أعادت مسيرات يوم الثلاثاء إلى ميدان التحرير وميادين الثورة روحها، وأعادت للأذهان جمعة الغضب الأولى يوم 28 يناير والتى انطلقت من ميادين ومساجد. من ذات المساجد الاستقامة والفتح أطلقت المسيرات، وتغيرت القيادات وغابت بعض الوجوه. المسيرتان الكبريان كانتا بقيادة مرشحى الرئاسة فى الجولة الأولى حمدين صباحى وعبدالمنعم أبوالفتوح ومسيرة ثالثة يقودها المرشح خالد على. غاب عن مسيرة الاستقامة الدكتور محمد البرادعى الذى تجمع الناس حوله فى جمعة الغضب الأولى. البرادعى المسافر أعلن عودته فى نفس يوم ميلونية الثلاثاء. ليلة الثلاثاء هى بحق ليلة مرشحى الثورة الخارجين مبكرا من الجولة الأولى. والإخوان كالمعتاد مشاركين ببعض قواهم. وقد أعلنوا المشاركة فى اللحظة الأخيرة. مشاركة الإخوان الرمزية كانت أقل ثمن يمكن للإخوان تقديمه مقابل ما حصلوا عليه منذ بداية اندلاع مظاهرات الغضب بعد الحكم على مبارك. فقد حصد الإخوان صورة بل فيديو مع مرشحى الرئاسة حمدين صباحى وعبد المنعم أبوالفتوح مع مرشحهم مرسى. وهو لقاء فشلوا فى تحقيقه قبل الحكم على مبارك واندلاع المظاهرات. كما حصلوا أيضا على بيان مشترك لتفعيل قانون العزل على منافسهم شفيق. وفى المقابل لم يوافق الإخوان على فكرة المجلس الرئاسى بديلا عن الانتخابات. وقد حصد الإخوان هذا المكسب بسبب مظاهرات الغضب على حكم مبارك. ميلونية الثلاثاء هى الأولى من سلسلة ميلونيات. أما المليونية الثانية فقد حدد لها بشكل مبدئى يوم الجمعة القادم. وعلى الرغم من نجاح مليونية الثلاثاء فإن مليونية الجمعة القادم تعد معيارا مناسبا وموضوعيا لنحاج شرعية الميدان فى مواجهة شرعية صندوق الإعادة. فالإخوان التزموا بإعلان موقفهم النهائى والعلنى من استكمال الانتخابات يوم الخميس. بالاحرى فإن رعاة المفاوضات بين الإخوان والقوى الثورية فضلا على حمدين وأبوالفتوح سيكونون فى حل من الردود الدبلوماسية عن موقف الإخوان. لأن كل الأطراف التزمت الصمت تجاه رفض الإخوان الانضمام لمطلب الثورة الآن وهو مطلب وقف الانتخابات الرئاسية، واستبدالها بمجلس رئاسى يحل محل المجلس العسكرى لإدارة شئون البلاد. وتشكيل حكومة ائتلافية. والاعداد لدستور توافقى. الإخوان أبدوا موافقتهم على المطالب التى تخدمهم فى انتخابات الإعادة. هناك حالة واحدة قد تدفع الإخوان للمشاركة بقوة فى مليونية الجمعة وفى كل محافظات مصر. هذه الحالة هى تنفيذ المجلس العسكرى تحذيره بإصدار إعلان دستورى مكمل. وتحديدا تعديل المادة 60 من إعلان مارس الدستورى لوضع ضوابط واضحة وملزمة لتشكيل لجنة إعداد الدستور. فى هذه الحالة سيغل يد الإخوان فى السيطرة على كتابة الدستور الجديد حتى لو جاء مرسى للرئاسة. ولكن بدون الإخوان فإن استمرار الشحن الثورى من الثلاثاء للخميس هو معيار مهم لقدرة الثورة على الاستمرار والتأثير. وربما لا تصل هذه القوى إلى وقف انتخابات الإعادة، ولكنها على الاقل ستكون مؤشرًا على قوة تيار ثورى بعد تجمع أو بالأحرى عودة تحالف حمدين وأبوالفتوح. 1 _تأسيس التيار الثالث فى نفس يوم الميلونية الأولى أصيب مبارك بصدمة عصبية شديدة. ولكن صدمة الحكم عليه أو بالأحرى تبرئته من تهمة الفساد فى بيع الغاز حولت مجرى انتخابات الإعادة. قبل الحكم أعلن حمدين صباحى رفضه دعم مرشح الإخوان محمد مرسى أو المرشح أحمد شفيق. وبحسب مصادر فإن كلا من المرشحين وجها الدعوة له للتفاهم على منصب النائب. ولكن حمدين وحملته كانوا مقتنعين بأن الانتصار الذى حققه فى الجولة الأولى قابل للتحول إلى تيار ثالث. تيار ضد الدولة العسكرية والدولة المدنية. وخلال هذه الفترة رفض أبوالفتوح الذهاب للإخوان منفردا. وعلق موافقته على التفاوض مع الإخوان أو مرشحهم على وجود حمدين فى هذه المفاوضات. أنصار أبوالفتوح نصحوه بألا يعوده وحده للإخوان حتى لا يتهم بأنه كان سيعود للجماعة لو فاز فى الانتخابات. وأدى رفض حمدين إلى عدم إتمام اللقاء مع مرشح الإخوان. وكان رئيس حزب الوسط المهندس أبوالعلا ماضى هو الذى قاد فكرة اللقاء الثلاثى العلنى. وبعد فشل عقد هذا اللقاء سارعت بعض قيادات الإخوان بنفى توجيه الدعوة لحمدين وأبوالفتوح. وقد أدى هذا النفى إلى موجة من الغضب على هذه القيادات وفقدوا قدرتهم كوسيط بين الإخوان والتيارات السياسية الاخرى. فى معسكر حمدين كان الحوار ساخنا حول شكل التحرك الجديد. فكرة تأسيس حزب جديد لاقت الرفض لأكثر من سبب. فهناك الخوف التقليدى من فشل التجارب الحزبية. والبعض اعتبر أن إعلان الحزب قد يكون منافسا لحزب الدستور الذى أسسه الدكتور محمد البرادعى. كانت الأغلبية فى معسكر حمدين تميل إلى فكرة الائتلاف العام الذى يضم أحزابًا وحركات وائتلافات سياسية واجتماعية واسعة. فى هذه الفترة لم يكن هناك أى رفض للتعاون مع الدكتور أبوالفتوح. فالاتصالات بين أبوالفتوح وحمدين بدأت فور اعلان نتائج الجولة الاولى وانضم لفكرة الائتلاف أو الطريق الثالث مرشح آخر وهو خالد على. على الجانب الآخر كان الإخوان يجرون الاتصالات السرية والعلنية بكل الاطراف: سلفيين اقباط ثوار رجال أعمال. وفى الوقت الذى كان الإخوان يخططون فيه لهذه التربيطات، لم يمانعوا من جس نبض غير مباشر مع مجموعة رجال اعمال داعمة لشفيق حال فوزه لتقاسم السلطة. فالإخوان لم ولن يكونوا فى أى لحظة على استعداد للمغامرة بما حققوه من مكاسب سياسية على رأسها مجلس الشعب ومن بعده الحكومة. ولذلك فقد رفضوا كل الافكار المتعلقة بترك تشكيل الحكومة للقوى السياسية مقابل دعم حمدين وأبوالفتوح لمرشحهم فى انتخابات الرئاسة. وقد كان اصحاب هذه الافكار من الرومانسية السياسية يريدون وقف قطار شفيق للرئاسة، ولكنهم كان يرغبون فى الوقت نفسه ضمان تمثيل بقية القوى السياسية فى الحكومة وكنواب باختصاصات لمرسى. رفض الإخوان كل هذه الافكار والمقترحات وبدأوا فى حملة الاعادة للفوز على شفيق. واستكمال الاستئثار ببقية المؤسسات الرئاسة والحكومة. وللانفراد بتشكيل الدستور تم وقف مناقشة قانون اللجنة التأسيسية بمجلس الشعب لأجل غير مسمى، وفهم الآخرون هذا الأجل بأنه بعد انتخابات الرئاسة أو بعد فوز مرسى. قبل حكم مبارك كان الإخوان يسيرون فى اتجاه وتيار حمدين وأبوالفتوح فى اتجاه آخر. وإن حرص الجميع على عدم الهجوم الحاد على الإخوان. 2 _انطلاق الثورة الثانية ولكن حكم مبارك قلب كل الخطط والتحركات. وأربك حسابات ومواقف مجموعة التيار الثالث. ففور إعلان الحكم واندلاع مظاهرات الغضب عادت الضغوط على كل من حمدين وأبوالفتوح للقاء مرسى. وبعدما فقد الوسطاء من داخل الإخوان علاقتهم بالتيارات السياسية. ولذلك قام بالوساطة ابو العلا ماضى. وقبل موافقة حمدين على اللقاء الأول غير المعلن اجتمع حمدين بأعضاء حملته. ومعظهم من شباب الثورة. وجرى نقاش موسع حول قبول اللقاء. واعترض البعض على اللقاء لأنه يوحى للمواطنين بدعم حملة حمدين لمرسى. وذكر آخرون أن الإخوان رفضوا من قبل عروض التوافق. وان فشل التوافق على التأسيسية يكشف إصرار الإخوان على الانفراد بالسلطة. ولكن الأغلبية من الحملة كانت ضد المجلس العسكرى وضد شفيق. ورأت أن استمرار الثورة بدون الإخوان سيكون صعبا. ولذلك يجب أن يعطى حمدين فرصة للإخوان. فعلى الرغم من غضب شباب الثورة من الخيانة السياسية للإخوان، فإن غضبهم من المجلس العسكرى أقوى واشد. وقد تغلب هذا الغضب ورجح كفة لقاء مرسى. وحدث اللقاء الأول فى منزل أحد الأصدقاء المشتركين وهو لقاء لم يتم الإعلان عنه. وفى هذا اللقاء علق مرسى موافقته على المجلس الرئاسى بالرجوع للجماعة، ولكنه وافق على دعم الثورة على محاكمة مبارك واستمرار الضغظ للمطالبة بتفعيل قانون العزل الذى يخرج منافسه شفيق من الانتخابات. ولم يجر فى هذا الاجتماع السرى أى حديث عن قبول لا حمدين ولا أبوالفتوح لمنصب نائب مرسى. بل إن حمدين قد أكد فى هذا اللقاء استعداده لقبول ما تتفق عليه القوى الثورية. وتم الاتفاق على أن يكون اللقاء العلنى بين مرشحى الجولة الأولى ومرشح الإعادة مرسى يوم الأحد بإحدى قاعات فندق الفورسيزونز. وهكذا حصل الإخوان على الصورة التى يريدونها صورة (مرسى وحمدين وأبو الفتوح ايد واحدة). فهذا المشهد يوحى للكثيرين من أنصار مرشحى الجولة الأولى بان حمدين وابو الفتوح قد أعلنا دعمهما لمرسى فى انتخابات الاعادة. وهذا المشهد هو رسالة لأنصار شفيق، على الجانب الآخر مفادها بأن مرشح الإخوان حصد أقل من اثنين من المرشحين نحو 9 ملايين صوت فى انتخابات الجولة الاولى رسالة تحطيم اعصاب. ولكن الامر لم ولن يكون كذلك فعودة الروح للثورة كانت الرسالة الاهم من وجهة المعسكر الثورى من انصار كل من حمدين وابو الفتوح. وحلم استمرار الثورة فى تحقيق اهدافها لدى معسكر الثورة اقوى ألف مرة من حلم الإخوان فى الوصول لكرسى الرئاسة. والاسبوع القادم سيكون حاسما للحلمين معا. هل تستطيع الثورة أن توقف قطار انتخابات الاعادة الذى يركبه كل من مرسى وشفيق؟ وهل صدور حكم الدستورية بدستورية قانون العزل سيفيد الإخوان؟ هل خروج شفيق سيصب فى مصلحة الإخوان. ام أن الاعادة بين جميع المرشحين وبعد وحدة حمدين وأبوالفتوح ستهدد حلم الإخوان بالرئاسة؟ وهل استمرار شفيق فى جولة الاعادة وفوزه سيدفع الإخوان للعودة للميدان؟ أم أنهم سيحافظون على مكاسبهم فى البرلمان والحكومة؟ كل هذه الأسئلة تتجمع إجاباتها فى ميدان التحرير وميادين مصر من الآن وحتى ميلونية الجمعة. وليس فى بيت الجماعة كما يتصور البعض.