لا يمكن النظر إلى ما يحدث في المشهد المصري بمعزل عما يحدث في المشهد العربي بصفة عامة ولعل التطورات التي يمكن من خلالها أن تسمع طبول الفوضى تأتينا من بعيد من خلال الاختلاف بين أغلبية برلمانية وأقلية ليبرالية وعلمانية وبين المجلس العسكري صاحب الإدارة السياسية الحقيقية في البلاد. إن معركة لجنة الدستور ما هي إلا فصلا جديدا من فصول عدم الثقة المطلقة من جانب التيار المدني-ولا أعرف مدى دقة هذه التسمية- الذى يرى أن ما هو ديني ينبغى أن يتم اختصاره بين جدران المساجد وبين تيار إسلامي كاسح يرى أن الدين لا بد وأن يحكم بعد إبعاده عن المشهد لعقود. من المؤكد أن التيارات الاسلامية ورثت الربيع العربي باكتساح ومن نادوا أصلا بالتغيير للأنظمة العربية وجدوا أنفسهم في مؤخرة المشهد ربما لتواجد هذه التيارات سابقا مع الجماهير(أعني الإسلامية) وربما لأن الدين كمفهوم هو موجود في عقل المواطن العربي وقلبه كما أنه ينظر للتيارات المدنية غالبا عند العامة بأنهم لا يريدون الإسلام أن يكون عنوانا للأمة وهي تهمة عظيمة عند الانسان العربي. يظل السؤال عن موقف العالم الغربي وأمريكا من هذا التنامي للحركات الإسلامية لاسيما وأنه منذ سنوات ليست بالبعيدة كانت هذه التيارات تمثل مأزقا وتصّنف على أنها عدو ينبغي التخلص منه وقتله وهذا ما حدث مع القاعدة وصرفت مليارات الدولارات للحرب ضد الإسلام-الذي يقدم للمواطن الغربي باسم الارهاب-والآن يصبح هذا العالم الدموي العنصري مطالبا إما بالتعاطي مع تلك المستجدات بنوع من البراجماتية أو شن حرب صريحة على تلك التيارات ومحاولة إحداث الفوضى من جديد لتشويه تلك الحركات عبر أموال طائلة تنفق في تلك الدول عبر بعض منظمات المجتمع المدني التابعة لها مثل ما حدث في مصر (مليار و200 مليون) . من المؤكد أن ما أعلنه حزب النهضة التونسي من أن الدستور الجديد لن يتضمن نص الإسلام هو مصدر التشريع وأن يتم فقط ذكر أن الإسلام هو دين الدولة ، سينظر إليه باعتباره نوعا من جسّ نبض المواطن التونسي وهو يثير أكثر من علامة استفهام باعتبار أن تونس كانت سباّقة في الربيع العربي ومن بعدها جاءت مصرو ليبيا واليمن وسوريا وهي إن صح الخبر ستكون هي السباّقة أيضا في تعديل الدستور الذي ينص على التشريع الإسلامي صراحة والذي لم يتغير حتى في أيام الأنظمة الاستبدادية مما يدفعنا لكي نسأل عن كون تونس هي النموذج في مشروع الربيع العربي الذي طالما ما تفتخر أمريكا بأنها كانت وراء تصعيده عبر تدريبها للكوادر الفاعلة ضد الأنظمة السابقة والأموال الطائلة التي صرفتها والتي كانت تستخدمها في الضغط على الحكومات من أجل إجبراها على اتخاذ مواقف بعينها . وطبعا سيقال أن مصر ليست كتونس كما قيل من قبل إبان ثورة 25 يناير لكن ما حدث من انسحابات بالجملة من الجمعية التأسيسية للجنة إعداد الدستور بسبب ما سموه هيمنة التيارات الإسلامية وخشيتهم من أن يكون الدستور إسلاميا ووصل للحد الذي طالبت قوى مدنية كانت سابقا ما تصّعد لهجتها ضد المجلس العسكري نراها الآن تدفعه وتطالبه بالتدخل وهم سابقا نزعوا عنه الشرعية التى منحها الشارع له! ، تجعلنا نحتاج للفهم لاسيما وأن الدستور سيخضع لاستفتاء من قبل الشعب الذي سيقرر إما أن يختار طرحا اسلاميا أو يرفضه . يحق لنا هنا أن نستوضح عن رفض هؤلاء لآليات المنهج الديموقراطي في احترام رغبة المواطن في الدستور الذي يحكمه ولأنه مستحيل نظريا أن يحظى أي دستور بتوافق عام وليس بأغلبية فمن غير المعقول أن يحظي الدستور الجديد بنسبة 100 % ولأننا في الشهور الماضية عرفنا أن الليبرالية العربية تمتلك مفهوما مختلفا عمّا قرأناه في الديموقراطية التي تحترم رأي الفرد وعلمونا أنها في الشرق اختلفت عنها في الغرب فأصبحت تعني السيطرة على الأغلبية ! وأن قيمة رأي الفرد تكون منعدمة إذا ما تعارضت مع مصالحي !. إن الضغط على حزب الحرية والعدالة والنور ومحاولة إلصاق مشاكل المرحلة الانتقالية لهما هي محاولة رخيصة في النيل من المشروع الاسلامي وصحيح أن رئيس الوزراء المصري يبذل أقصى ما يستطيع لكن فيما يبدو أن محاولات إفشال الحكومة عبر افتعال قضايا تمس المواطن مثل نقص البنزين والسولار لإبراز عجز الحكومة عن مواجهة القضايا المصيرية والضغط لدفع البرلمان لسحب الثقة هو محاولة رخيصة أيضا من التيارات المدنية ووقعت فيها أحزاب الاغلبية للوقيعة مع المجلس العسكري. واللعبة واضحة ،البرلمان يسحب اختصاصات المجلس العسكري بسحب الثقة وطبعا المجلس لن يوافق علي ذلك ويصدر بيانا يحذر فيه ويذكر بأخطاء الماضي(تهديد) في إشارة لأحداث 1954ومن هنا يمكن أن تشم رائحة عنف وحشد والتيارات الإسلامية هي الوحيدة القادرة على صنع مليونيات في الشارع بعكس التيارات المدنية العلمانية التي تفشل في حشد أكثر من عشرة ألاف شخص ! والجيش طبعا سيلجأ للشارع والمواطن البسيط. ومن هنا تحدث طبول الفوضى. مما لا شك فيها أن هذه التيارات لن تنسى هزيمتها الساحقة وفشلها في اسقاط المجلس العسكري إذا هم أدركوا أنهم بدون التيارات الاسلامية لن يستطيعوا لكن في الوقت نفسه التيارات الدينية تلك تعرف أن المواطن المصري سيصعب عليه قبول خروج الجيش من المشهد بتلك الطريقة خصوصا وأنه يعّول عليه كثيرا في المشهد الأمني وربما لشعوره بالإمتنان له بوقوفه معه ضد مبارك فضلا عن أن مكانة الجيش أصلا في قلب المواطن العادي مكانة كبيرة وبها كثير من التقدير والاحترام. إذا ما الحل؟ من المؤكد أن هذا السيناريو هو ما يريده من لايريد استقرارا للوطن والمؤكد أيضا أن حالة الفوضى حين تنتشر في مصر سيكون وقعها كبيرا على الربيع العربي لأنه غالبا ما ينظر للأمة المصرية من المواطن العربي على أنها الوحيدة التي تستطيع أن تقف ضد المشروع الغربي في المنطقة وتستطيع لمّ الشمل العربي في مواجهة هذه الخطط التي يزعمون أنها من عقولنا فقط وكأننا لا نرى وكأن لهم عيونا ترى ما لا نرى!! ألا نتذكر أنه كانت هناك دولة اسمها العراق !ألا نسأل لماذا اختفت أخبار ليبيا من النشرات وهذا التعتيم على ما يحدث هناك من فوضى على الأرض! وعندما يتعلق الأمر باليمن ولأسباب خاصة بالحرب على الإرهاب فلا مانع من أن يتولى نائب الرئيس هناك السلطة وكأن المشكلة كانت في على صالح فقط. أما في سوريا فلا مانع من تسليح الجيش الحرّ وترك بشار يقتل الأطفال والعجائزومدّ الصراع إلى أطول فترة ممكنة. وفي مصر سيضغطون لتغيير الهوية الإسلامية بالضغط على الأحزاب ذات المرجعية الدينية وهنا يكتمل مشروع الربيع العربي بكثير من الفوضى وقليل من العمل والانتاج. القارئ للمشهد المصري سيشعر بالخوف على المستقبل خصوصا وأن طبول الفوضى تقرع في الميادين ونتمنى أن ينفض المجلس العسكري كل ذلك من يديه ويحتكم لشرعية الشارع الذي يقرر دستوره في مواجهة أقلية تريد السيطرة على الوطن وفي مواجهة أحزاب دينية قليلة الخبرة فمما لا شك فيه أن المواطن هو صاحب المشهد الحقيقي والذي كثيرا ما يتم سرقة اسمه والتحدث بها في وسائل الاعلام حتى ننتهي من مرحلة صعبة في تاريخ الوطن.