لم تكن الاتهامات الأخيرة التي وجهتها إيران لمملكة البحرين، بانتهاك حرمة عشوراء، هي الأولى من نوعها، إذ درجت إيران بسبب خلفيتها الفارسية، التي فشلت ليس فقط في التخلص منها، وإنما في تركها محركا لها ودافعا قويا في محاولاتها المستمرة لفرض حضارتها الفارسية على المنطقة العربية، مستخدمة في ذلك ورقة الطائفية المذهبية، وهي الدافع الحقيقي لإطلاق الاتهامات الأخيرة تجاه مملكة البحرين، بحسب ما تستدعيه المواقف. غير أن الاتهامات اتسمت هذه المرة بالمحاولة اليائسة أو الفرصة الأخيرة التي تحاول من خلالها إيران التأثير على موقف المملكة أمام المجتمع الدولي بإظهارها كما لو كانت دولة طائفية فتنفذ الفتنة الداخلية إلى داخل الشعب البحريني ومن ثم تتراجع مكانة البحرين الإقليمية والدولية، وهي المكانة التي على ما يبدو تقلق الجمهورية الإسلامية الإيرانية. ولعل رد الخارجية البحرينية على هذه الاتهامات، قد كشف للجميع حقيقة هذه الاتهامات، حيث نددت وزارة الخارجية البحرينية الثلاثاء الماضي، بما وصفتها ب"التصريحات المستفزة" الصادرة عن المتحدثة باسم وزارة الخارجية الإيرانية، والتي اتهمت المنامة ب"انتهاك حرمة" مراسم عاشوراء، رافضة بشكل قطاع جميع أشكال التدخل في شئونها الداخلية أو "توجيه اتهامات باطلة للمملكة لا تستند إلى أي أساس". ورغم أن الخارجية البحرينية لا تحتاج إلى دليل كي تبرهن على التسامح الديني الذي يتمتع به الجميع في البحرين، ليس فقط على مستوى السنة والشيعة وإنما على مستوى الديانات الأخرى التي تحترمها المملكة مثلها مثل الدين الإسلامي الذي يكفل حرية العقيدة، وهو ما أكده بيان الخارجية البحرينية على أن المملكة دأبت منذ القدم على توفير الحرية التامة لجميع الطوائف من مسلمين وغير مسلمين لممارسة شعائرهم الدينية بكل أريحية ودون أي تدخل، وقامت بسن القوانين والتشريعات التي تؤطرها وتحميها. ولم يفت الخارجية البحرينية رد الاتهامات لإيران، معتبرة أن لجوء الجمهورية الإسلامية إلى إطلاق هذه التصريحات، التي وصفتها بأنها "سخيفة"، يندرج في إطار "محاولاتها الهروب من مشكلاتها الداخلية"، وهي الاتهامات التي تحاول إيران إنكارها برمي الآخر بها، رغم معرفة الجميع بطبيعة تعامل النظام الإيراني مع السنة هناك لاسيما في إقليم الأهواز العربي الذي تحتله إيران كما تحتل الجذر الإماراتية الثلاث. يذكر أن نائب رئيس الأمن العام البحريني أكد أن مراسم عاشوراء هذا العام شهدت "تعد على الممتلكات العامة والخاصة ومحاولات لإخراج المناسبة عن إطارها الديني" ونفى ما يتعلق ب"استهداف الرواديد" أي المنشدين الدينيين الشيعة، قائلا إن هناك "إجراءات القانونية مقررة بحق من ارتكب مخالفات شكلت خروجا عن جوهر وتعاليم ذكرى عاشوراء"، مشيرا إلى وقوع مخالفات شكلت "اعتداء على الشوارع العامة والممتلكات الخاصة، الأمر الذي تطلب في حينه إزالة هذه المخالفات وتصحيح الوضع". والسؤال الآن، أليس من حق أي نظام أمني في العالم أن يقاوم العنف الذي يحتمي بمناسبة دينية؟ فالجميع يعلم أن عشوراء مناسبة دينية يحتفي بها المسلمون جميعا بغض النظر عن كونهم سنة أم شيعة، وإحياء المناسبة عرف قديم في البحرين، فماذا حدث هذا العام، غير أن المعارضة البحرينية التي لا تترك أي مناسبة تجمع إلا وأخرجتها عن سياقها لإطلاق أعمال شغب وعنف مستغلة الجو الديني المتسامح؟ فمن الذي ينتهك حرمة عشوراء؟هل قوات الأمن التي تتواجد من سنوات لتأمين الاحتفالات أم المتاجرون بها لأغراض سياسية. نعلم أن التهمة سخيفة، ويدحضها كل مواقف المملكة في التسامح الديني، ولعل استقبال صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، أسقف الكنيسة الأنجليكانية في منطقة الخليج وقبرص، المطران مايكل لويس، بمناسبة زيارته للمملكة، منذ أيام ليقوي من هذا الزعم، حيث رحب جلالة الملك بالمطران لويس ونوه بجهوده الطيبة في المجالات الإنسانية وترسيخ قيم الخير والمحبة والتسامح. وأكد جلالته على أن مملكة البحرين تفتخر بأنها دائماً ملتقى الأديان والحضارات ومركزاً للتواصل والتسامح منذ عصور طويلة، كما أنها تحتضن الجميع دون تمييز وستبقى بإذن الله نموذجاً للتعايش والمحبة بين مختلف الأديان والمذاهب على هذه الأرض الطيبة. كما نوه جلالته أن شعب البحرين وعبر تاريخه العريق يتميز بروح التسامح والمحبة والترحيب بجميع أهل الديانات الأخرى انطلاقاً من وعيه وتحضره وإيمانه بالمبادئ الانسانية وتواصله مع الجميع. وأخيرا جاءت كلمات أسقف الكنيسة الأنجليكانية، معبرة عن موقف البحرين من أتباع الديانات الأخرى، فضلا عن المذاهب، حيث أعرب المطران مايكل لويس عن شكره الجزيل وتقديره البالغ لصاحب الجلالة الملك المفدى لما يحظى به أتباع الديانة المسيحية في مملكة البحرين من تقدير ورعاية واهتمام، وقال إنه بفضل قيادة جلالة الملك المفدى فإن مملكة البحرين تحتضن الجميع في مجتمع متكاتف ومتحاب.