رأى الكاتب البريطاني جدعون راخمان أن ملف الهجرة بات على رأس اهتمامات الساسة والدوائر السياسية الغربية على حساب قضايا أخرى كالنمو والعدالة والبيئة والتعليم. وأشار -في مقال نشرته صحيفة (الفاينانشيال تايمز)- إلى حديث كل من الرئيس الأمريكي باراك أوباما ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون الشهر المنصرم عن الهجرة، كما صوت البرلمان السويسري برفض مقترح لإنهاء تدفق المهاجرين إلى البلاد.
ورصد راخمان اختلاف التعاطي مع الهجرة على الصعيدين الأمريكي والأوروبي على مدار الأسبوعين الأخيرين، فبينما تتجه أمريكا صوب التعاطي مع الملف بمزيد من الليبرالية، حيث أعلن أوباما عن خطط لحماية ملايين المهاجرين غير الشرعيين من أي عمليات ترحيل ممكنة .. لا تزال أحزاب أوروبية شعبوية مناهضة للهجرة، لاسيما حزب "الاستقلال" البريطاني وحزب "الجبهة الوطنية" الفرنسي، تدفع صوب التشدد مع المهاجرين، حيث أعلن كاميرون عن خطط لتقليص انتفاع المهاجرين الشرعيين من باقي دول الاتحاد الأوروبي من الضمان الاجتماعي، بالإضافة إلى إجبار الفاشلين في العثور على عمل، على مغادرة البلاد.
وقال إنه على الرغم من اختلاف التوجهات إزاء الملف ذاته، إلا أن أعداد المهاجرين في الدول الغنية متشابهة لحد كبير؛ وتشير إحصائيات صادرة عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى أن السكان الوافدين في الدول الأعضاء بالمنظمة عام 2011 سجلت نسبتهم 11-13 بالمئة من السكان في كل من أمريكا والمملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا.
وأكد راخمان أن الدول الغنية هي مغناطيس جاذب للمهاجرين الوافدين من الأمم الأكثر فقرا، وأن هذا التدفق آخذ في الازدياد. وطبقا لإحصائيات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية فإن تدفق المهاجرين عالميا تضاعف بين عامي 2000 و2010، مقارنة بالعقد السابق لذلك.
وعزا صاحب المقال هذه الزيادة في التدفق إلى ما أحدثته العولمة من تيسير على صعيدي السفر والاتصالات؛ إذ باتت معالم الرفاهية التي تنعم بها أوروبا الغربيةوأمريكا الشمالية أمرا مرئيا حول العالم.. كما يسرّت مجتمعات المهاجرين في تلك الدول السبيل أمام الوافدين الجُدُد وعرّفتهم على المسالك الشرعية لدخول تلك البلاد، وإذا عز سلوك تلك الطرق فثمّ دائما طريق المهربين والاقتصاد الأسود.
وأوضح أن المهاجرين عادة ما يشتغلون بالأعمال المتدنية التي يأنف منها المحليون، إلا أنهم يشتكون في الغالب من تدني أجورهم، فيما يزيدون الضغط على المرافق العامة والإسكان.
ونوّه راخمان عن استغلال الساسة الشعبويين لمعاناة هؤلاء المهاجرين في ظل ارتفاع موجة الحديث عن عدم المساواة في الغرب، مشيرا إلى اتهام هؤلاء لخصومهم من الليبراليين باستغلال العمالة الرخيصة للمهاجرين.
وفسرّ صاحب المقال اختلاف التعاطي الأمريكي عن البريطاني فيما يتعلق بملف الهجرة، بأن أوباما ينتمي لتيار يسار الوسط بينما كاميرون محافظ، وكلاهما يسعى لتحقيق مكاسب انتخابية لحزبه: أوباما كديمقراطي يستدرج الجمهوريين لاتخاذ موقف متشدد من الهجرة ليضمن أصوات اللاتينيين.. فيما يخشى كاميرون من خسارة الدعم لصالح حزب "الاستقلال" المناهض للهجرة.
ورأى راخمان أن موقف أوباما يحمل فكرة وراء المصلحة الانتخابية لحزبه، مفادها أن البديل عن الاستمرار في استقبال المهاجرين هو تحول البلاد الغنية إلى قلاع أو دول بوليسية، بما يتنافى مع عصر العولمة.
ونبّه الكاتب البريطاني إلى أنه إذا كان ثمة أسباب عدة تسوغ رأي أوباما في ملف الهجرة: إذ أن أمريكا قامت في الأساس على المهاجرين، كما أنها شاسعة المساحة وقادرة على استيعاب الكثير من المهاجرين، إلى غير ذلك - فإن أيا من تلك الأسباب غير متوفر على الجانب الآخر من الأطلنطي، ومن ثمّ رجح راخمان في ختام مقاله استمرار الجدل حول ملف الهجرة مشتعلا لسنوات في أوروبا على أيدي أحزاب اليمين الشعبوية.