قد يكون الطفل محمد بدران ذو التسعة أعوام، الناجي من قصف إسرائيل لبيت عائلته في مخيم النصيرات للاجئين وسط قطاع غزة أحد الشواهد الحية لبقايا طفل ووطن يتعرض بين الفينة والأخرى لأبشع أنواع الجرائم التي جعلت من أطفال غزة حقلا لتجارب أسلحة فتاكة تبقى آثارها ونتائجها عميقة في ذاكرة الأحياء منهم ونصف الأموات. الثلاثون من شهر يوليو الماضي..التاسعة صباحا.. سيظل محفورا في تاريخ عائلة "بدران" البسيطة المكونة من تسعة أفراد، حيث باغتهم صاروخ إسرائيلي وهم نيام جميعا، ليستقر في غرفة نوم أطفالهم وتشاء الأقدار أن يصاب سبعة منهم بجراح مختلفة، أقساها كان الطفل محمد، الذي فقد بصره ونطقه وشوهت معالم وجهه البريئة. مراسلة وكالة الأنباء القطرية/ قنا/ زارت محمد في مشفى الشفاء في مدينة غزة والتقت مع والدته وبعض أشقائه الذين أصيبوا أيضا جراء عملية القصف. والدته تؤكد أن أطفالها جميعا كانوا نياما عندما باغتتهم قذيفة إسرائيلية فأصابت سبعة من أبنائها بجراح مختلفة ولكن أخطرها كان من نصيب محمد. وتضيف باكية "لقد كان طفلي محمد كالوردة، متميزا جدا وعلى درجة عالية من الذكاء".. متسائلة عن الذنب الذي اقترفه هذا الطفل والذي أدى إلى تشويه وجهه وفقدان بصره ونطقه. ووجهت أم محمد نداء لذوي القلوب الرحيمة بمساعدتها في علاج طفلها وذلك في ظل أن الأطباء أخبروها بأن علاجا لحالته قد يتوفر في الخارج ولكن من الصعب أن يتوفر في غزة في ظل الإمكانات المعدومة والمنهارة. وتضيف الأم المكلومة أن جهودها تتوزع بين محمد وابنتيها "إيمان.. 17 عاما" و "حنان.. 14 عاما"، اللتين أصيبتا أيضا جراء عملية القصف، حيث تعاني إيمان من تهتك شديد في عظام إحدى قدميها فيما تعاني حنان من كسور شديدة في إحدى يديها مع مشكلة في الأعصاب من الممكن أن تؤثر على حركتها مستقبلا. الشقيق الأكبر لمحمد والذي نجا من الموت بأعجوبة، لايزال في حال من الصدمة والذهول مما حدث لأخوته ولكنه يؤكد على بعد هام لمأساة العائلة والمأساة الفلسطينية بصفة عامة وهو البعد النفسي والذي لا ينتبه له الكثيرون في ظل الحديث عن مشاهد الدم والدمار. ويضيف "لا نستطيع النوم أبدا بعد هذه الحادثة، ونشعر دائما بأننا معرضون للهجوم في كل لحظة، ولم أكن أتخيل إطلاقا بأننا كعائلة مسالمة سنكون عرضة للقصف والموت والتدمير، وقلبي ينزف جراء ما حدث لشقيقي محمد ولا أتخيل أنه سيبقى ضريرا مدى الحياة".. وتابع "كلنا أمل في أن يتقدم أحد أو جهة ما لإنقاذ ما تبقى له من عين وخاصة في ظل حديث الأطباء عن إمكانية علاجه في الخارج". من جانبه، قال الدكتور أيمن السحباني مدير الاستقبال والطوارئ في مشفى الشفاء في مدينة غزة في تصريح لوكالة الانباء القطرية /قنا/ إن وضع الطفل محمد بالغ الخطورة، وهو من أشد الحالات حاجة للسفر وتلقي العلاج بالخارج في ظل ضعف الامكانات المتاحة في غزة. وأضاف أن محمد فقد عينه اليمنى بشكل كامل فيما أصيبت العين اليسرى بشظايا كثيرة ما يجعله معرضا لفقدان بصره بالكامل أو بالكاد يرى في تلك العين إن تمت معالجته بشكل سريع. وتابع أن الطفل محمد يتنفس في الوقت الحالي من خلال أنبوب وضع له عن طريق الرقبة، كما وضع له أنبوبان للتنفس في الصدر، وأجريت له عملية استكشافية في البطن، إضافة إلى إصابة بالغة في الرأس وتنفخات شديدة في الوجه. وقال السحباني، إن وضع محمد خطير جدا وهو بحاجة للسفر وتلقي العلاج بالخارج.. مشددا على أن مئات الأطفال لا تقل حالتهم خطورة عن وضع الطفل محمد بدران. محمد ليس هو الحالة الوحيدة التي تشهد على جرائم الاحتلال في غزة ولكنه قد يكون ممثلا وشاهدا حيا على محرقة الاحتلال الحديثة التي تؤدي غالبا إلى أن تصاحب آثارها من وقع ضحية لها ما دام حيا. وزارة الصحة الفلسطينية تقول إن حصيلة شهداء العدوان الإسرائيلي الذي دخل على قطاع غزة يومه الثلاثون بلغت 1865 شهيدا و9563 جريحا. وذكرت الوزارة أن من بين الشهداء 429 طفلا و 243 امرأة و 79 مسنا.. موضحة أن من بين الجرحى 2877 طفلا، و 1853 سيدة و 374 مسنا. وأشارت الوزارة إلى أن 153 من بين جرحى العدوان تحت العناية المكثفة، ما قد يرفع أعداد الشهداء. وحسب الوزارة فإن 38 شهيدا ارتقوا في القصف الإسرائيلي الذي استهدف مدارس وكالة الأممالمتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين /أونروا/ منذ بداية العدوان الإسرائيلي. واستشهد 12 صحفيا منذ بدء العدوان. مئات الاطفال سقطوا ضحية العنف الاسرائيلي الدموي فيما تبقى المعاناة الأشد إيلاما هي لمن بقي حيا من هؤلاء الأطفال الجرحى والتي تلوح الإعاقة أمام ناظرهم فيما تبقى الإمكانات في مشافي غزة ومؤسساتها محدودة ولا ترقى إلى مواجهة الفيض الكبير من ضحايا الجرائم الاحتلال المستمرة.