فشلت حتى الآن جميع المبادرات الدبلوماسية الدولية لوضع حد لحرب إسرائيل على غزة، رغم زيارات المسؤولين الغربيين للمنطقة (وزراء خارجية إيطالياوألمانياوفرنسا) والأمين العام للأمم المتحدة، واجتماع باريس الذي ضم سبعة وزراء خارجية وممثلا عن الاتحاد الأوروبي، وتوافق خمسة رؤساء دول وحكومات (الولاياتالمتحدة، فرنسا، بريطانيا، ألمانياوإيطاليا) لمزيد من الضغوط لوقف الحرب، ناهيك عن بيانات مجلس الأمن الدولي وطلب الرئيس الأميركي باراك أوباما من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو «وقفا فوريا وغير مشروط» للهجوم على غزة برا وبحرا وجوا. وبعد أكثر من 1300 قتيل وآلاف الجرحى والتدمير الهائل الذي أصاب البنى التحتية والمنشآت والمساكن والمدارس والمساجد ما زالت الجهود الدولية تتعثر، ولم يتبقَّ سوى الحل المصري عبر المبادرة التي طرحتها القاهرة لإنهاء الأزمة، والتي وجد كثيرون أنها الحل الأكثر مقبولية لدى الأغلبية.
وتقول مصادر دبلوماسية غربية في باريس تحدثت إليها «الشرق الأوسط» إن أربعة أسباب رئيسة هي التي تفسر إطالة الحرب، وخصوصا القصور الدولي.
وأول هذه الأسباب أن الطرفين لم يحققا أهدافهما السياسية أو العسكرية حتى الآن؛ فمن جانب إسرائيل، يبدو واضحا أنها «غيرت أهداف حربها، وبالتالي فإنها تريد المزيد من الوقت لتحقيق الأهداف الجديدة»، التي أصبحت الآن علنية، وهي تجريد غزة من السلاح والقضاء على البنية العسكرية لحماس وللجهاد الإسلامي، بما في ذلك مراكز القيادة والتحكم والأنفاق والقضاء على مسالك تهريب السلاح. وتستند الحكومة الإسرائيلية إلى رأي عام مؤيد لاستمرار الحرب على غزة بغض النظر عن الخسائر الجسيمة التي تضرب المدنيين كما أنها تخضع لضغوط الجناح اليميني الأكثر تشددا من نتنياهو.
وبرأي المصادر التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط»، فإن القادة العسكريين الإسرائيليين «فوجئوا» بقدرة حماس والجهاد على تهديد نصف إسرائيل بالصواريخ، بما في ذلك المطار الرئيس «بن غوريون»، وعزلها عن العالم، مما فُهم إسرائيليا بأنه «توازن الرعب»، ولذا، فإن القادة الإسرائيليين، بعد الخسائر التي منوا بها قتاليا، يرون أن الفرصة اليوم «متوافرة» للضغط عبر الحرب على الأسرة الدولية للتخلص من التهديد العسكري، ومن صواريخ حماس لسنوات طويلة.
بالمقابل، ترى هذه المصادر أنه يتعين على حماس أن «تبرر» الخسائر البشرية والمادية الباهظة التي أصابت غزة. وبكلام آخر، حماس بحاجة إلى «انتصار ما» يكون بمستوى التضحيات ويستجيب للهدف الأول من المواجهة، وهو كسر عزلة القطاع وفتح المعابر مع مصر وإسرائيل والسماح بدخول وخروج البضائع والوصول إلى «تطبيع» الوضع بعد التضييق الذي تعرض له القطاع.
وتؤكد المصادر المشار إليها بشكل قاطع أنه «طالما لا يرى الطرفان أنهما حققا أهداف الحرب بشكل أو بآخر، فإن الجهود الدبلوماسية لن تنجح في وقفها».
وواضح أن إصرار إسرائيل على نزع سلاح حماس والجهاد يعني أن الحرب ستطول كثيرا.
أما السبب الثاني، فيكمن في «ضعف الإدارة الأميركية وعجزها عن لي الذراع الإسرائيلية»، إذ إنها خرجت «خاسرة» من المواجهة مع نتنياهو، الذي رفض خطة الوزير جون كيري بحجة أنها لا تأخذ بعين الاعتبار نزع سلاح غزة، وأنها «تراعي» مصالح حماس على حساب إسرائيل.
وتلاحظ المصادر الغربية أن بيان البيت الأبيض الذي صدر عقب الاتصال الهاتفي بين أوباما ونتنياهو لم يشر إلى خطة كيري، بل جدد دعم الخطة المصرية مع الإشارة إلى أن «حلا بعيد المدى يجب أن يتضمن نزع سلاح المنظمات الإرهابية».
تعد هزيمة كيري الثانية بعد اللطمة التي تلقاها بسبب إحباط إسرائيل لجهود السلام التي قام بها بينها وبين السلطة الفلسطينية. وبرأي المصادر الغربية وأوساط مطلعة على سير العلاقات بين واشنطن وتل أبيب، فإن إسرائيل «ترد» على انفتاح أوباما على إيران، وتستند في رفضها إلى الدعم الذي تحظى به في مجلس الشيوخ وإلى اقتراب موعد الانتخابات النصفية في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
كما يرى هؤلاء أن لواشنطن «أوراقا ضاغطة» لو استخدمتها لما استطاع نتنياهو أن يصول ويجول، فالأسلحة الإسرائيلية أميركية الصنع في غالبيتها، ولواشنطن حق النظر في طريقة استخدامها. وبدلا من أن يلوح أوباما بوقف المساعدات العسكرية وعد بالمزيد منها لتطوير «القبة الفولاذية». وباختصار، تقول المصادر الغربية إن واشنطن «لم تنخرط بشكل كافٍ» لوقف الحرب أو لتوفير شروط وقفها.
ما يصح على واشنطن (السبب الثالث) يصح على العواصم الأوروبية التي «تراعي» الظروف الإسرائيلية، و«تتفهم» حاجة تل أبيب للتخلص من تهديد الصواريخ من غير أن تعبأ بالأسباب العميقة لهذه الأزمة التي تعرفها جيدا، وعلى رأسها غياب الحل السياسي الذي لا تريد إسرائيل أن يرى النور، إذا كان سيفضي إلى قيام دولة فلسطينية. والأدلة على «ميوعة» المواقف الغربية - الأوروبية، منذ بدء الأزمة لا تحصى. وتبدي المصادر المشار إليها «استغرابها» من توافق الاتحاد الأوروبي بدوله ال28 على فرض عقوبات اقتصادية ودبلوماسية على روسيا بينما هي تعجز عن الإشارة إلى أي ضغوط ممكنة يمكن فرضها على إسرائيل، رغم مقتل مئات الأطفال والنساء وتضرر المدنيين بالدرجة الأولى.
وربما أفضل مؤشر هو ما صدر عن قصر الإليزيه من أن لإسرائيل «الحق في اتخاذ جميع الإجراءات لحماية مدنييها» من غير الإشارة إطلاقا للضحايا المدنيين الفلسطينيين، مما فُهم على أنه «شيك على بياض» قُدّم لنتنياهو.
يبقى أن سببا رابعا مزدوجا لا يُفهم من دونه التخاذل الدولي، وهو يتمثل من جهة في الانقسامات الفلسطينية، ومن جهة ثانية في شلل الجامعة العربية والحروب والنزاعات التي تضرب الكثير من بلدانها (من سوريا إلى العراق وليبيا واليمن)، بما يعنيه ضعف التأثير العربي على المسرح الدولي، وقصوره عن الضغط عليه لدفعه إلى التحرك.