لليوم الثالث على التوالي استمرت المواجهات العسكرية العنيفة أمس بين قوات الجيش الليبي المدعوم بالسكان المحليين وجماعات إرهابية متشددة في مدينة بنغازي بشرق ليبيا. وأعلن أحد الأطباء في مستشفى بنغازي ارتفاع عدد ضحايا هذه الاشتباكات ليصل إلى 19 قتيلا و51 جريحا، خلال حرب الشوارع الدامية التي شهدتها بنغازي في الساعات الأولى من صباح أمس. وقال سكان في المدينة ل«الشرق الأوسط»: «في كل مكان تقريبا هناك حرب شوارع»، ولفتوا إلى قيام بعض المسلحين الداعمين للجيش بمهاجمة منازل تابعة لقيادات الجماعات المتطرفة بحي الماجوري وحي بوهديمة في المدينة.
وأوضح ناشطون أن الهجوم تركز على منازل المحسوبين على تنظيم أنصار الشريعة المتشدد، حيث أحرق المسلحون بيوتهم وقتلوا عددا غير معلوم واعتقلوا البعض إثر اشتباكات بحي الماجوري الذي يقع في عمق مدينة بنغازي.
وقال ناشط سياسي اشترط عدم تعريفه «تم إشعال النار في منزل محمد الزهاوي قائد تنظيم أنصار الشريعة بالإضافة إلى شخص آخر يدعى الكرشيني كان يلازمه كظله».
وقالت مصادر عسكرية بأن قوات الجيش نجحت أمس في استعادة السيطرة على معسكر الدفاع الجوي المعروف باسم معسكر الدشم، بعد مواجهات عنيفة مع ميليشيات من مجلس شورى ثوار بنغازي الذي يضم خليطا من المقاتلين المتطرفين وبعضهم من الأجانب.
وأعلنت صفحة القوات الخاصة (الصاعقة والمظلات) التابعة للجيش الليبي بقيادة العقيد ونيس بوخمادة أن القوات الخاصة وقوات خاصة أخرى من مشاة البحرية مدعومة بغطاء جوي استعادت المعسكر وكبدت من وصفتهم بالخوارج خسائر كبيرة وغنمت الكثير من الأسلحة الخفيفة والذخائر والآليات.
وظهر اللواء خليفة حفتر قائد قوات الجيش الليبي برفقة بعض قادة الجيش والمسلحين المدنيين في منطقة بنينا بعد إعلان تطهيرها من الإرهابيين، حيث أشار في تصريحات مقتضبة لقناة محلية إلى أن السكان المحليين نجحوا في دحر من سماهم بالعصابات الإجرامية.
وأضاف مخاطبا سكان بنغازي: «عليهم أن يطمئنوا تماما ولكن عليهم أن يكونوا جادين في متابعة هذه المجموعات الإرهابية، هؤلاء القتلة لا بد أن يتابعوهم في كل شارع وفي كل بيت ويجب أن يخرجوا من مدينة بنغازي فردا فردا أحياء أو أمواتا».
وطبقا لما أكده مصدر عسكري ل«الشرق الأوسط» فإن ميدان المعركة الرئيس محور بنينا - بوعطني كان هادئا على غير العادة منذ منتصف ليلة أول من أمس، بينما ما زالت الاشتباكات بالماجوري قائمة.
وتابع: «الطيران الحربي يحلق ويقصف بكثافة من وقت لآخر، ثمة اشتباكات بغرب بنغازي بين الشورى وكتائب 21 و204 التابعة للجيش».
من جهته ألقى تحالف القوى الوطنية الذي يقوده الدكتور محمود جبريل بثقله السياسي خلف العملية التي يقوم بها الجيش لتحرير بنغازي من المتطرفين، لكنه دعا المقاتلين في المقابل إلى ابتعاد عن الانتقام والتشفي والحذر من الولوج في منطق العنصرية والجهوية.
وقال للتحالف في بيان له أمس بأنه يراقب عن كثب الأحداث التي تعصف بالبلاد في هذه الفترة الحرجة من تاريخ ليبيا وفي مقدمتها ما يجري في بنغازي ودرنة وطرابلس وما حولها من قتل وخراب وانتهاك للحريات والحرمات من قبل الجماعات المتشددة والخارجة عن القانون.
وتعهد عبد الله الثني رئيس الحكومة الانتقالية في مقابلة مع قناة الوطنية التي عادت أمس لاستئناف بثها على القمر الصناعي المصري بعد نقل تبعيتها إلى السلطة الشرعية في البلاد، بمحاكمة المتورطين في أعمال عنف وفوضى. وأكد أنه «إن كانت الدولة اليوم لا تفرض السيطرة التامة على كل الأراضي وعلى العاصمة طرابلس ولكن الأيام القادمة ستثبت أن كل شخص ارتكب حماقة وظلما سينال عقابه بعد محاكمة عادلة والعالم سيكون شاهدا على ذلك».
وأقر الثني بوجود مجموعات متطرفة مثل داعش في مدينة درنة وباقي المدن الليبية وفي سرت أيضا، مضيفا «وحتى مجموعة بوكو حرام من نيجيريا متواجدة، والإرهاب ليس له مكان محدد».
وبينما يتجه مجلس النواب خلال الأيام المقبلة إلى الإطاحة بالشيخ الصادق الغرياني مفتي البلاد من منصبه، انتقد الثني فتاوى الغرياني، وقال: «هي تصدر عن شخص واحد وهو الدكتور الصادق الغرياني والذي للأسف وهو رجل يبلغ من العمر 70 وما فوق والشيب يغزو شعر رأسه ولكنه لا يستحي من إصدار فتاوى حتى الشخص غير المتعلم وغير الفقيه بالدين يعلم بأن هذه الفتاوى لا تمت للدين الإسلامي».
وأضاف: «هذه الفتاوى تخدم أغراضا سياسية محددة.. ولا يوجد أي مواطن ليبي يعتد بها ولا تعنيه على الإطلاق».
وعد أن المجتمع الدولي لا يعترف بما وصفه بالمسرحية الهزلية التي تحدث في طرابلس وخير دليل على ذلك زيارة بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة الأخيرة لطرابلس ورفضه لمقابلة نوري أبو سهمين رئيس البرلمان السابق والمنتهية ولايته وعمر الحاسي رئيس الحكومة المنبثقة عنه، رغم طلبهم ذلك.
في المقابل ندد الحاسي رئيس ما يسمى حكومة الإنقاذ الوطني التي لا تحظى بأي اعتراف دولي، بعملية الجيش الذي يقوده اللواء خليفة حفتر ضد المتطرفين في بنغازي، وأعلن في بيان بثه الموقع الرسمي لحكومته على شبكة الإنترنيت، أن مدينة ككلة باتت منطقة منكوبة إثر الاشتباكات العنيفة التي شهدتها مؤخرا.
وتعهد ما يسمى ب«المجلس الأعلى لثوار ليبيا» بأنهم لن يتوانوا عن تنفيذ قرارات الحكومة التي تكفل لليبيا هيبتها وتضمن أمنها ووحدة أراضيها، مكررا مزاعم مغلوطة حول تورط طائرات مصرية في قصف أهداف بشرق ليبيا، وهو ما نفته السلطات المصرية والليبية أول من أمس.
من جهته قال الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا برناردينو ليون بأنه «لا نرى أن الحل في ليبيا سيكون حلا عسكريا»، محذرا من أن النتيجة ستكون إذا استمر الناس في القتال دولة واقعة في مزيد من الفوضى.
وأضاف في مقابلة تلفزيونية وزعت بعثة الأممالمتحدة نصها أمس: «حيث لا توجد لدى أي جانب إمكانية الانتصار الكامل على الجانب الآخر. سيعني ذلك سنوات من المواجهات كما رأينا في بلاد أخرى».
ومضى إلى القول: «هناك قلق كبير لأننا نعرف أن هناك وجودا ل(القاعدة)، وربما داعش، لسنا متأكدين، ولكن يمكن أن يكون الحال كذلك. وهناك تقارير تفيد بانضمام بعض المجموعات لداعش، لذا علينا أن نعمل على عزل ومحاربة الإرهاب».
ولفت إلى أن هناك مئات الآلاف من المشردين داخل ليبيا، بالإضافة إلى مناطق بحاجة إلى مساعدة إنسانية عاجلة، مضيفا «نحن الآن على اتصال بالسلطات المختلفة في غرب البلاد للتنسيق ومحاولة تقديم المساعدات، وهناك الكثير من البلدان الأوروبية التي على استعداد لتقديم المساعدة».