولاياتالمتحدة لشن هجمات جوية على تنظيم الدولة الاسلامية فى الشام والعراق داعش، كما أكد السيسي، ان الرئيس السورى، بشار الأسد، جزءا من الحل السياسى، إذا تم الإتفاق والتوافق بين جميع الأطراف.
كما سارع السيسى بالتاكيد على استعداد مصر لتوفير احتياجات السوق الروسي من السلع الغذائية والحاصلات الزراعية، مع تسهيل وتيسير نفاذ هذه السلع إلى السوق الروسية، بعد فرض روسيا حظر على واردات بعض المنتجات الزراعية والغذائية، من الدول الغربية، التي فرضت عليها عقوبات في وقت سابق تتعلق بالأزمة الأوكرانية.
على النقيض من علاقة الصداقة بين السيسى وبوتين، بدا نفور بوتين واضحا من جماعة الإخوان ورئيسها المعزول محمد مرسى، ليس فقط لرفضهم حكم جماعة دينية أو كونها على تصنيف الجماعات الإرهابية لديهم ولكن أيضا لاعتبارات حول شخصية مرسى ومستوى ذكاؤه السياسى وممارساته على مستوى اللياقة والبرتوكول.
ظهرت حالة النفور فى سؤ الاستقبال الرسمى لمرسى إبريل 2013 ، حيث لم تقام مراسم استقبال رسمية لمرسى، وقام باستقباله عمدة منتجع سوتشى، كما لم ترفع الأعلام المصرية إلى جانب الأعلام الروسية أثناء مراسم الاستقبال ، وهو ما يعبر عن عدم الترحيب بالضيف، ولم يهتم الكرملين بالزيارة أو الأعلان عن أى نتائج ذات اهمية تذكر بين الجانبين، كما أن لقاء بوتين ومرسى لم يتخطى ساعة واحدة فقط.
لم يحظى مرسى باعجاب بوتين، لم يترك عنده انطباع القائد والزعيم الذى من الممكن ان يعبر بدولة بحجم مصر من كبوتها ويعيد انتشالها من ركام انهيارها ، إنطباع بويتن عن مرسى أنه شخص فاشل فى إدارة شئون الدولة المصرية ، وتنبأ له بالرحيل السريع عن رأس السلطة بمصر، وهو الانطباع الذى تسرب إلى بعض وسائل الاعلام الغربية بعبارة على لسان الرئيس الروسى " الرئيس محمد مرسى ربما يغادر الحكم قبل الرئيس السورى بشار الأسد" وهى التوقعات التى صدقت بعزل مرسى.
جمعت بويتن ومبارك علاقة متوازنة قائمة على التقدير والاحترام المتبادل، على الرغم من سياسة مبارك المنحازة إلى المعسكر الأمريكى طوال مدة حكمه لاعتبارات المصالح الاستراتيجية من وجهة نظر النظام الحاكم انذاك ، إلا أن روسيا حافظت على توازن معقول فى علاقتها مع مصر رسميا، وهو ما ينطبق أيضا على علاقة بوتين ومبارك على المستوى الشخصى، ربما لطبيعة مبارك كرجل من خلفية عسكرية و مشاركته فى حرب اكتوبر 1973 كقائد للقوات الجوية جعلت هناك احتراما له من قبل الرئيس الروسى الذى يتشكل تاريخ بلاده بالانتصارات العسكرية وتقدر المنتصر.
قام مبارك خلال ولاية بوتين بزيارتين رسميتين لموسكو، الزيارة الأولى فى العام 2001 ، وأعدت خلالها البرامج طويلة الأمد للتعاون في كافة المجالات والبيان حول مبادئ علاقات الصداقة والتعاون، والزيارة الثانية في نوفمبر عام 2006، وذكر مبارك في حديث لإحدى الصحف الروسية، أثناء زيارته، إنه نصح بوتين بتعديل الدستور بما يتيح له البقاء في السلطة لفترة جديدة، بعد نهاية فترته الرئاسية الثانية في عام 2008، والحكم مدى الحياة.
بل إن بعض الصحف الامريكية شبهت بوتين بمبارك، بعد قرار بوتين بالعودة إلى الرئاسة لست سنوات أخرى بعد انتهاء مدة دورتيه الرئاسيتين، وكان بوتين قد التف على الدستور الذي يمنع ترشحه لأكثر من فترتين متتاليتين، وعقد صفقة قبل 3 سنوات مع صديقه ميدفيديف تبادلا خلالها منصبي الرئاسة ورئاسة الوزراء على أن يعود للكرملين مجددا في انتخابات مارس 2012.
تجدد تشبيه بوتين ومبارك مع الاتهامات التى حامت حوله بوقوع مخالفات في عملية التصويت هدفت الى تعزيز التصويت لحزب روسيا الموحدة وكان حزب روسيا الموحدة بزعامة بوتين فى الانتخابات البرلمانية حصل في الانتخابات البرلمانية بموجب نظام معقد لتوزيع المقاعد مرتبط بكيفية الاقتراع على 238 بغالبية مطلقة، بحيث لا يكون الحزب بحاجة لأي تحالف مع احزاب اخرى لتشكيل الحكومة ، ليعيد للاذهان مشهد تزوير مبارك الفاضح لانتخابات 2010.
زار بوتين القاهرة رسميا مرة واحدة فى عام 2005، استقبله مبارك فيها استقبالا اسطوريا، ونظم له استقبالا رسميا حافلا ورفيع المستوى، واستقبله بقصر عابدين الأفخم والأكثر عراقة في الشرق الأوسط بقاعة الجمهورية، حيث أقام مأدبة عشاء والوفد المرافق له وعدد من الكتاب المصريين والشخصيات العامة الشهيرة، كما اقام حفلا موسيقيا بقاعة المسرح بالقصر.