التقت «الشرق الأوسط» وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري مطولا في مقر إقامته بالعاصمة الفرنسية، وأجرت معه حديثا شاملا تركز بشكل أساسي على الوضع العراقي وتداعياته والمؤتمرات المتلاحقة، وآخرها مؤتمر باريس والدعم الدولي وسياقاته وارتباط الوضعين العراقي والسوري.
وإلي أهم جزء بالحوار :_
* كيف تفسرون الموقف التركي اليوم، حيث يبدو أن أنقره حريصة على البقاء في الخطوط الخلفية؟
- نحن نتفهم موقف تركيا، على الأقل ذلك الذي أعلمنا به من قبل وزير الخارجية الآن، المشكلة أن هناك قرابة 50 دبلوماسيا من موظفي القنصلية التركية في الموصل في قبضة الإرهاب، وبالتالي فإنهم يشعرون أنهم أمام كارثة إنسانية بالنسبة لهم. لقد حضرت تركيا في مؤتمر جدة، كما في مؤتمر باريس، لكنهم تعاملوا بشكل يسمح لهم بتحاشي حصول مأساة إنسانية تتناول رعاياهم.
* لكنهم في جدة لم يوقعوا على البيان الصادر عن الاجتماع؟
- نحن نتفهم موقفهم. نعتقد أنهم في العمق معنا، ولكن عليهم أن يوفقوا بين المسؤوليتين. دعمهم للعراق ودفاعهم عن «داعش» من جانب وتحاشي المشكلة التي قد تلم بهم في حال تخطوا هذا الحد من جانب آخر.
* أنتم بحاجة للولايات المتحدة، ولكن أيضا بحاجة لإيران. والحال أن هذين البلدين يتعاونان في العراق ويتواجهان في سوريا. كيف يستطيع العراق التوفيق بين هذين الطرفين؟
- هما وإن كانا مختلفين، لكنهما لا يواجهان مشكلة من داخلهما، ولكن من بعض الدول العربية.
* ما المقصود؟
- المقصود أن بعض الدول العربية تحفظت على حضور إيران مؤتمر جدة، وكذلك مؤتمر باريس. ونحن بذلنا جهودا لتذليل هذه العقبة، ولكن يبدو أن الوقت لم يكن لصالحنا، إذ كان المتسع قصيرا لبذل الجهود حتى نذوب الجليد بين هذه الدول وإيران. إيران موجودة على الأرض. إيران بلد جار جغرافيا، ولدينا 1400 كلم من الحدود المشتركة. وكان لها موقف مشرف طيلة هذه الفترة. دعمت العراق إعلاميا وسياسيا وإنسانيا وخدميا.
* وعسكريا أيضا.. المسؤولون الإيرانيون أنفسهم يؤكدون ذلك؟
- هذه السياقات كلها تشير إلى أنها دولة داعمة، ونحن لا نعتقد أنه يمكن أن ندعو دول الجوار للوقوف إلى جانبنا ونستثني إيران. ليس السؤال: لماذا تحضر إيران، بل السؤال لماذا لا تحضر؟
* الأسباب معروفة.. أليس كذلك؟
- نحن لا نريد العراق نقطة تقاطع حاد بين هذه الدول. إنما نريده محطة التقاء. وسنعمل في هذه السياسة وما عجزنا عنه وما حال دون أن يتحقق الآن، قد يتسع له المستقبل إن شاء الله.
* كيف تنظرون أنتم اليوم كحكومة عراقية إلى مستقبل الموضوع السوري على ضوء ما هو جار عندكم؟
- بالنسبة ل«داعش» هي نفسها في العراقوسوريا. ولذا لا يمكن أن نرفض «داعش» في العراق ونتقبلها في سوريا ما دامت أهدافها هي الأهداف الإنسانية. الأطفال السوريون، كما الأطفال في العراق.. الأقليات هنا وهناك.
لكن هناك مشكلة هي في الموقف الإقليمي والدولي من النظام السوري. ومن جانبنا، لا نريد أن نسيس المعركة. في سوريا كما في العراق. ثمة طرف هو الجاني وهذا الطرف هو «داعش». مثلما دعونا الصف الإقليمي والدولي لمواجهة خطر «داعش» وليتحمل مسؤولياته في مواجهة هذا الخطر، كذلك يتعين مواجهة الخطر الداعشي في سوريا. أما أن تكون هناك خلافات مع الحكومة «السورية»، فإن لهذه الخلافات سياقات أخرى. نحن كان لنا خلافات مع الحكومة العراقية وأوجدنا لها حلولا بالطرق السياسية.
* لكن في سوريا، المدنيون هم ضحايا «داعش»، ولكنهم أيضا ضحايا النظام.
- هناك خلاف جوهري بين ما يحصل في العراق وما حصل في سوريا على الأقل من جهة الإرادة الدولية وبعض الدول الإقليمية.
علينا الآن أن نواجه هذا الخطر المشترك. أولا، لذات سوريا ولذات العراق ولذات التداخل على الأرض بين ما يحصل في العراق وما يحصل في سوريا. لا تستطيع أن تمنع التداخل عندما ترتفع وتيرة الإرهاب في درعا وعموم سوريا. هذا أثر على العراق. وعندما تسربت هذه الفصائل الإرهابية، كان لها تأثير على سوريا. لذا لا يمكننا أن نفصل بين الأسباب والنتائج في الجانبين.
نعم هناك مشكلة تتناول التنسيق مع حكومة أنت نفسك لا تعترف بها «الحكومة السورية». وهذه المشكلة يجب أن تحل.
* كيف يمكن أن تحل؟
- في تقديري، يتعين الفصل بين المحور السياسي والمحور الإنساني والأمني، خصوصا أنك لن تدخل وتشغل قواعد وتتحكم في الأرض، إنما تستهدف فصائل «داعش» ومنابع تسرب الأفراد من «داعش» عندها تكون قد أسهمت في الطرفين سورياوالعراق. وحتى في سوريا، يتعين أن ننظر إليها على المديين المتوسط والبعيد والبحث في كيفية حل المعضلة مع سوريا. بالنتيجة، النظام السوري، مهما كانت الملاحظات الخاصة به، قد يكون قابلا للتفاهم معه بأي طريقة من الطرق وليس كالنظام العراقي السابق. لا أقول إنه لا توجد ملاحظات، لا بل ملاحظات أساسية على النظام السوري. ولكن هذا مدعاة للحوار وتحشيد القدرات للبحث عن حل.
* بكلام آخر، أنتم تقولون: النظام باق وتفاهموا معه..
- أنا لا أستطيع الحديث نيابة عن الشعب السوري. ما أعرفه أن هناك قسما «من الشعب» معه وقسما آخر ضده. وبسبب هذا الانقسام، نحن نقول إننا لا نتدخل في قضية الشعب نفسه مختلف بشأنها. لسنا بديلا عن الشعب السوري وقضيته متروكة له فإن رضي بالنظام فلنجدد له. وإن لم يرضَ بالنظام فليتجاوزه.