في الوقت الذي تتصاعد فيه شوكة الإرهاب في بلدان العالم العربي، حتى أصبحت جميع دول المنطقة إما واقعة بالفعل تحت خطر الإرهاب أو متخوفه منه أو متأثرة بما يحدث في دول الجوار جراءه؛ أصبح من الواجب إعادة النظر في ماهية الإرهاب، نظرا لتغير استراتيجية الإرهابيين في الآونة الأخيرة، فضلا عن خططهم وطريقة ترويجهم لمخططاتهم، إذ أن الحركات الإرهابية التي شهدها العالم العربي في تسعينيات القرن الماضي، والتي كانت محلية التوجه، لا تمت بصلة للحركات الإرهابية التي تصول وتجول في كل بلدان العالم العربي اليوم ناشرة بذور الفتنة ومبشرة بقيام دولة إسلامية جديدة على غرار دولة القاعدة في أفغانستان، وهو ما يحتم على الباحثين إعادة قراءة المشهد من جديد في ظل الأحداث الأخيرة التي تشهدها دول المنطقة، لاسيما في مصر والبحرين التي تتشابه فيهما نفس الأدوات المستخدمة من قبل الإرهابيين، حيث يمكن رصد مظاهر التشابه بين مصر والبحرين، في النقاط التالية. أولا، خاضت مصر والبحرين تجربة التحول الديمقراطي عقب أحداث جسام استمرت منذ 2011 وحتى اكتمال الاستحقاق الديمقراطي، بالانتخابات الأخيرة التي جرت في مصر وأسفرت عن وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي، وفي البحرين عن مجلس النواب الذي بدأ يباشر عمله بالفعل. وثانيا، لم تشهد الدولتين تزايدا في النشاط الإرهابي إلا بعد إتمام عملية التحول الديمقراطي في كلاهما، ففي حين نشطت الجماعات الإرهابية عقب الانتخابات الرئاسية المصرية، واستطاعت تصفية ضباط كبار في الجيش المصري وجهاز الشرطة المصرية، استشهد ضابطا بحرينيا الاثنين الماضي في هجوم إرهابي أثناء قيامه بأداء الواجب جنوب غربي العاصمة المنامة. وثالثا، تتشابه المملكة البحرينية مع جمهورية مصر العربية في اتجاه الأنظار إليهما ومحاولة قوى كبرى فرض إرداتها على الدولتين لإخضاعهما إما عسكريا أو سياسيا أو اقتصاديا، نظرا للأهمية الجغرافية الكبيرة للدولتين، حيث يعتبر الموقع الجغرافي للبحرين مرتبطا بثلاث أمور في غاية الأهمية، فمن ناحية كانت المملكة طوال تاريخها القديم طريق مواصلات بين أوروبا والهند، لاسيما أثناء فترة الاستعمار البريطاني لشبه القارة الهندية، وثانيا كانت البحرين مركزا عالميا مهما لإقامة القواعد العسكرية قبيل الحرب العالمية الثانية أي في الفترة ما بين عامى 1935-1971، وثالثا تنبع أهمية موقع المملكة من حركة الاستثمارات بها لتوسطها قارة آسيا، وخصوصا بعد إعلان الاستقلال. والأمر نفسه بالنسبة لمصر، فكما مثل موقع البحرين لعنة عليها بسبب محاولة العديد من الامبراطوريات والدول السيطرة عليها، كانت مصر هي الأخرى مطمعا طوال تاريخها لكل الغزاة الذين عرفهم التاريخ القديم والجديد، بالنظر إلى توسطها بين ثلاث قرات آسيا أوروبا وأفريقيا فضلا عن وقوعها على ساحلي أهم بحرين في العالم، البحر الأبيض المتوسط شمالا والبحر الأحمر شرقا. من هنا يمكن القول أن هذا التشابه يملي على كلا البلدين البحرين ومصر، التعاون الجاد فيما بينهما لمحاولة وضع الأطر الصحيحة لتعريف الإرهاب أولا، وهو الأمر الذي أشار إليه ولي عهد البحرين الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، الذي دعا المجتمع الدولي إلى التخلي عن عبارة "الحرب على الإرهاب" وتعويضها بمحاربة "ثيوقراطية الشر" في إشارة إلى التنظيم الإسلامية التي تحارب باسم الدين وليس لأغراض سياسية. حيث أشار ولي العهد لدى افتتاحه الدورة العاشرة من "حوار المنامة" الذي انطلقت أعماله الجمعة الماضي، إلى ضرورة التركيز على التهديد الحقيقي المتمثل في صعود "ثيوقراطية الشر" هذه، مضيفا "نحن نحارب ثيوقراطيين" (مستبدين باسم الدين)، والأمر سيستمر "لفترة طويلة"، وهذا هو التعريف الأقرب لماهية الإرهاب الذي تعاني منه شعوب المنطقة، والذي لم يعد مقتصرا على تحقيق أطماع سياسية، أو التحرك بدوافع أجنبية لتحقيق أهداف لقوى الشر العالمية فقط، بل أصبح محركه الرئيسي في البحرين ومصر، تحديدا، عقائديا وليس سياسيا. وثانيا، لابد من العمل العربي المشترك، لاسيما بين مصر البحرين، للتنسيق فيما بينهما واستجلاب الخبرات المتاحة في الحرب ضد الإرهاب، لاسيما أن دولة كبرى مثل مصر لا تعتبر ظاهرة الإرهاب جديدة عليها، وهي التي خاضت تاريخا دمويا في الحرب ضد الإرهاب حتى كسرت شوكته في تسعينيات القرن الماضي. ولعل حكمة القيادة البحرينية، كعادتها دائما، ستملي عليها بسهولة ضرورة التعاون مع الجانب المصري، وهي خطوة ربما ظهرت معالمها، في لقاء سامح شكري، وزير الخارجية المصري، قبل أيام، بصاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس وزراء مملكة البحرين في المنامة، والذي أكد على "دعم البحرين الكامل لإرادة الشعب المصري، مشددا على العلاقات الحميمة التي تربط بين البلدين والشعبين الشقيقين، ومشيدا بالتقدم الذي تحرزه مصر على صعيد استعادة الأمن والاستقرار والنجاح في هزيمة الإرهاب تحت قيادة مصر المنتخبة". وكان من الجيد أن الرجلين اتفقا على "المصير المشترك الذي يربطهما والتحديات المشتركة التي تواجه البلدين وباقي دول الخليج وبصفة خاصة خطر الإرهاب الذي يهدد الأمن والاستقرار والتنمية في المنطقة بل وفي العالم بأسره". وأيضا شهد اللقاء تشاور الجانبين المصري والبحريني حول عدد من القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك والجهود المبذولة لمكافحة ظاهرة الإرهاب ودور الأزهر الشريف الهام في هذا الشأن ونشر قيم الاسلام المعتدل، كما تم الاتفاق على أهمية تكثيف تبادل الزيارات بين البلدين بما يسهم في مزيد من تعميق علاقات التعاون بينهما على كافة الأصعدة وفي مقدمتها مواجهة الثيوقراطية الدينية الجديدة.