في الوقت الذّي يصرّ فيه قياديو حركة النهضة الإسلامية في تونس، على إنكار انتماء حركتهم إلى التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، أقرّ رئيسهم راشد الغنوشي في مداخلة قد تبدو ذات نفس ثوري ونقدي للإخوان، ولكنّها إقرار غير صريح بانتماء الحركة إلى هذا التنظيم وبتطابق وجهات النظر وتقارب التجارب بينهما. حيث توجه الغنوشي بخطاب نقديّ غير متوقع إلى قادة الإخوان في مصر واعتبرهم مرتبكين وعاجزين عن ممارسة الشأن السياسيّ، لأنّهم استفردوا بالحكم ولم يستمعوا إلى نصائحه. وجه راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة التونسية، نقدا لاذعا إلى جماعة الإخوان المسلمين في مصر، وإلى قيادة التنظيم العالمي للجماعة، بسبب تصرفاتهم الّتي أفقدتهم الحكم وجعلت الشعب ينقلب ضدّهم.
وأرسل الغنوشي مداخلة مطولة إلى اجتماع قادة التنظيم العالمي للإخوان، الذّي عُقد في إسطنبول في منتصف الشهر الماضي، وطلب توزيعها على فروع الجماعة في كافة أنحاء العالم، لكن تمّ منع نشرها على اعتبار أنّها “ستُسيء إلى صورة الإخوان".
ونشرت المداخلة الممنوعة في العديد من المواقع الإلكترونية المصرية أمس، منها موقع الفجر.
وذكرت تقارير إعلامية، في وقت سابق، أن تنظيم الإخوان العالمي عقد مؤتمرا سريا في اسطنبول بمشاركة قائمة من 11 شخصية عربية، من ضمنها زعيم حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي، لبحث تداعيات الإطاحة بالرئيس المصري المعزول محمد مرسي من قبل الجيش. وقد أسفر ذلك الاجتماع عن تعيين راشد الغنوشي في منصب رئيس المكتب السياسي، ليصبح بذلك الرّجل الثاني في التنظيم، وهو ما نفاه الغنوشي فيما بعد.
واعتبر المجتمعون أنّ مواقف الغنوشي تُعدُّ انقلابا جذريا وغير متوقع على الإخوان، فقد أثارت المداخلة استياء رجب طيب أردوغان، الذّي طلب التّكتم عليها وعدم نشرها في مصر.
وقام الغنوشي بتوزيع مداخلته على قادة الإخوان المجتمعين في إسطنبول، رافضا قرار التّنظيم العالمي الذي يقضي بحفظها والتّكتم عليها. ووصف الغنوشي، في بداية مداخلته، قيادة جماعة الإخوان المسلمين في مصر وسياستهم ب”المرتبكة والارتجالية والمتمردة” وبأنها “صبيانية".
وقال “كان من حظ المصريين أنّ تجربة الربيع العربي قد سبقتهم، وكان لهم الوقت الكافي والمناسب لدراسة التجربة التونسية والتركيز عليها، واستخلاص العبر ليتجنبوا سلبيات تجربتنا التي عشناها في تونس، وبالتالي التركيزعلى إيجابياتها فحسب".
وأضاف أنّ الإخوان في مصر انطلقوا في ممارسة الشأن السياسي وتسيير شؤون الدولة، دون أن يستشيروا إخوان تونس ليستفيدوا من تجربتهم، مشيرا إلى أنّه حاول الاتصال بهم، وسعى إلى تقديم النصيحة ولكن “لا حياة لمن تنادي”، على حدّ تعبيره.
وأوضح الغنوشي، أنّ الإخوان في مصر لم يشاركوا في الثورة ضدّ الدكتاتورية، ولم ينتفضوا ليغيّروا النظام، وأنّهم التحقوا كغيرهم بالجماهير بدل أن يقودوها”، إضافة إلى أنّهم “كانوا حذرين من الحراك الشعبي".
وقال : “كانت تجربة الإخوان في مصر منذ الأيام الأولى لثورة يناير تعاني ارتباكا كبيرا وترددا عميقا، فجزء من القيادة يدعو إلى المشاركة في الثورة، وجزء آخر يدعو إلى الانتظار، وآخر ثالث يريد المراقبة، بينما نزل الشعب المصري بأسره إلى الشوارع من واقع الظلم والمعاناة والجوع والفقر".
وأكّد رئيس حركة النهضة الإسلامية، أنّه اتصل منذ اليوم السادس للثورة التي عاشتها مصر بمكتب الإرشاد للإخوان، ليطلب منهم العمل على تأطير الجماهير، وتحديد مطالبها حسب الأولويات، ونصحهم بألاّ يساوموا ويفاوضوا على بقاء النظام، لأنّه في هذه الحالة، “سوف تلفظهم الجماهير وتسقطهم بمعية النظام”، حسب قوله.
وأشار راشد الغنوشي إلى أنّ الإخوان في مصر لم يفوا بوعودهم، فقد سارت الأمور على عكس ذلك، و”جرت الانتخابات وهيمنوا على الأغلبية رفقة حلفاؤهم، ثم استفردوا بالمجلس فشكلوا لجانه وفق رغباتهم ومصالحهم، ولم يراعوا للحظة باقي شرائح الشعب المصري الّتي صنعت الثورة. فلم ير المواطن المصري في ما حصل سوى استبدال الحزب الوطني المنحل بجماعة الإخوان المسلمين".
وأوضح أنّهم لم يكونوا “قريبين من نبض الشارع، ولم يحققوا شيئا ممّا ناضل الشّعب المصري من أجله”، وأنّ “غايتهم كانت السلطة والمناصب فحسب. فاستأثروا بها من ثمّة بطريقة أكثر فجاجة من طريقة مبارك ونظامه، وسيطر عليهم الغرور".
ووصف الغنوشي نجاح الإخوان في الانتخابات التي أُجريت سنة 2012 “بالنجاح الهزيل”، معتبرا أنّ “فجوة كبيرة بينهم وبين الشعب المصري قد بدأت تتّسع، لأنّ الشعب الذي احتضن رموزهم ورفعهم في وجه النّظام السابق قد بدأ يلفظهم”، حسب قوله.
واعتبر الغنوشي أنّ قادة الإخوان أخطؤوا عندما لم يستجيبوا إلى مطالب الجيش، حيث قال “الإخوان لم يتجاوبوا مع أدنى المطالب، لأنّ اللحظة النرجسية والغرور الإخواني كانا مسيطرين حينها، فلم يستمعوا إلى أحد، وابتعدوا عن استخلاص العبر".
واتهم رئيس حركة النهضة التنظيم الإخواني في مصر بالتّواطؤ مع التنظيمات الجهادية، حيث قال “تنظيم الإخوان بدأ يعمل لدى التنظيمات الجهادية والسلفية صاحبة القرار في كلّ شيء.. أمّا الإخوان فقد أصبحوا يَسيرُون خلف هذه التنظيمات".
وأعرب عن خوفه من ألاّ “يجد في القريب والمستقبل المنظور تنظيم الإخوان التاريخي في مصر”، لأنّ الغالبية العظمى من الشّباب المصري “بدأت تنخرط وتتعايش مع التنظيمات الجهاديّة والسّلفية المنتشرة في مصر وفي محيطها”، مشيرا إلى أنّ “الإخوان سيجدون أنفسهم رهينة في أيدي هذه التنظيمات”.