حارسة إحدى العمائر : يوم فض الإعتصام كان أسود من السواد .. والمعتصمين كانو ولاد حلال
مقاول برابعة : كانت أيام ما يعلم بيها إلا ربنا .. والداخلية فضت الاعتصام بطريقة يا قاتل يا مقتول
موظف : القناصة اعتلوا أسطح العمائر وأطلقوا الرصاص على الشرطة
صاحب كُشك : خلال أيام الإعتصام المُعتصمين صاموا واتجوزوا وخلفوا
بائع : الداخلية لن تفرق بين الأخوان وغيرهم وقت اطلاق الرصاص .. وعدد الجثث كان كبير
عامل : لن أرى مع الأخوان أي سلاح سوى العصي والشوم
رائحة غاز، دُخان كثيف، جُثث ومُصابين في كل مكان، أشخاص تهرول ينتاباها الفزع، قوات أمن ومُدرعات في أرجاء المنطقة، مُكبرات صوت تدعوا الموجودين إلى ترك المكان، إطلاق نار متبادل، في الحقيقة كل ذلك لم يكن في حرب بأحد البلدان، ولكنه كان واقع بأحد المناطق السكنية في القاهرة، حيث حدث في مثل يومنا هذا من العام الماضي ب"ميدان رابعة العدوية" أثناء فض إعتصام جماعة الأخوان المسلمين الذي كان يطالب بعودة الرئيس المعزول محمد مرسي وعودة نظامه الفاشي الذي رفضه الشعب المصري وطالب برحيله في ثورة شعبية كبيرة نزل فيها ملايين المصريين للمطالبة برحيلة واسترداد ثورة ال 25 يناير التي اغتصبتها الجماعة.
وفي الذكرى الأولى لفض إعتصام رابعة ذهبنا لنرى الفرق بين اليوم والبارحة ونتذكر مع سكان المنطقة ذكرياتهم خلال فترة الإعتصام وفضه، وحين الوصول إلى مكان الإعتصام وعند مسجد رابعة الذي تم حرقة أثناء الفض، كان يجلس قائد قوات الأمن، والقوات والمدرعات تقف على جانبي الطريق متأهبين ومستعدين لأي أعمال شغب أو مظاهرات قد تحدث بالمنطقة كما تدعوا جماعة الأخوان وأنصارها.
حركة سيارات وأشخاص يسيرون بالشارع دون أن يسألهم أحد من أين جئتم وإلى أين تذهبون أو يطالبهم أن يرا بطاقاتهم الشخصية، ومحلات تبيع للمواطنين، هذا هو حال المنطقة اليوم. حينما كنا نتحدث مع سكان المنطقة عن أيام الإعتصام جاوبنا معظمهم ب"أيام ربنا ما يرجعها" أو "أسود أيام عيشناها" رافضين الدخول في أي تفاصيل أخرى، وكذلك بعض العمال وأصحاب المحال رفضوا الحديث عنها وقالوا "احنا مش مع أخوان ولا مع السيسي وعايزين ناكل عيش"، فيما قد تجاوب معنا البعض الآخر وروا لنا ذكرياته عن أيام الإعتصام وما يتذكره عن عملية الفض.
وقد وصفت إحدى السيدات التي تعمل حارسة لإحدى العمائر بشارع رابعة، يوم الفض ب" أنه كان أسود من السواد ، واللي شوفناه عمره ما اتشاف" وقالت ان الأصوات وقتها كانت مُرعبة من انذارات وإطلاق نار كثيف وصراخ . وقالت :"كل ما اتذكره عن يوم الفض ان الداخلية أعطت إنذرات بالصوت وبعدها دخلنا وأغلقنا الأبواب وسمعنا أصوات رصاص " وأضافت :" انا مقدرش أقول مين اللي غلطان الداخلية ولا الأخوان وكان نفسي الداخلية تصبر عليهم عشان ميكونش فيه ضحايا، ومحدش يقدر يقول حاجة على الداخلية دلوقتي لأن الغلبان بيروح في داهية ، ومنقدرش نقول إنهم غلطانين أو مش غلطانين وكله عند ربنا ". وتابعت حديثها :" المعتصمين لم يدايقوا السكان بالعكس كانوا ناس طيبين ، بعض السكان استضافوا معتصمين، وهما كانوا ولاد حلال وحصل موقف معي عندما تاه ابني شباب الاعتصام ساعدوني ندهو عليه بالمكبرات ولم يتركونى الا حينما أعادوه لي" وتابعت : "كانو غالبيتهم مهندسين ودكاترة ومتعلمين ما غلطوش في حد".
فيما وصف أحد المقاولون لإحدى العمارات بشارع رابعة، أيام إعتصام جماعة الأخوان في ميدان رابعة العدوية ب" أيام ما يعلم بيها إلا ربنا"، موضحاً أن الأخوان تسببو في وقف حال جميع سكان وأصحاب المحلات بالمنطقة، حيث أنه تم تعطيل استكمال بناء العمارة وتسليم العملاء شققهم. وأضاف أن الأخوان قاموا بإحتلال العمارة كاملة، وقاموا بتخريب البناية، مشيراً أن أعدادهم كانت كبيرة ملئوا العمارة بالداخل وبالخارج كانوا يسكنون الخيام على رصيفها. وأشار إلى أن الجماعة كان لها مجموعات أمن تقوم بتفتيش كل المارة ورؤية البطاقات الشخصية، لافتاً إلى أن هؤلاء الأمن لن يكون معهم أي أسلحة سوى "العصي"، ومؤكداً أنه لم يرى أي أسلحة أخرى أو قناصة مسلحة فوق العمارات. وعن عملية الفض أكد أنه لم يحضرها لكنه يرى أن الداخلية قد استخدمت أسلوب " يا قاتل يا مقتول" في عملية الفض، موضحاً : "الداخلية وضعت في دماغها ان دول لازم يمشو من هنا بأي خسائر ، يعني ها تطلعو ها تطلعو بالذوق ها تطلعوا بالعافية ها تطلعوا ".
وقد أكد موظف بإحدى الشركات في رابعة العدوية، والذي حضر فض الإعتصام، وجود أسلحة مع أنصار الأخوان داخل الإعتصام، موضحاً أن بعضهم كان يعتلي أسطح العمارات وفي الشوارع الجانبية ويطلقون النار على الشرطة. ولفت إلى أن الشرطة أنذرت المعتصمين قبل عملية الفض من خلال مكبرات الصوت حتى يتركوا الميدان، ولكنهم ظلوا في أماكنهم وخيامهم وأصروا أن لا يتركوا الإعتصام. وأكد أن قوات الأمن لم تطلق النار أو تُصعد من العنف ضد المتظاهرين إلا بعد أن بدأ إطلاق النار من قبل أنصار الأخوان من فوق أسطح إحدى العمارات التي تحت الإنشاء، وبعد أن سقط إثنين من ظباط الشرطة، قامت القوات بالرد بعنف شديد، حيث بدأ إطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع بكثافة وتبادل الطرفان إطلاق النار، وقامت قوات الأمن بالهجوم على العمارة التي يطلق الأخوان من أعلاها الرصاص للقبض عليهم، وبدأ بعدها سقوط عدد كبير من الضحايا.
واستطرد قائلاً:"الداخلية لديها قوات مُدربة وكان لديها القدرة على أن تقوم بفض الاعتصام والقبض على من كان معهم أسلحة دون أن تطلق الرصاص على كل الموجودين دون تمييز بين الجاني أو الشخص العادي" .
وقال صاحب أحد الأكشاك، أن قوات الأمن قد استخدمت جميع الوسائل السلمية قبل أن تبدأ عملية الفض، مشيراً إلى أن طائرات الجيش دائماً ما كانت تقوم بإلقاء المنشورات الورقية لمناشدة الموجودين بفض الإعتصام، بالإضافة إلى أن وسائل الإعلام جميعها كانت تطالب المعتصمين بترك الميدان. وتابع : "رأيت في الاعتصام أعداد كبيرةهدفهم المُعلن عودة المعزول محمد مرسي لكنه لم يكون هدف حقيقي، ومعظمهم حينما أكلمهم في السياسة يخلطوها بالدين فلما كنت أسألهم لازم مرسي يرجع مفيش حل تاني يردوا الرسول قال والقرآن قال وياخدوني في منطقة تانية خالص ملهاش علاقة بالواقع اللى كانو فيه" . مستكملاً :" لم انسى فكرهم كانوا جايين يتكلموا في الدين ويجاهدوا في سبيل الله كانو شايفين انه اعتداء على الإسلام". وأكد أنه لم يرى مع المعتصمين أي أسلحة غير "العصي والشوم". وقال ان سكان المنطقة كانو منزعجين جداً من هذا الاعتصام حتى ترك معظمهم المنطقة، مشيراً أن بعض السكان كبار في السن وكان شباب الجماعة يستوقفونهم ويسألوهم "رايح فين وجاي منين" ويطالبوهم بإبراز هويتهم الشخصية، بخلاف القمامة الكثيرة والعشوائية مُتابعاً "ناس بتغسل وتنشر وناس بتطبخ وناس بتعمل كحك العيد". واستكمل : "خلال ال 45 يوم المعتصمين صاموا واتجوزوا وخلفوا داخل الاعتصام،وكل دا كان موجود أمام مبنى عسكري، هيئة الشئون المدنية والجيش من نفسه أغلق الباب وفتح باب من الجانب الآخر وفي الوقت دا كان من حقه يطردهم من المكان لأن ممنوع الإقتراب من أي منطقة عسكرية، لكنه تجنبهم ولم يعترض وكل الصلاحيات لديه".
وقال أحد البائعين الذي كان جالساًعلى رصيف شارع رابعة، أنه حضر فض الإعتصام ورأى بعينه القناصة فوق الأسطح أثناء الفض، مؤكداً أن قوات الأمن لم تطلق الرصاص إلا بعد أن أطلقه عليهم هؤلاء القناصة من فوق العمائر. وأوضح أن الشرطة وجهت إنذارات ونداءات للمعتصمين حتى يتركوا الميدان، لافتاً أن بعضهم ترك الإعتصام والبعض الآخر استمر مما جعل القوات اضطرت إلى إطلاق قنابل الغاز المُسيلة للدموع، وحينما أطلق قناصة الأخوان الرصاص الحي على الشرطة ردت عليهم بإطلاق رصاص عشوائي، متابعاً : " الأمن لم يفرق حينما أطلق الرصاص بين أخواني أو مش أخواني، مكنوش بيختاروا". واستكمل : " لم أعرف عدد للجثث لكني شوفت جثث كثيرة مُلقاه على الأرض والرصيف".
وقال أن طريقة فض الإعتصام كانت خطأ موضحاً :" الأمن كان ممكن يبدأ بغلق مداخل شارع الطيران والأوتوستراد واحاطوا الميدان وينبهوا على اصحاب المحلات بغلقها واللى موجود مكنش ها يلائي اكل او شرب او مياة وكانوا ها يضطروا يمشوا حتى لو ما مشيوش كلهم نصهم كان ها يمشي ".
كما عبر عامل في أحد المحلات بشارع رابعة، عن انه لم يصدق حتي الان ان أنصار الأخوان قد تركوا رابعة قائلاً :" كنت فاكر ان الأخوان احتلوا المنطقة". وأكد أنه لم يرى مع المعتصمين أي أسلحة، لافتاً أنه حتى اذا كان معهم سلاح فمن المؤكد انهم سيخفوه، بالإضافة إلى انهم كانو يوزعون الشباب على مداخل الإعتصام حتى يقوموا بتفتيش المارة ورؤية بطاقاتهم الشخصية فقط . وقال ان قيادات الجماعة مثل محمد البلتاجي والمرشد كانوا يُقيمون في شقة بأحد العمائر في المنطقة، وهي التى تم إلقاء القبض على المرشد بها.
وفي سياق متصل أوضح أن قوات الأمن فضت الإعتصام بطريقة عشوائية وكانت لا تفرق بين من هو أخوانى أو آخر يسكن أو يعمل بالمنطقة، مشيراً إلى أن أحد زملائه كان أثناء الفض موجود خارج المحل وقام الأمن بإلقاء القبض عليه، كاشفاً أنه كان من ضمن المتوفين الذين قتلوا في الحادث المعروف ب" حريق سيارة الترحيلات".