ما زال تاريخ ثورة 23 يوليو حافلا بأسرار لم تظهر للعلن بعد ومنها ما ظهر ولا يتذكره أحد ولها أبطالها الحقيقيين الذين تناسهم التاريخ ومنهم البكباشي يوسف صديق معاطي أحد أهم أبطال ثورة يوليو الذين أكلتهم الثورة بعد ذلك.
ولد يوسف صديق في قرية زاوية المصلوب التابعة لمركز الواسطى ببني سويف في 3 يناير 1910، ووالده وجده عملا ضابطين بالجيش المصري، ووالده اليوزباشي منصور صديق شارك بحرب استرداد السودان وقضى كل خدمته بالسودان.
ودخل يوسف صديق الكلية الحربية، وتخرج منها برتبة الملازم ثان عام 1933، وحصل علي شهادة أركان الحرب عام 1945م، وبدأ خدمته في الجيش المصري بإحدى الكتائب بالسلوم، وفي أثناء الحرب العالمية الثانية في أواخر الثلاثينيات شارك في القتال الدائر بغرب مصر، كما شارك فيحرب فلسطين 1948، وقاد كتيبته بجرأة نادرة واستطاع أن يحتل خط الدفاع بين المجدل وأسدود، وسميت هذه المنطقة بشريط يوسف صديق.
دوره البطولي في الثورة بدأت قصة يوسف مع الثورة قبل ليلة 23 يوليو في أحد أيام أكتوبر سنة 1951، حينما زاره الضابط وحيد رمضان الذي عرض عليه الانضمام للضباط الأحرار وأطلعه على برامجهم والتي كانت تدعو للتخلص من الفساد وإرساء حياة ديمقراطية سليمة فوافق وأسندت إليه من قبل تنظيم الثورة قيادة الكتيبة الأولى مدافع ماكينة، وقبل الموعد المحدد بقليل تحرك البكباشي يوسف صديق مع مقدمة كتيبته مدافع الماكينة من العريش إلى مقر الكتيبة الجديد في معسكر هايكستب قرب مدينة العبور. لم يكن أحد يعلم على وجه اليقين ما يتم في رئاسة الجيش، حيث كان خبر الثورة قد تسرب إلى الملك الذي أبلغ الأمر للقيادة لاتخاذ إجراء مضاد على وجه السرعة، وكانت قيادة الجيش -التابع للملك- مجتمعة في ساعته وتاريخه تمهيدا لسحق الثورة أو الانقلاب بقيادة الفريق حسين فريد قائد الجيش قبل الثورة، وحسم يوسف صديق الجدل بينه وبين جمال حينما أصر على مواصلة طريقه لاحتلال القيادة وأغلب الظن اتفاق الرجلين على ذلك لأن جمال عبد الناصر الذي استمر يراقب التحركات عن كثب، وجه بعد ذلك بقليل بإرسال تعزيزات من أول الأجنحة التابعة للثورة التي تحركت في الموعد الأصلي اللاحق لمساندة يوسف بعد أن قام يوسف صديق مع جنوده باقتحام مبنى القيادة العامة للجيش والسيطرة عليه بالفعل.
بعد هذا اللقاء وفي الطريق، أعد يوسف خطة بسيطة تقضي بمهاجمة مبنى قيادة الجيش، وبالفعل وصل يوسف إلى المبنى وقام يوسف صديق وجنوده باقتحام مبنى القيادة بعد معركة قصيرة مع الحرس سقط خلالها اثنان من جنود الثورة واثنان من قوات الحرس، واستسلم بقية الحرس فدخل يوسف مع جنوده مبنى القيادة وفتشوا الدور الأرضي وكان خالياً، وعندما أراد الصعود إلى الطابق الأعلى اعترض طريقهم شاويش حذره يوسف، لكنه أصر على موقفه فأطلق عليه طلقة أصابته في قدمه، وعندما حاول فتح غرفة القادة وجد خلف بابها مقاومة فأطلق جنوده الرصاص علي الباب ثم اقتحموا الغرفة، وهناك كان يقف الفريق حسين فريد قائد الجيش، والأميرالاي حمدي هيبة وضباطاً آخرين أحدهم برتبة عقيد وآخر غير معروف رافعين منديلاً أبيضاً، فتم القبض عليهم حيث سلمهم لليوزباشي عبد المجيد شديد ليذهب بهم إلى معسكر الاعتقال المعد حسب الخطة في مبنى الكلية الحربية.
وبذلك يعتبر يوسف صديق هو بطل الثورة الحقيقي الذي أنقذ ثورة يوليو من الانتكاسة في اللحظة الأخيرة وهو الذي نفذ خطة الاستيلاء على قيادة الجيش ومن ثم السلطة بأسرها في مصر في ذلك التاريخ الساعة الثانية عشرة مساء 22/23 يوليو 1952.
انقلاب الثورة عليه قبل نجاح حركة الضباط الأحرار، دعا يوسف صديق لعودة الحياة النيابية، وخاض مناقشات عنيفة من أجل الديموقراطية داخل مجلس قيادة الثورة. ويقول يوسف عن تلك الخلافات في مذكراته، "طالب يوسف صديق في مقالاته ورسائله لمحمد نجيب بضرورة دعوة البرلمان المنحل ليمارس حقوقه الشرعية، وتأليف وزارة ائتلافية من قبل التيارات السياسية المختلفة بكل طوائفها من يسار وإخوان وووفديين ويساريين، وترتب علي ذلك صدور أوامر باعتقاله في عام 1954، وأودع في السجن الحربي إلى أن أفرج عنه في العام 1955، وحددت إقامته ببيته هو وأسرته بالمصلوب بمركز الواسطى التابعة لمحافظة بني سويف وظل في منزله إلى أن وافته المنية عام 1975 ليرحل في صمت دون أن يتذكره أحد".