"رمى حجراً و أمعن ثم ولّى، و لم يترك دليلاً أو محلا، و عاذ بما تبقى من حياءِ، و شكّل يومه ثم استقلا، و قال: أموت، أموت، لكن لست أحني على كتف الزمان الرأس ذلا".. بهذه الكلمات القوية بدء الإعلامي يسري فودة مقدمته الأخيرة في آخر حلقة له في برنامجه "آخر كلام"، عبر فضائية "أون تي في". وأضاف: "لأن الموت لوّن كل شيئٍ، و ألقى بين أعظمنا عروقهْ، لأن اللون في دمنا ضبابٌ، لأنا نحن أخطأنا طريقهْ، لأن العمر يأتي عند يومِ و يعلن بين أيدينا مروقهْ، أرد إلى العيون شعاع أمسي، و ألقي في حُميّاها بريقهْ، و من جسدي النحيل أشد جسراً لكل العابرين إلى الحقيقة".
وتابع: "فيا وطني رأيتك في التقاء الرأس هلكٓى بالحوائط، رأيتك في عيون القطة الجوعى تغالط، رأيتك في اصفرار الماء في سلخ المشيمةْ، رأيتك في احمرار الأفق في وجه الحدود، رأيتك في انتشاري في السدود، رأيتك حين ينكشف الغطاء عن الصباح، و وجهك مستباح. رأيتك حين أخلع ياقتي خلف المشابك، و حين تحط في صدري مناقير السنابك، رأيتك في انتفاخ العِرق في كتف الأجير، و وجهك يستجير.
وأردف قائلاً: "طيب الله أوقاتكم و أهلاً بكم إلى آخر حلقة من "آخر كلام"، كانت قناة "أون تي في" تحبو واعدةً عندما انطلقت أول حلقة من هذا البرنامج عام ألفين و تسعة في ذكرى عزيزةٍ على قلوبنا جميعاً، ذكرى حرب أكتوبر المجيدة، خمس سنواتٍ بالتمام و الكمال عشنا فيها آلام وطن كبير و آلامه، حاولنا في خلالها جاهدين أن يكون ولاؤنا دائماً للحق و للحقيقة من منظورك أنت لا من منظور سلطةٍ و لا جاهٍ و لا مال، آمنا بأن طريقنا إلى احترام أذهانكم هو المعلومة المجردة و الرقابة على السلطة، أي سلطةٍ من أي نوع، بكل جرأةٍ و بكل احترام في آنٍ معاً.
وعن مشوار حياته بالبرنامج، قال: "أخطأنا أحياناً؟ نعم، و جل من لا يخطئ، لكننا نحمد الله أن ثبّت على الحق خطانا حين كان لقولة الحق ثمن، و نحمده أن ألهمنا مرجعية الضمير و الوطن، و نحمده من بعد ذلك أن سخّر منا جسراً لمن اجتهد، و ملجأً لمن ظُلم، و منبراً لمن لم يكن لديه منبرتقاسمنا معكم لحظاتٍ من أصعب اللحظات و من أجمل اللحظات في آنٍ معاً، و لا نمن على أحد بأننا تحمّلنا في لحظاتٍ ما لا طاقةَ لنا به.
"الآن يستريح هذا البرنامج بين أيديكم و بين أيدي قطعة غالية من تاريخ هذا الوطن و من مسيرة الإعلام في هذا الوطن، اسمحوا لي في هذه المناسبة أن أشكركم على وقتكم و على ثقتكم، و أن ألتمس العذر من كل من وجدنا في أي لحظة دون مستوى توقعاته، إرضاء الناس، كل الناس، غايةٌ من المستحيل، و احترامنا لكل عادلٍ محبٍّ لهذا الوطن مؤمنٍ بدولة القانون لا يمكن أن يتأثر باختلافٍ في الرأي و لا يمكن أن يتبدل"، وبهذه الكلمات انهي يسري فودة مقدمته المرتقبة دائماً في كل حلقة، ولكن هذه المرة هي الأخيرة له عبر برنامج "آخر كلام"، المُذاع عبر فضائية "أون تي في".