منطقتان يفصل بينهما كوبري لكنهما عالمين مختلفين .. الأولي منطقة كورنيش النيل حيث الأبراج الشاهقة التي يقطنها أولاد الذوات، والشوارع الواسعة النظيفة المليئة بالحدائق، الثانية منطقة "بطن البقرة" التي تقع خارج حسابات المسئولين المصريين، وعلي رأسهم الدكتورة ليلي إسكندر وزيرة الدولة للتطوير الحضاري والعشوائيات ورئيس صندوق تطوير العشوائيات.. هذه المنطقة تقع بحي مصر القديمة، ويقطنها نحو ثلاثة ألاف أسرة مصرية ممن ارتضوا الحياة قسراً بمبدأ " مفيش غير المكان دي يأوينا من الشارع" .. لكن في حقيقة الأمر المكان حالته صعبة أوي، فالأسر تعيش في بيوت أيله للسقوط لا تتجاوز الدورين يسكن في بعضها 10 أسر، كلهم يقضون حاجتهم في حمام مشترك، كل أسرة لا يقل عدد أفرادها عن 5 أو 6 أفراد يقيمون داخل غرفة صغيرة أشبه بالجحور تدخلها العقارب والثعابين، وغارقة في مياه المجاري، والمنطقة بلا مياه ولا صرف صحي ولا مدارس ولا مستشفيات، وتحاصرها القمامة من كل مكان.. والسادة المسئولين لا يسمعون ولا يتحركون بل فقط يتحدثون ب" كلام معسول" لا يرقي للتنفيذ علي أرض الواقع، وليس أدل علي ذلك سوي التصريحات المتناقضة التي اطلقتها الدكتورة ليلي إسكندر مؤخراً ففي الوقت الذي تؤكد فيه بأن صندوق تطوير العشوائيات التابع لوزارتها لديه خطة واستراتيجية إنسانية- علي حد وصفها، للتعامل مع سكان العشوائيات، تجد أهالي العشوائيات ومن بينها بطن البقر يؤكدون تخوفهم من الإخلاء القسري الذي أبلغتهم به الحكومة في فترات سابقة، وفي الوقت الذي تؤكد فيه أن ميزانية الصندوق لا تتجاوز 500 مليون جنيه، تجدها تؤكد بأن الوزارة لديها خطة عاجلة لتطوير 59 منطقة عشوائية بتكلفة 852 مليون جنيه لا نريد تصريحات وردية اعتدنا عليها من المسئولين الحكوميين، نريد حلولاً فعلية تطبق علي أرض الوقع، نريد منكم النزول إلي هذه المنطقة كي تروا عم محمد الذي يتجاوز عمره الستين، ويرقد علي مرتبة في غرفة أيله للسقوط، تخلو تماماً من الأثاث.. انزلوا كي تروا حالة الحاجة ذكية التي سئمت من الحياة كلها، انزلوا كي تروا أهالي المنطقة يحملون فوق رؤوسهم مياه " الطرانشات" بسبب عدم وجود الصرف الصحي، انزلوا كي تروا القمامة المنتشرة في كل شوارع المدينة، انزلوا كي تروا أطفالاً صغاراً حياتهم مهددة بالموت بسبب الأوبئة والأمراض المنتشرة هناك، انزلوا كي تروا سيدات مسنة لا تملك قوت يومها، وأخيراً إذا ما كنتم لا ترغبون في النزول، فعليكم أن تسمعوا رسالة توجهها إليكم الحاجة سعدية لعلكم تتحركون، نصها:" إحنا عايشين في بطن البقرة زي الميتين".. وخلص الكلام.