ما يزال الرئيس الأميركي باراك أوباما مترددا في وضع استراتيجية واضحة المعالم لمواجهة تنظيم “داعش” الذي أصبح يهدد مصالح واشنطن في المنطقة وأمن حلفائها. يأتي هذا في ظل شكوك حول قدرة أوباما على اتخاذ أي قرار سواء ما تعلق بوضع الاستراتيجية أو تشكيل تحالف دولي ضد “داعش”، تماما مثلما ظل مترددا في اتخاذ مواقف من قضايا مصيرية أخرى مثل سورياوالعراق والعلاقة مع إيران.
ولاحظ مراقبون نقلا عن العرب اللندنية، كيف أن الإدارة الأميركية المكبّلة بالتردد والارتباك أصبحت عاجزة عن التدخل لإنقاذ مواطنيها الذين يذبحهم تنظيم “داعش” الواحد تلو الآخر، فضلا عن أنها أصبحت مذعورة إلى درجة أنها تحسب مشاركتها في أي عمل عسكري بحذر خوفا من دفع الثمن.
وأشار المراقبون إلى أن مقتل سياسة أوباما الأكبر هو إدراك القوى المارقة في الشرق الأوسط للقيود التي فرضها أوباما على نفسه منذ حملته الانتخابية الأولى، وهي معادلة شجعت على التمادي في الاستهانة به وبتهديداته وأدت إلى اتساع الفوضى.
وأكدوا أن أبرز أخطاء أوباما القاتلة هو إهماله الشديد للملف العراقي منذ سحب القوات الأميركية بل والظهور بمظهر المؤيد للأحزاب الشيعية ولسياسات نوري المالكي الطائفية التي أحدثت أكبر شرخ طائفي وعرقي في تاريخ الشرق الأوسط الحديث.
بل إنه أعلن تأييده للمالكي وواصل تزويده بالطائرات والعتاد في مواجهات محددة ارتكبت فيها مجازر وجرائم تصل حدّ الإبادة الجماعية مثلما يحصل منذ عام في الأنبار، حيث استخدمت المدفعية الثقيلة والطائرات والبراميل المتفجرة.
وفي ما يخص الملف السوري، اعتبر المراقبون أن أوباما تنكر للقيم الأميركية في الدفاع عن حق الشعوب في تقرير مصيرها، فضلا عن أنه أساء إلى صورة الولاياتالمتحدة حين ظلت تهديداته مجرد حبر على ورق، فيما استمر الأسد المتباهي بالدعم الروسي الإيراني في تقتيل شعبه.
وكان محللون وسياسيون سوريون قد حمّلوا الرئيس أوباما مسؤولية بروز “داعش” والتنظيمات المتشددة في سوريا، معتبرين أن سكوته عن تسليح الأسد ودخول ميليشيات حزب الله إلى النزاع، أضعف المعارضة السورية المعتدلة وشجع على التحاق المقاتلين والمتطوعين بالمجموعات المتشددة التي تحوم شكوك حول وقوف الأسد وإيران وراءها.
إلى ذلك، كادت سياسة أوباما القائمة على التقرب من إيران تحدث أزمة كبيرة بين واشنطن وعواصم حليفة بالمنطقة وخاصة الرياض التي اعتبرت الانفتاح على طهران مكافأة لها على سياسة التدخل في شؤون دول المنطقة وإذكاء الصراعات الطائفية في العراقوسوريا والبحرين ولبنان واليمن.
واضطر أوباما إلى التنقل شخصيا إلى المملكة العربية السعودية للاعتذار وإرضاء العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي كان غاضبا من تخلي أوباما عن العلاقات الاستراتيجية لبلاده ومصالح حلفائها في المنطقة لمجرد رغبة شخصية في اختبار تجربة الانفتاح على دولة مارقة.
وقد تراجعت مصداقية واشنطن في المنطقة بسبب انتقادات الحلفاء لما يعتبرونه إخفاقات دبلوماسية متتالية لأوباما بما في ذلك الملف الفلسطيني الذي عجزت الدبلوماسية الأميركية عن حلحلته.
ولا يستبعد المراقبون أن يزيد ملف “داعش” في تأكيد عجز أوباما في التعاطي مع الملفات الحساسة، خاصة أن إدارته اكتفت بمراقبة ما يجري منذ الانطلاق حين سكتت عن الأزمة السياسية في العراق والشكاوى من السياسات الطائفية للمالكي.
كما اكتفت بمتابعة شريط انسحابات الجيش العراقي المثيرة للتساؤلات من أمام قوات “داعش”، ولم تتحرك واشنطن إلا بعد أن حقق المتشددون نجاحات كبرى، وكان الرد الأميركي مقتصرا على ضربات جوية خاطفة.
وأفاقت إدارة أوباما على الخطر فأصبحت تبحث عن تشكيل “تحالف دولي” لمواجهة التنظيم المتشدد في خطوة تبدو هادفة إلى توريط الجميع وتعكس خوفا أميركيا نابعا من طبيعة شخصية أوباما التي طبعت السياسات الأميركية سلبا.
ويحاول أوباما خلال قمة حلف شمال الأطلسي الدفع في اتجاه تشكيل تحالف وسيوفد وزير الدفاع الأميركي تشاك هيغل ووزير خارجيته جون كيري ومنسقة شؤون مكافحة الإرهاب في البيت الابيض ليزا موناكو إلى الشرق الأوسط.
لكن المحللين يستبعدون نجاحه في ذلك بسبب غياب الاستراتيجية والاستعدادات الأميركية.
ويقول بريان كاتوليس من مركز التقدم الأميركي إن “التحالف الواسع الذي شهدناه في 1991” لن يتكرر، مضيفا: “إنها منطقة مختلفة تماما”.