روى ميمون بن مهران أن جارية له جاءت بمرقة ، فعثرت فصبّت المرقة عليه ، فأراد ميمون أن يضربها ، فقالت الجارية: يا مولاي ، استعمل قول الله تعالى: {والكاظمين الغيظ} . فقال: قد فعلت ، فقالت: اعمل بما بعده : { والعافين عن الناس } قال: قد عفوت ، فقالت: اعمل بما بعده { والله يحب المحسنين } فقال ميمون : أحسنت إليك، فأنت حرة لوجه الله تعالى . وذكر عن بعض المتقدمين أنه كان له فرس وكان معجباً به، فجاء ذات يوم فوجده على ثلاث قوائم فقال لغلامه: من صنع به هذا ؟ فقال: أنا ، قال: لم؟ قال: أردت أن أغمّك . قال: لا جرم، لأغمن من أمرك به -يعني الشيطان- اذهب فأنت حر والفرس لك . وكان أحد السلف يوم يخرج من بيته يقول بما معناه: اللهم قد أحللت عرضي من كل عبد . أي أني أعفو وأسامح كل من استباح عرضي من شتم أو سب أو استهزاء وغيره وذكر علماء التراجم أن ابن عون كان له ناقة يغزو عليها ويحج ، وكان بها معجبا ، فأمر غلاما له يستقي عليها ، فجاء بها وقد ضربهاعلى وجهها ، فسالت عينها على خدها ، فقال بعضهم : إن كان من ابن عون شيء فاليوم ، فلم يلبث أن نزل ، فلما نظر إلى الناقة قال : سبحان الله!! ، أفلا غير الوجه بارك الله فيك ؟ ، اخرج عني واشهدوا أنه حر . عن علي بن زيد قال : أغلظ رجل من قريش القول ، وذلك عند أمير المؤمنين عمر بن عبدالعزيز ، فأطرق عمر رأسه طويلا ، ثم قال : أردتَ أن يستفزني الشيطان بعزّ السلطان ، فأنال منك اليوم ما تناله مني غدا ؟ ، انصرف رحمك الله . وكان ل عمر بن عبدالعزيز ولد من فاطمة ، فخرج يلعب مع الغلمان ، فشجّه غلام فاحتملوه هو وابن عمر فأدخلوهما على فاطمة ، فسمع عمر الجلبة وهو في بيت آخر فخرج ، وجاءت امرأة فقالت : إن الغلام ابني ، وهو يتيم يا أمير المؤمنين . فقال لها : أله عطاء في بيت مال المسلمين ؟ ، قالت : لا . فقال : اكتبوا له عطاء ، وعفا عنه . عن الأحنف بن قيس قال : ما تعلمت الحلم إلا من قيس بن عاصم ، لأنه قتل ابن أخ له بعض بنيه ، فأتي بالقاتل مكتوفا يقاد اليه ، فقال : ذعرتم الفتى ! ، ثم أقبل على الفتى فقال: يا بني ، بئس ما صنعت ، نقصت عددك ، وأوهنت عضدك ، وأشمتّ عدوك ، وأسأت بقومك ، خلوا سبيله ، واحملوا إلى أمّ المقتول ديته ، فإنها غريبة . ثم انصرف القاتل وما حل قيس حبوته ، ولا تغير وجهه . قال الإمام ابن سماعة : سمعت الإمام أحمد بن حنبل يقول : كل من ذكرني ففي حلّ إلا مبتدعا ، وقد جعلت أبا إسحاق - يعني المعتصم - في حلّ ، فقد رأيت الله يقول : { وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم } ( النور : 22 ) ، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر بالعفو في قصة مسطح ، وما ينفعك أن يعذب الله أخاك المسلم في سببك ؟ . هذا والله تعالى أعلى وأعلى وأستودعكم الله الذى لا تضيع ودائعه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ::::::::::