من الحيوانات التي ذكرها الله تعالى في كتابه (النعجة)، وقد ذُكرت أربع مرات (ثلاثاً بالإفراد، وواحدة بالجمع: نعاج) في سورة (ص) في قصة سيدنا داوود مع الخصمين اللذين تسورا عليه المحراب، والنعجة هي الأنثى من الضأن (أنثى الخروف)، والجمع: نعاج، وهي من الثدييات التي تتغذى على الأعشاب، وهي من الأغنام، والأغنام تربى في جميع أنحاء العالم، ولا يكاد يوجد منها إلا الأليف، ويستفيد الإنسان من لحومها وأصوافها، ولحومها من أطيب أنواع اللحوم وأجودها. وقصة داوود التي ورد ذكر النعجة فيها ينبغي أن يتأملها المسلم، وأن يحقق ما جاء فيها، فقد أمر الحق سبحانه وتعالى أفضل خلقه سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم بالصبر، وأن يقتدي بداوود عليه السلام، فقال سبحانه: (اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ)، ووصفه بكونه عبداً له وعبر عن نفسه بصيغة الجمع الدالة على نهاية التعظيم (عَبْدَنَا دَاوُودَ)، ذلك غاية التشريف، ووصفه تعالى ب (ذَا الْأَيْدِ) أي القوة، في أمر دينه ودنياه، و(إِنَّهُ أَوَّابٌ) أي إنه كان يرجع في أموره كلها إلى الله تعالى. فصل الخطاب وكان داوود إذا سبح جاوبته الجبال، واجتمعت إليه الطير فسبحت معه، وقد شدد الله ملكه وقواه، فكان أشد ملوك الأرض سلطاناً، وآتاه الله الحكمة، وفصل الخطاب، أي كمال حاله في النطق واللفظ والعبارة، فكان قادراً على التعبير عن كل ما يخطر بالبال، ويحضر في الخيال، فلا يختلط شيء منه بشيء. وقد تزيد بنو إسرائيل وافتروا على نبي الله داوود عليه السلام، ونشروا عنه ما لا يليق بالنبوة والعصمة، وحاصل كلامهم: أن داوود عليه السلام أعجبته امرأة أوريا، فاحتال بوجوه كثيرة حتى قتل زوجها، ثم تزوج بها، فأرسل الله إليه ملكين في صورة المتخاصمين في واقعة شبيهة بواقعته، وعرضا تلك الواقعة عليه، فحكم داوود بحكم لزم منه اعترافه بكونه مذنباً، ثم تنبه لذلك فاشتغل بالتوبة. وهذا باطل لا شك فيه، لا يليق بمقام النبوة والعصمة، يدل على وضوح بطلان كلامهم تلك الصفات التي ذكرها الله تعالى لداوود، بين يدي هذه القصة، من عبادة وتسبيح وعبودية لله وكثرة الأوبة وما أعطاه الله من الحكمة وفصل الخطاب وقوة السلطان، ثم ما أعقب تلك القصة من مدح وعطاء. وقال القاضي عياض في كتابه الشفا: « لا يجوز أن يلتفت إلى ما سطره الأخباريون من أهل الكتاب الذين بدلوا وغيروا، ونقله بعض المفسرين، ولم ينص الله تعالى على شيء من ذلك، ولا ورد في حديث صحيح، والذي نص عليه الله في قصة داوود: (وظن داوود أنما فتناه) وليس في قصة داوود وأوريا خبر ثابت، ولا يظن بنبي محبة قتل مسلم، وهذا هو الذي ينبغي أن يعول عليه من أمر داوود ». اتباع الظن أما ابن كثير فلم يذكر ما ورد عن بني إسرائيل في ذلك، واكتفى بالتنبيه على بطلان ما أوردوه. والقصة وسياقها في كتاب الله تعالى هي ما ينبغي على المسلم الوقوف عنده، والوقوف على اليقين أولى من اتباع الظن والشبهات. قال تعالى: (وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21) إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ (22) إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23) قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ (24) فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ). فكما نرى سياق القصة لم يذكر ما يشير للإسرائيليات، وغاية ما هنالك أن داوود عليه السلام تعجل في الحكم، بعد أن سمع أحد الطرفين، وهو قد حكم بالحق وفقاً لكلام السائل، وظن مجرد الظن أنه قد اختبر فاستغفر ربّه وخر راكعاً وأناب. وما أحوج الإنسان أن يتأمل هذه القصة، وما ذكره الله قبلها وبعدها من وصف لعبده ونبيه داوود عليه السلام، ويقف عند حدود الأدب والشرع مع أنبياء الله تعالى، ولا يتبع ما نشره بنو إسرائيل من فحش وتعدٍ على أنبياء الله.