■ اللواء نصر: سنقاتل من أجل مشروعاتنا والبديل دفع 62 ملياراً سنويا. ■ ميزانية الجيش 5% فقط من موازنة الدولة وبندفع عن شغلنا ضرائب. ■ بعد عام من الصمت المجلس العسكرى يعرض صورا لتقارير الجهاز المركزى للمحاسبات عن أنشطة وشركات القوات المسلحة. بعد ثلاث ساعات من الشرح فى ملفات اقتصادية مابين اقتصاد مصر ومشروعات الجيش. أنهى نائب وزير الدفاع وعضو المجلس العسكرى اللواء محمود نصر كلمته وفتح باب التعقيبات والأسئلة مؤكدا ألا يخرج الحوار عن الاقتصاد وألا يدخل فى السياسة. ابتسم بعض الحضور فى ندوة (رؤية للإصلاح الاقتصادى) فالحقيقة أنه لايمكن الفصل بين الاقتصاد والسياسة. و الندوة التى تأجلت لأكثر من مرة عقدت يوم الثلاثاءالماضى، و فى ذروة الخلاف بين جماعة الإخوان والمجلس العسكرى. شهر العسل الطويل انتهى بينهما، والجماعة وحزبها تستخدم الآن كل الأوراق والكروت فى صراعها مع المجلس العسكرى. الكروت الاقتصادية كانت إحدى هذه الكروت وربما أهمها حزب الأغلبية يلوح الآن بنقل النشاط الاقتصادى للقوات المسلحة للحكومة. وهناك اتهامات فى البرلمان باستغلال الصناديق الخاصة وتجريف هذه الصناديق، الاتهامات تعدت فشل العسكرى فى إدارة المرحلة الانتقالية اقتصاديا إلى تهمة سياسية أخرى وهى تعمد إحداث أزمات اقتصادية. بالطبع بعض هذه الملفات كانت مثارة من قبل، ومن قوى سياسية وثورية أخرى، وعلى رأس هذه الملفات الذراع الاقتصادية للقوات المسلحة. المثير أن ملف النشاط الاقتصادى للجيش كان آخر محور من محاور الندوة، ولكن لأن السياسة تغطى دوما على الاقتصاد فإن هذا الملف خطف الانتباه من المحاور الأخرى.. فما قاله اللواء نصر فى نحو نصف ساعة عن النشاط الاقتصادى للقوات المسلحة أخطر وأهم من شرح الثلاث ساعات عن وضع الاقتصاد المصرى قبل وبعد ثورة 25 يناير، وحتى عن المساهمات العديدة والمتنوعة للقوات المسلحة طوال الفترة الانتقالية فى كل مجالات الاقتصاد للحفاظ على عجلة الحياة فى مصر، وليس عجلة الإنتاج. لقد كانت استثمارات المؤسسة العسكرية إحدى ثلاثة ملفات مثيرة للجدل أو بالأحرى للتفاوض. موازنة الجيش ونشاطه الاقتصادى والقوانين الحاكمة للقوات المسلحة.. وبعد صمت أكثر من عام يكشف اللواء نصر عن مفاجآت عديدة اولى هذه المفاجآت أنه عرض خلال الندوة صورًا لتقارير الجهاز المركزى للمحاسبات فى سنوات مختلفة قبل وبعد الثورة عن أنشطة كل الشركات الاقتصادية للقوات المسلحة. ولذلك لكى يثبت أن النشاط الاقتصادى للقوات المسلحة يخضع لرقابة الجهاز المركزى للمحاسبات. وقد كانت هذه النقطة محل مطالبات من قوى سياسية وثورية عديدة. وثانى هذه المفاجآت أن كل أعمال الشركات تخضع لقانون المناقصات والمزايدات. وأن المشروعات تسدد الضرائب ورسوم الدمغة. ومن خلال عرض تفصيلى للمشروعات ربط اللواء نصر بين هذه المشروعات وتلبية احتياجات الجيش من ملابس وتغذية ومعدات وآلات وأعمال مقاولات. وأنه يوفر للمجتمع الفائض عن احتياجات القوات المسلحة. بالأرقام فان قيمة الأصول الثابتة لهذه المشروعات تبلغ نحو 10 مليارات جنيه، وأن حجم أعمالها وصل فى 2011 إلى 6 3٫ مليار جنيه. وأن هذه المشروعات حققت فائضًا عامًا خلال عشر سنوات بلغ 7 7٫ مليار جنيه. وهذه الأرقام تختلف بالطبع عما أثير طوال العام الماضى عن حجم النشاط الاقتصادى للقوات المسلحة. سواء ما أثير فى الخارج أو من بعض القوى السياسية... وعندما سئل اللواء نصر عن رأيه حول اقتراح نقل تبعية هذه المشروعات من القوات المسلحة إلى الحكومة كانت إجابته صريحة جدا فقد رفض الرجل الفكرة أو بالأحرى التهديد، وأكد أن القوات المسلحة ستقاتل من أجل الحفاظ على هذه المشروعات وحمايتها من التدمير، وأضاف بغضب أن القوات المسلحة تنمى هذه المشروعات منذ 33 سنة. وان المساس بمشروعات الخدمة الوطنية إضرار بالأمن القومى. ولكن الغضب لم يمنع اللواء نصر من تحذير أصحاب هذا الاقتراح من البديل. فالقوات المسلحة تكتفى ذاتيا من خلال هذه المشروعات الاقتصادية لتغطية كل الاحتياجات، والبديل أن يوفر أصحاب الاقتراح 62 مليار جنيه سنويا لتلبية جميع احتياجات القوات المسلحة. الحقيقة أن الإخوان تعاملوا بفتونة سياسية فى هذا الملف تحديدا. فالنشاط الاقتصادى للقوات المسلحة ليس ملكا للمجلس العسكرى، بل ملك للقوات المسلحة المصرية، ولكن الإخوان تستخدم كل الأوراق أو بالأحرى تخلط كل الأوراق لتحقيق مكاسب سياسية. فقبل الخلاف مع المجلس العسكرى لم نسمع صوتا أو مشاركا للإخوان فى المناقشات حول الأنشطة الاقتصادية للجيش. ولكن على الجانب الآخر فإن المجلس العسكرى لم يسع طوال شهر العسل مع الإخوان للحوار مع المجتمع أو المواطن حول هذا الملف. لم يراهن على المواطن العادى ربما لأنه راهن على الإخوان. طوال عام لم يسع المجلس العسكرى لكسب تأييد المواطن العادى لأهمية النشاط الاقتصادى للمؤسسة العسكرية. بعد عام من الصمت يكشف اللواء نصر أن ميزانية القوات المسلحة تمثل 5% فقط من موازنة الدولة وأنها أقل من حصة التعليم. بعد عام يؤكد أنه لم يتقرب من الصناديق الخاصة وأن الحكومة اقترضت 5 مليارات جنيه من هذه الصناديق لسد عجز الموازنة. بعد عام يشرح عضو المجلس العسكرى كل المساعدات التى قدمتها القوات المسلحة فى كل شبر على أرض مصر. وهى مساعدات بلغت قيمتها نحو 12 مليار جنيه. ويعرض خطة من نحو 260 ورقة عن خطط المجلس العسكرى لإصلاح الاقتصاد والخروج من ازمته. لم تخل لهجة الرجل العسكرى من فخر هائل بانضباط وكفاءة المشروعات الاقتصادية للقوات المسلحة. وبل ووصل به الامر إلى مقارنة هذه الكفاءة بكفاءة الحكومة والقطاع الخاص معا وبالمثل لم تخل من مرارة فالشكاوى كثيرة، والاتهامات بفشل الإدارة فى الفترة الانتقالية أكثر. ولكن بين الفخر والمرارة لايجوز اختصار العلاقة بين الشعب والمجلس العسكرى فى الملف الاقتصادى فقط أو نتصور أن كل المشكلة أو بالأحرى أصل المشكلة أن هناك أزمات اقتصادية حادة عاشها الشعب، أو أن هناك جهودا كبيرة بذلها المجلس العسكرى للتخفيف من الأزمات. والحقيقة أن اللواء نصر لم يكن بحاجة إلى 260 صفحة أو آلاف الأرقام التى ذكرها. أو حتى مئات الأمثلة التى طرحها عن مساعدات القوات المسلحة المادية المباشرة للمجتمع المصرى فربما كان نصف أو ربع هذه الارقام والنماذج كافية لو قيل فى الوقت المناسب. فالصمت الطويل يفقد أحيانا الكلام جدواه وتأثيره. فى الغالب يصبح مثل الطعام البائت بدون طعم. والمشكلة الآن تعدت بالفعل إدارة المجلس العسكرى للملف الاقتصادى. الأزمة الكبرى فى إدارة الملف السياسى. فبعد نحو عام من تنحى مبارك نجد أنفسنا نقف فى المربع الأول، ونكاد نصل إلى نقطة الصفر. انقسام هائل فى المجمتع حول أهم وثيقة وهى الدستور. وأغلبية أخرى تمارس ديكتاتوريتها. وقطار المحاكمات لم يتحرك كثيرا، وتبرئة الكثير من الضباط المتهمين بقتل المتظاهرين تنشر الاحباط فى القصاص للشهداء. قد يكون مشهد طوابير البنزين مقلقا، وقد يكون اللواء نصر مهتما بإيضاح أزمة ديون البترول المتوارثة وهى الازمة التى وصلت بإلزام الحكومة المصرية بأن تسدد ثمن شحنات البيزنس أو غاز البوتاجاز للشركات والسفن لا تزال فى عرض البحر. ولكن رغم هذا وذاك فإن الخطر الأكبر اننا نسدد فاتورة دون أن نشترى بها شيئا. ففى نهاية الفترة الانتقالية لم نصل إلى استقرار سياسى بل وجدنا انفسنا فى خضم ازمة سياسية كبرى. الأزمة ليست فى طوابير العيش أو أنبوبة البوتاجازفقط ولكن الأزمة الحقيقية فى طوابير انتخابات مجلس الشعب قد أصبحت بلاجدوى. فكل أطراف اللعبة السياسية الآن تهدد بالعودة إلى ميدان التحرير. المشكلة ليست فى الشك فى أن المجلس العسكرى لم يدفع بمساعدات من القوات المسلحة للشعب، فنحن لم نطلب أو بالأحرى ننتظر من المجلس العسكرى الدعم المالى، ولكننا كنا نطلب منه العدل السياسى. كنا نطلب منه أن يقف فى منتصف الدائرة السياسية وعلى مسافة واحدة من جميع الأطراف. على بلاطة المشكلة الكبرى ليست فى صعوبة الطبخ فى غياب أنبوبة البوتاجاز، ولكنها فى رداءة الطبخة السياسية تحت إدارة المجلس العسكرى.