و نستكمل معكم الجزء الثاني من قصة ذو القرنين وتمهيد لقصه يأجوج ومأجوج الجزء الأول ذهابه إلى شرق الكون وحكمه هناك : بعد أن انتهى ذو القرنين من أمر الغرب ، توجه للشرق. فوصل لأول منطقة تطلع عليها الشمس ، وكانت أرضا مكشوفة لا أشجار فيها ولا مرتفات تحجب الشمس عن أهلها.(حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا) لا يحمى هؤلاء الناس والقوم شيء على الإطلاق ، لا يحول بينهم وبين الشمس شيء ، ليس لهم بناء يكنهم ولا أشجار تظلهم وتسترهم من حر الشمس.
(كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا) أي علم الله عز وجل كل ما يدور في قلبه وفي نفسه.فحكم ذو القرنين في المشرق بنفس حكمه في المغرب ، ثم انطلق.
: وتبدأ الرحلة الثالثة وموقفه مع يأجوج ومأجوج ————————–———————– (حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ) والسدين: الجبلين العظيمين
وصل ذو القرنين في رحلته ، لقوم يعيشون بين جبلين أو سدّين بينهما فجوة.
(وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلا)
لا يعرفون لغة ذي القرنين أو لا يستطيعون أن ينفتحوا على غيرهم من الأمم ، وكانوا يتحدثون بلغتهم التي يصعب فهمها ، فهم قوم منعزلون على أنفسهم ، تعرضوا إلى أشد الهجمات وأعنف الضربات على يدي يأجوج ومأجوج.
فلما رأوا ذا القرنين الملك الفاتح العادل توسلوا إليه وانطلقوا وقوفا بين يديه ، وطلبوا منه أن يساعدهم في صد يأجوج ومأجوج بأن يبني لهم سدا لهذه الفجوة، مقابل خراج من المال يدفعونه له.
هؤلاء القوم يقولون لذي القرنين هل نبذل لك من أموالنا ما تشاء وما تريد على أن تبنى لنا سدا منيعا يحمينا من يأجوج ومأجوج.فرد عليهم بزهد وورع وقال: (قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ) فوافق الملك الصالح على بناء السد ، وقال لهم لقد أعطاني الله عز وجل من وسائل التمكين ما أغنانى به عن مالكم ، أي إن الذي أعطاني الله من الملك والتمكين خير لي من الذي تجمعونه ، كما قال سليمان عليه السلام لرسل ملكة سبأ : (أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم)
ولكنه لمح فيهم الكسل ، فأراد أن يشركهم في هذا المشروع العظيم وفي هذا العمل الضخم، فقال لهم سأساعدكم ولكن ! (فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا)
أي قال بلغة العصر: التخطيط الهندسي والمعماري والإنفاق المادي لبناء هذا السد ولإقامة هذا المشروع ، سنتكفل نحن بذلك ، ولكننا في حاجة إلى العمال ، في حاجة إلى عمالة يحملون ويبنون ويقيمون هذا العمل.