الشرق الأوسط- حكمت محكمة تشرف عليها الأممالمتحدة، أول من أمس، على أكبر مسؤولين سابقين في نظام الخمير الحمر، لا يزالان على قيد الحياة، بالسجن المؤبد، بعدما أدانتهما بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في كمبوديا. والمدانان هما نوون شيا (88 عاما)، ورئيس دولة «كمبوتشيا» الديمقراطية خيو سامفان (83 عاما)، ويعد الحكم الصادر بحقهما الأول من نوعه الذي يصدر ضد قادة في نظام مسؤول عن مقتل قرابة مليوني إنسان في كمبوديا بين عاميي 1975 و1979. وقال القاضي نيل نون إنه «بالنظر إلى خطورة الجرائم التي أدينا بها، سيبقى نوون شيا وخيو سامفان في السجن إلى أن يصبح هذا الحكم نهائيا»، في إشارة إلى إمكانية استئنافه من قبل المدانين. ويعد نوون شيا المنظر الآيديولوجي للخمير الحمر الذي يوصف بالوقح والاستفزازي والمتغطرس، ومن أكبر مهندسي فظائع نظام تسبب في مقتل نحو مليوني شخص في كمبوديا. ويمثل الرجل، الذي كان الذراع اليمنى «للأخ الأول» بول بوت الذي توفي في 1998 بلا محاكمة، منذ 2011 أمام محكمة بنوم بنه، برعاية الأممالمتحدة بتهمة ارتكاب إبادة، وجرائم ضد الإنسانية، وجرائم حرب. لكن الإجراءات اختصرت كي يجري التوصل إلى حكم في أسرع وقت. ولدى إعلان الحكم الأول، أمس، على «الأخ الثاني»، البالغ من العمر 88 سنة، لم يحرك ساكنا. ودفع أمام المحكمة ببراءته، ورد دفاعه على الفور باستئناف الحكم. وفي آخر يوم من محاكمته في نهاية 2013، اعترف نوون شيا بنوع من «المسؤولية الأخلاقية» عما حدث، وأعرب عن «ندمه العميق»، لكن طلب في الوقت نفسه إخلاء سبيله، مما جعل «ندمه» غير مفهوم لدى الضحايا. وقال: «لم آمر بارتكاب أي جريمة.. أنا بريء من تلك التهم»، محملا «الخونة» والفيتناميين الذين طردوا الخمير الحمر من الحكم في 1979 المسؤولية. من جانبهم، شدد المدعون على الدور «الأساسي» لنوون شيا ورئيس دولة «كمبوتشيا الديمقراطية» خيو سامفان المدان بالحكم نفسه، في النظام الديكتاتوري الذي دفع إلى الموت ربع سكان كمبوديا تحت تأثير الإرهاق والجوع، وتحت التعذيب، وبالإعدامات غير القانونية. وأثناء هذه المحاكمة الرمزية، أثار نوون شيا غضب الضحايا بمغادرته القاعة احتجاجا على إجراءات، أو مركزا على سوء حالته الصحية، ورغم احتمال معاناته فعلا خلال اعتقاله من عدة أمراض، فإن المحكمة أكدت أنه قابل للمحاكمة. ولد نوون شيا، واسمه الحقيقي لونغ بونرووه، في 1926 لعائلة صينية - خميرية، كانت تقيم في إقليم باتامبانغ شمال غربي كمبوديا، ودرس الحقوق في بانكوك خلال الأربعينات، ثم عمل في وزارة الخارجية التايلاندية، وانضم إلى الحزب الشيوعي التايلاندي. ولدى عودته إلى كمبوديا ساهم في تنظيم الحزب الشيوعي في «كامبوتشيا» غداة الاستقلال في 1954، وفي تعزيز أنظمة الحزب الذي عرف أكثر باسم «الخمير الحمر»، ثم فر من بنوم بينه في 1970 بعد انقلاب الجنرال لون نول الموالي للأميركيين. وكان أيضا مساعد القيادة العسكرية للخمير الحمر من 1970 إلى 1975، ومفوضهم السياسي الأكبر المكلف مطاردة «أعداء الثورة». وفيما كان نوون شيا يعد من الشخصيات الأكثر تكتما في قيادة الحزب الشيوعي الكمبودي، تبين من الوثائق التي تركها النظام بعد سقوطه أنه «قلب نظام التصفية»، وفق سولومون كاين مؤلف «قاموس الخمير الحمر». وكتب أيضا الباحثان ستيفن هيدر وبراين تيتمور في كتاب حول تلك الحقبة أن «هناك عناصر جوهرية وواضحة» تدل على أن نوون شيا لعب دورا «أساسيا ومركزيا في إعداد وتنفيذ سياسة الإعدام في النظام. وانشق نوون شيا في 1998 بعد سقوط آخر معقل للخمير الحمر في انلونغ فين، وانضم إلى الحكومة. لكنه بقي حرا طليقا يعيش مع زوجته في منطقة بايلين (شمالي غرب) في منزل صغير من الخشب قرب الحدود التايلاندية. وفي 2007 اعتقل بعد إدلائه باعترافات لم يكررها أمام كاميرا الصحافي الكمبودي ثيت سمباث. وفي الفيلم الوثائقي «إينميز أوف ذي بيبول» (أعداء الشعب) الذي وزع في 2009، روى نوون شيا بهدوء لماذا أعدم الخمير الحمر «المجرمين» الذين كانت «إعادة تربيتهم» مستحيلة. وقال: «دمرناهم، لأننا لو تركناهم يعيشون لكان خط الحزب قد انحرف، كانوا أعداء الشعب».