دائمًا ما يقولون إن الايمان هو من يصنع الخلود ، وعلى الرغم من مرور 40 عام على رحيل كوكب الشرق ،التي غادرت دنيانا يوم الثلاثاء 3 فبراير 1975، إلا إنها ظلت صوتًا لكل العرب يتجمعون حولها في كل مكان لتكون رمزًا لهم كونها إمراءة إستثنائية لديها إيمان بالفن والقضية والموهبة ، وربما هذا الإيمان كان سبب كافي في جعلها " كوكب الشرق " . ولدت أم كلثوم قبل نهاية القرن التاسع عشر ببضع سنوات ربما خمسة ،فلا يوجد توثيق رسمي ،ولم تكن أم كلثوم تذكر في الأوراق الرسمية ،سوى إنها مواليد 1908 ،وهو بالتأكيد ليس صحيحًا ،هناك إختصار ما بين عشرة إلى خمسة عشر عامًا ،وهو ما ذكرة في إحدى مقالاتة الكاتب الكبير الأستاذ مصطفى الفقي ، إنه عندما كان يشغل منصب سكرتير في السفارة المصرية بمدريد وفي رحلة علاج لعينها كان يستقبلها ولاحظ وهو ينهي إجراءات السفر إن عمرها في جواز السفر أقل بكثير من عمرها الحقيقي ،ولم يذكر ما الذي اعتقده هو بإعتباره العمر الحقيقي . "أم كلثوم شاهد على ملكين وثلاثة رؤؤساء " فكوكب الشرق عاشت أكثر من ثلاثة أرباع القرن العشرين وعاصرت كمطربة معروفة ملكين ،فؤاد وفاروق وثلاثة رؤؤساء ،محمد نجيب وعبد الناصر والسادات ،غنت لفاروق وغنت لجمال ولكنها لم تتنظر شيئًا حتى وسام صاحبة العصمة الي منحه لها الملك فاروق ،كان تحصيل حاصل ،لانها فنانة الشعب التي تعصمها قلوب الشعب . وكانت سيدة الغناء العربي ،أم كلثوم ، هي أول من تغني بحلم الجماهير الثائرة حتى وقتنا الحالي ،فعقب قيام ثورة 1952 قام أحد ضباط مجلس قيادة الثورة بمنع أغنيات أم كلثوم من الإذاعة بقرار فردى متخيلا إنه بذلك سيرضى الرئيس محمد نجيب وحاشيته، لأن كوكب الشرق كانت محسوبة على المللك ونظامه آنذاك، وما أن علم الزعيم جمال عبدالناصر بهذا القرار حتى تدخل شخصيا بإعادة اذاعة اغانيها، وقربها منه، فلم يجد أفضل من صوتها وشعبيتها ليعبراعن ثورتهم. "بعد الصبر ما طال .. بدايات الثورة في لحن الكلثوميات " وكانت بداية ذكر اسم " الشعب" فى أغنيات أم كلثوم عام 1958 من خلال أغنية " بعد الصبر ماطال" التى تغنت بها بمناسبة الوحدة بين مصر وسوريا، من كلمات بيرم التونسي، وألحان رياض السنباطى والتى قالت فى أحد كوبليهاتها " الشعب اللى رفع الراية لصلاح الدين أودعها يمين عبدالناصر ويمينه يمين والشعب وراه والله معين". وفى نفس العام، وبالتحديد يوم 4 مايو، وبعد عودة جمال عبدالناصر من زيارته للاتحاد السوفيتى تغنى له أغنيتها " بطل السلام" لنفس المؤلف والملحن، والتى بشرت بالحلم الوطنى والتى تقول فيها: " لا بالسلاح ولا بالقوة لكن مودة وأخوة " وعندما فكر جمال عبدالناصر فى بناء السد العالى لم يجد أفضل من صوت كوكب الشرق للتعريف بهذا المشروع الوطنى العملاق، فقدمت فى 26 نوفمبر عام 1959 أغنية "كان حلماً فخاطراً " كلمات عزيز أباظة وألحان رياض السنباطي وفى عيد الثورة عام1961 تلتقى حنجرة أم كلثوم بكلمات المبدع صلاح جاهين وألحان السنباطي، فى رائعتهما " ثوار" التى تقول فيها: " الشعب قام يسأل على حقوقه والثورة زى النبض فى عروقه وطول ما أيد شعب العرب فى الإيد الثورة قايمة والكفاح دوار". وفى الذكرى العاشرة لثورة يوليو، وبالتحديد يوم 23 يوليو 1962 تقدم أم كلثوم أغنيتها " الزعيم والثورة" كلمات الشاعر عبدالفتاح مصطفى وألحان السنباطى والتى تتغنى فيها بإنجازات الثورة على مدى عشرة أعوام فتغنى قائلة: " الزعيم والثورة وفوا بالعهودلسه دور الشعب يوفى بالجهود بالإرادة والعزيمة نبنى أمتنا العظيمة". "صوت الشرق ..حمس الجنود على إنتصار 73 رغم النكسة " وقبل نشوب حرب يونيه 1967 بأيام قليلة، وتحديدا فى الأول من يونيه غنت أغنيتها " الله معك" أو " راجعين بقوة السلاح"، كلمات صلاح جاهين، وألحان السنباطي وبعد حدوث النكسة وتنحى جمال عبدالناصر، وتخليه عن منصبه غنت يوم 10 يونيه 1967 بصوت يعتصره الألم أغنية بعنوان "إبقى" وسماها البعض "حبيب الشعب"، وهى من تأليف صالح جودت وتلحين رياض السنباطى وفيها تغنت بإسم شعب مصر كله الذى خرج فى الشوارع يرفض التنحى وتعتبر هذه الأغنية آخر أغنية وطنية قدمتها سيدة الغناء العربي، وبعدها بسنوات قليلة حدث إنتصار 73 ولكنها مرضها لم يمكنها من الغناء على الرغم من قولها لاحمد رامي "الثورة نجحت ونفسي اقوم واغني " ،وبالتحديد يوم 3 فبراير رحلت عن دنيانا. "رغم أنف الغياب..الست حاضرة في ثورتي يناير ويونيو " ولكنها ظلت حاضرة وبقوة في كل الثوارت المصرية ،حيث أعادت الفضائيات في ثورتي 25 يناير و 30 يونيو قصيدة "أنا الشعب " والتي تقول فيها " سجين الزمان ؟! ومن أطلقه ؟! ..لقد شاد بالأمس أهرامه...بأيدٍ مسخرة موثقة ..على ظهره بصمات السياط.. وأحشاوه بالطوى مرهقة !! " وكأنها توجه تحية من العالم الأخر إلى مصر الثائرة . وحين تغنت في مقطع "صاح من الشعب صوت طليق قوى ، أبى ، عريق ، عميق يقول : انا الشعب والمعجزه " كأنها تود أن تبلغ الشعب المصري أن يكمل رسالتة الخالدة وان يستمر في القوة ويظهر ذلك واضحًا في تنهديتها حين قالت "انا الشعب ، شعب العلا والنضال"