عقبت أحدي القارئات وتدعي داليا مختار على المقال السابق بعنوان الدفء البشري المفقود بتاريخ 28مارس2012 بأن الإبداع ليس في الابتكار فقط ويمكن أن يكون في الإحساس لأن هناك أناس ذو أحساس مرهف وهناك أناس فاقدي الإحساس. هذه كانت وجه نظر القارئة وهي صحيحة بلا خلاف ذلك لأن الابتكار هو استحداث أمر لم يكن معروفا سواء كان نظرية علمية أو هندسية أو طبية وهذه الحالات المتداولة عند الحديث عن الإبداع. أما الإحساس فهو أعظم نعمة على الإطلاق ففيه يتواصل الإنسان مع سائر المخلوقات من بشر وشجر وحجر وبه يكون التراحم. ولعل الإحساس لا يقف عند المشاعر فقط بل دخل عالم المادة مثلا فهناك أناس لهم حس رفيع في اختيار الملابس وهناك عديد من بيوت الأزياء العالمية وهناك أناس آخرون لهم حس رفيع في اختيار البرفانات وإلي درجة أن هناك نقابة في فرنسا تسمي نقابة الشمامين وأعضائها من المعدودين ومهمتهم هي شم البرفانات. عند بدء ابتكارها ليقرروا ما إذا كانت ستنتشر في السوق من عدمه. فنقابة الشمامين لا تبتكر شئ لأن ابتكار البرفانات هو أمر آخر ويجتمع في البرفانات الاثنين الإبداع في الابتكار والإبداع في الإحساس ويلزم للبرفان أن يكون الصانع مبدعا وأن يكون الشمام مبدعا لذلك أنشئ لحاسة الشم نقابة في فرنسا. ومن نعمة حاسة الشم إلي باقي نعم الله ومنها نعمة الرحمة فقد أوجب الله التراحم وكظم الغيظ والعفو عن الناس ولكن الواقع هو أمر آخر حيث بلغ الجمود بين البشر في التعدي على بعضهم البعض وتعذيب بعضهم البعض مبلغا يقطع بانعدام الحس كلية رغم قول الله تعالي في محكم آياته بأن الراحمون يرحمهم الرحمن و" ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء" و" من لا يرحم لا يرحم" إلي هذه الدرجة عدد الله الترغيب في الرحمة فبدأ في الحس عليها ثم جزائها بالحسنى ثم عقابها بعدم الرحمة. ولم يكن هذا من الله إلا إذا كان البشر أشد قسوة من الحجارة وقال تعالي " ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله وما الله بغافل عما تعملون". وفي خضم الحياة المعصرة بعد الثورة يبدوا أن الحديث عن الرحمة أصبح من المحرمات وأصبح التسابق حاد إلي الموبقات فكثر التلاسن والتشويه والتقليل من شأن الآخر بل تعدي انعدام الرحمة إلي قلة الأدب من حيث العامل الذي يتجرأ على رب العمل بدون حق وكذا أيضا رب العمل الذي يتجرأ على العامل بدون حق. وفي هذا السياق يجب أن يفكر أولوا الأمر في أن ينشئوا نقابة للأدب مثل نقابة الشمامين وبيوت الأزياء فالرحمة أولي من الشم والأزياء لنعيد تذكير الكافة بنعمة التراحم والأدب والاحترام فإن الذكري تنفع المؤمنين.