قال الدكتور محمد طريح، مدير مركز مصر للدراسات الاقتصادية والتطوير المؤسسي وإدارة الأزمات، إن قضية الدين العام الداخلي والخارجي تتصدر مقدمة التحديات التي تواجه الرئيس السيسي، بعدما اقترب هذا الدين من معادلة الناتج المحلى الإجمالي (نحو 95 % من الناتج المحلى الإجمالي)، لافتًا إلى أن ذلك يعيد مصر إلى أجواء حافة الإفلاس مطلع تسعينيات القرن الماضي عندما تضخم دينها العام مسجلًا 52 مليار دولار، كان يعادل وقتها 120 % من الناتج المحلى الإجمالي.
وأضاف طريح، في تصريحات خاصة ل"الفجر"، أن حجم الدين العام للدولة حاليا هو الأعلى في تاريخ البلاد، مشيرًا إلى تجاوز الدين المحلى حوالي 1.7 تريليون جنيه، والدين الخارجي حوالي 46 مليار دولار، بينما تصل فوائد هذه الديون "خدمة الدين" في الموازنة العامة للدولة إلى نحو 250 مليار جنيه حتى نهاية العام المالي الحالي.
ونوه طريح، بأن الحكومة تعاني من الارتفاع الشديد في عجز الموازنة، الذي بلغ حوالي 240 مليار جنيه مقابل نحو 90 مليار عجز منذ 4 سنوات، متابعًا أنه وفقًا لبيانات رصدها البنك الدولي، فإن نمو الناتج المحلى الإجمالي في حدود 2 %، فيما لا تتعدى قيمة هذا الناتج 265 مليار دولار، موضحًا أن البنك يصنف مصر من حيث مستوى الدخل ضمن الشريحة الدنيا من البلدان متوسطة الدخل.
وعن استمرار تزايد الدين، أكد أن استمرار تزايد الدين العام يعني استمرار تزايد أعباء خدمته واستمرار تزايد العجز في الموازنة العامة، واستمرار الوضع الحالي على ما هو عليه، منوهًا أن ذلك سيدخل الحكومة في دوامة عدم القدرة على سداد الدين العام ما لم يتم اتخاذ خطوات إصلاحية اعتبارا من الموازنة العامة الجديدة 2014 – 2015 التي يبدأ العمل بها الشهر المقبل.
وأشار إلى أن استمرار الحكومة في الاقتراض الداخلي يعرض البنوك لخطر تخفيض تصنيفها الائتماني مجددًا باعتبارها الممول الأكبر لعجز الموازنة في الوقت الذي تقل فيه قدرة الحكومة على سداد مستحقات البنوك، قائلًا: "هذا الوضع يتواكب مع ضعف قدرة مصر على التفاوض أو الاقتراض من الخارج إذا ما استمر الوضع الحالي على ما هو عليه مع عدم تنفيذ اجراءات إصلاحية حقيقية اعتبارا من الموازنة العامة الجديدة أكبر من مجرد إصلاحات أدخلتها وزارة المالية مؤخرا".
وأكد أن تلك الإصلاحات يجب أن تشمل تحركًا جديًا من البنك المركزي للقضاء على ظاهرة السعرين في أسواق الصرف، وهو ما يحتج عليه صندوق النقد الدولي حاليا نظرا لأن الأمر يعد مخالفة للمادة 8 من اتفاقية إنشاء هذا الصندوق، لافتًا إلى أنه ما لم يتم حل تلك المشكلة، فإن قدرة الحكومة على التفاوض أو الاقتراض من الخارج ضعيفة بما يعني إمكانية اقتراضها بأسعار فائدة باهظة، داعيًا الحكومة إلى التوقف العاجل عن اختيار الطريق الأسهل بالاقتراض الداخلي لأنه سيعنى خطورة شديدة على البنوك، محذرًا من اقتراب الحكومة من وضع مشابه للوضع الذي عاشته المكسيك في الثمانينيات والتي شهدت فيه انهيارا مرعبا للعملة المحلية ومؤشرات اقتصادية شديدة التدهور.
ونوه طريح إلى أن مصر تعرضت لانهيار اقتصادي مطلع التسعينيات ولم ينقذها منه سوى إسقاط الديون الأمريكية والخليجية وتخفيض مديونيات أعضاء نادي باريس عقب حرب الخليج الأولى والغزو العراقي للكويت.
وطالب طريح، الرئيس عبد الفتاح السيسي بنزع فتيل القنبلة الموقوتة التي يعانيها الاقتصاد بسبب أزمة الدين العام، لأن الإجراءات المالية الأخيرة لن تحقق هذا، موضحًا أن الاقتصاد ما زال يعاني نزيفا داخليا وخارجيا.