خلف القضبان في مصر، يقبع عدد كبير من قيادات جماعة الإخوان، معظمهم في زنازين انفرادية لاعتبارات سياسية، حيث أرادت مصلحة السجون الحيلولة دون قيامهم بعقد اجتماعات تنظيمية. تقدم محامي جماعة الإخوان المسلمين بدعاوى قضائية، تطالب بتمكين كل من، محمد بديع، مرشد الجماعة، وخيرت الشاطر، نائبه، والقيادي بها عصام العريان من الصلاة في جماعة. ورفض المستشار عبدالمجيد المقنن، رئيس الدائرة الأولى بمجلس الدولة الدعوى، وهذا الطلب، والسبب قانوني، لأن الدعوى أقيمت من غير ذي صفة، حيث لم يقدم المحامي، مقيم الدعوى، توكيلا عن أي من هؤلاء السجناء.
تزامن ذلك مع تزايد الحديث عن تسريب رسائل منسوبة لقيادات الإخوان، دعا المروجون لها “أخوات الجماعة” للعمل على حشد الفتيات في الجامعات واستقطابهن لاستمرار التظاهرات والضغط لإطلاق سراح سجناء الإخوان، ورسائل أخرى حضّت على مراجعة أفكار الجماعة، والتسليم بالأمر الواقع، لأن عناصر الجماعة أنهكت، ولم تعد هناك فائدة من التظاهرات.
وكانت أبرز الرسائل نقلا عن العرب اللندنية، التي تم تسريبها وحظيت بالرواج، وشكك في صحتها بعض الخبراء، رسالة من الرئيس المعزول محمد مرسي، عقب إعلان نتيجة انتخابات الرئاسة المصرية في يونيو الماضي، زعم فيها أنه مازال الرئيس الشرعي للبلاد، ونشرت الرسالة على صفحته الرسمية على الفيسبوك.
في الوقت الذي تحرض الرسائل المزعوم تسريبها من داخل السجون، عناصر الجماعة على مواصلة الاحتجاجات، طفت معلومات تقول إن القيادات في السجون دخلت مرحلة المراجعات الفكرية وإطلاق مبادرات للمصالحة مع السلطات الحاكمة، وكان آخرها مبادرة أطلقها بالتنسيق معهم محمد العمدة عضو البرلمان السابق، عقب أيام قليلة من الإفراج عنه على ذمة قضية التحريض على القتل والعنف بعد فض اعتصام رابعة العدوية، وحوت اعتراف الاخوان بشرعية النظام الحالي، ووقف الاحتجاجات، على أن يتم السماح لهم بالانخراط في الحياة السياسية والإفراج عن قادتهم.
تلاها حديث عن وجود تنسيق وتعاون بين قيادات الجماعة في السجون وقيادات أمنية وسياسية في الدولة، أشارت إلى عدم استبعاد عقد صفقة، بموجبها يتم الافراج فعليا عن عدد من القيادات، مقابل منع أنصارهم من التخريب والعنف والتظاهر.
مصدر رسمي بمصلحة السجون (طلب عدم ذكر اسمه) أكد ل”العرب” أن سجناء جماعة الإخوان من القيادات ليس من حقهم الاجتماع داخل السجون، تحت ذريعة الصلاة جماعة، كون مرشد الجماعة ونائبه الأول وغيرهما من قيادات التنظيم موزعون على سجون مختلفة، فبديع في سجن ملحق مزرعة طرة، والشاطر في العقرب شديد الحراسة، ووفقا لتصميم السجون كل شخص في زنزانة منفردة، وهي زنازين مصممة حسب اتفاقات دولية تنظم مواصفات الزنزانة الخاصة بالسجن الانفرادي وحقوق السجين.
وأضاف المصدر، أن سجناء الجماعة، من غير القيادات وأعضاء مكتب الإرشاد أقل خطورة، لذلك يتم سجن الأعضاء الأقل خطورة في زنازين جماعية، وفقا لسعة الزنازين، وحسب المساحات واللوائح المنظمة، ومن يريد الدراسة منهم يتم توفير قاعات مجهزة للمذاكرة، ومن يرغب في الاستعانة بمدرسين للحصول على دروس تسهل عليه استيعاب المنهج يتم استحضار متخصصين له.
وحول ما يحصل عليه سجناء مكتب الإرشاد من مزايا وفق اللائحة، قال المصدر: “يسمح لهم بمشاهدة التلفزيون في الزنازين، لكن للقنوات المصرية الأرضية فقط، كما يسمح لهم بدخول الكتب، لكن بعد مراجعتها، والتأكد من أنها لا تحمل مضامين متطرفة، مثل تلك التي كتبتها قيادات الإخوان المتطرفة كمؤلفات سيد قطب، كما يسمح بدخول صحف مصرية”.
وبخصوص الحوارات واللقاءات التي تجري بين قيادات الجماعة داخل السجن، قال المصدر: “ما يحدث الآن محاولات من بعض عناصر الجماعة، لطرح مبادرات، في محاولة للتشبه بالمراجعات الفكرية للجماعة الإسلامية، التي أعلنت نبذ العنف في تسعينات القرن الماضي، ومن تلك المبادرات ما طرحه محمد العمدة، المفرج عنه مؤخرا، إلا أن المنوط بالتعامل مع تلك المبادرات ودراسة مدي جديتها، وقبولها من عدمه جهات سياسية”.
وبشأن الصفقات التي أبرمها نظام مبارك مع قيادات الإخوان داخل السجون، خلال فترة حكمه، أوضح المصدر: “في عهد مبارك، كانت تجري لقاءات مع عناصر التنظيم، وممثلين للنظام، لكنها كانت تحت إشراف وزير الداخلية نفسه، وبترتيب مع قيادات سياسية في الحزب الحاكم آنذاك (الحزب الوطني) وكان ذلك يتم داخل السجون”.
وأشار المصدر إلى أن قيادات الجماعة بالسجون بدأوا يتأثرون سلبيا، بعد أن أدركوا التغير في الموقف الأميركي الذي ظهر كأنه تخلى عنهم، لإدراكه فشل مشروعهم، خاصة مع قرار الولاياتالمتحدة منح مصر الطائرات الأباتشي العشر لمواجهة الإرهاب في سيناء، وهي التنظيمات التي رعتها الجماعة في عهد مرسي وراهنت عليها كثيرا.
وحول ما يعلن من تسريبات منسوبة لقيادات الجماعة السجناء، قال المصدر: “هذه أكاذيب، ورسائل تكتبها قيادات التنظيم الدولي في الخارج، بهدف تحفيز شباب الجماعة على الصمود، بعد أن لوحظ ضعف قدرة التنظيم على الحشد، موضحا أن قدراته (الرئيس المعزول) الذهنية واللغوية لا تمكنه من كتابة الخطاب الذي نسب إليه عقب انتخابات الرئاسة، وعضو بالتنظيم الدولي هو من كتبه وبثه لامتلاكه، كلمة السر الخاصة بصفحة الرئيس المعزول.
مختار نوح، القيادي الإخواني المنشق، قال ل”العرب”: “كنت سجينا في زنزانة واحدة في عهد مبارك مع محمد بديع قبل أن يصبح مرشد الجماعة، وكانت قيادات الإخوان تلتزم بشكل كبير باللوائح المنظمة للسجون، ولا أذكر مطلقا أنهم طالبوا حينها بالصلاة جماعة مع بعضهم البعض، فالأمر ليس له علاقة بالصلاة الآن، بل مجرد محاولات بائسة لإثارة أمور فرعية، وأولى بهم، العمل على طرح حل لأزمتهم، فهم كالمصاب بالسرطان، الذي ينشغل بعلاج الحبوب والأعراض التي تظهر على جلده فقط”.
وأضاف نوح: “يبدو أن قيادات الإخوان تشعر بالصدمة، حيث ظن البعض منهم أنه ذاهب للسجن لبضعة أشهر، وأن مرسي سيعود بعدها للحكم، لكن فوجئوا بفشل محاولاتهم وبأحكام تصل إلى المؤبد والإعدام، فحدث عند عدد منهم تشويش في الأولويات”.
حول آليات السجناء السياسيين لتهريب الرسائل من داخل السجون، قال ماهر فرغلي، الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية: “بعد أن أجرت الجماعة الإسلامية مراجعات فكرية، هناك العديد من الآليات التي تلجأ إليها الجماعات داخل السجون لتسريب رسائل أو تكليفات لأعضائها بالخارج، أبرزها عن طريق الرسائل الشفهية عبر المحامين، والأسر خلال الزيارات، ويقوم المحامي بحفظها، أو كتابة رموز ليتذكر مضمونها كاملا، وهناك من يهرّب الرسائل في أوراق صغيرة.”.
وأضاف فرغلي، الذي قضى 13 عاما سجينا في ليمان طره، وأفرج عنه في بداية عام 2001، أن “صفوت عبدالغني، القيادي بالجماعة والمسجون حاليا، كان سجينا، وأصدر من داخل السجن تعليمات للتنظيم باغتيال المفكر فرج فودة، بعد اتهامه بالردة عن الإسلام، هرّب أوامره في رسالة كتبها داخل علبة كبريت ونقلت الرسالة لأعضاء التنظيم في الخارج، واغتيل فعلا فودة بعدها”.
وقال فرغلي: “لا توجد خطورة من السماح لقيادات التنظيم بالتجمع في الصلاة أو التريض، لأن ذلك سيؤدي إلى طرح كل فرد مراجعاته على الآخر، وقد تحدث خلافات وانشقاقات، لكن في النهاية من الممكن الحصول على نتيجة إيجابية”.
واستطرد، هناك اختلاف بين مراجعات الجماعة الاسلامية وبين يتردد حول قيام الإخوان بخطوة مماثلة، فالأخيرة تخشى قياداتها الاعتراف بالخطأ، فينهار التنظيم، لأن من ينساقون خلفهم سيقولون لهم لماذا دفعتمونا للمواجهة حتى قتل كل هذا العدد؟ لذلك هم يبحثون عن مخرج بأقل خسائر، لكن على ما يبدو لم يعثروا عليه بعد.