لو شاهدت عددًا من التسجيلات التى قاومت الفناء والإهمال لنجومنا الكبار وانتشرت مؤخرًا على «النت»، لو أمعنت التفكير قليلا وربطت بين التصريح حينًا والتلميح حينًا، ستكتشف أن فريد الأطرش الذى احتفلنا قبل يومين بذكراه الأربعين، كان لديه مأزق ليس مع عبد الحليم أو أم كلثوم، كما كنا نعتقد ونردد فهو كثيرًا ما كان يصرح باستعداده لتقديم أغنية لعبد الحليم ثم يموت المشروع، عبد الحليم كعادته يزوغ رغم أن فريد يظل يؤكد أنه يضع اللمسات الأخيرة لأغنية حليم، إلا أن الحقيقة هى غير ذلك، كان حليم لديه أسلوبه فى الهروب ودائمًا فص ملح وداب. أم كلثوم أيضًا كانت كثيرًا ما ترحب باللقاء مع فريد ربما عشر أغنيات بداية من حبيب العمر وصولا إلى كلمة عتاب ثم فى النهاية تتباعد اللقاءات، وفى العادة ينتهى الأمر إلى أن تطلب من فريد تغيير المقام اللحنى للأغنية، وهذا يعنى أن يهدم اللحن ليبدأ من جديد وتجرح هذه الكلمات كرامة فريد الموسيقية ثم يمضى زمن قصير لنقرأ خبرًا جديدًا عن لقاء قادم بين ثومة وفريد. فريد كما يبدو بين ثنايا التسجيلات كان يشير إلى دور عبد الوهاب فى إفساد تلك اللقاءات دون تصريح مباشر باسمه، فلقد ربطت بين عبد الحليم وفريد شراكة فى صوت الفن وعندما يتم التعاقد مع فريد لا بد من موافقة الطرف الثانى عبد الوهاب، والعكس صحيح، مثلا عبد الوهاب كان ينبغى أن يحصل على موافقة عبد الحليم للتلحين لأم كلثوم، لأنها كانت متعاقدة مع شركة صوت القاهرة حصريا لكى تطبع أغانيها، بينما الاتفاق بين عبد الوهاب وحليم يقضى بأن كل ألحان عبد الوهاب تنتجها صوت الفن وكل أغانى وأفلام عبد الحليم على المقابل تنتجها أيضًا صوت الفن ، أى أن كلا منهما يستفيد ماديا من نجاح الآخر، ولأن لقاء أم كلثوم وعبد الوهاب كان تنفيذًا لرغبة عبد الناصر فلم يعد هناك محل لاعتراض حليم. فريد كان يشير إلى أن هناك ملحنًا كبيرًا لا يريد له أن يوجد على خريطة أم كلثوم، لأنه يخشى أن يحقق نجاحًا أكبر منه، وبقدر ما كان فريد يعلن عن سعادته بألحان السنباطى لأم كلثوم فلم يكن يأتى أبدًا على ذكر ألحان عبد الوهاب سلبًا أو إيجابًا، التجاهل كان يعنى التقليل من شأن هذه الألحان، خصوصًا فى النصف الثانى من الستينيات عندما صالت وجالت موسيقى عبد الوهاب على حنجرة أم كلثوم. كان فريد يرى أن عبد الوهاب هو صوت الغناء العربى الأهم، وتمنى أن يغنى من ألحانه وعقد معه تلك الصفقة كما روى لى الملحن رؤوف ذهنى السكرتير الفنى لعبد الوهاب، والاتفاق المبدئى أن يلحن فريد لعبد الوهاب ثم يردها له فريد ويغنى لحنًا لعبد الوهاب، وكان العربون عندما غنى عبد الوهاب فى جلسة خاصة رائعة فريد حكاية غرامى ورد عليه فريد برائعة عبد الوهاب قالولى هان الود عليه ، وانتظر فريد أن يبدأ عبد الوهاب الخطوة الأولى ويشرع فى تنفيذ الاتفاق ويكلفه بالتلحين، بينما عبد الوهاب طلب تعديلا طفيفًا فى الاتفاق وهو أن يبدأ فريد أولا بالغناء من ألحانه ثم يردها له عبد الوهاب، ولكن فريد توجس وشعر أنها مصيدة وهابية المقصود منها أن يغنى له فريد من ألحانه فى سابقة هى الأولى من نوعها، وعندما يحين تنفيذ الجزء الثانى من الاتفاق يتهرب عبد الوهاب بحجج متعددة، وتنتهى صفقة العمر لتصبح صفعة العمر. وضاع على القمتين وعلينا لحنُ عبد الوهاب بصوت فريد، ولحنُ فريد بإحساس وهابى.