مؤسس "أمهات مصر" لطلاب الثانوية: كليات اختبارات القدرات مهمة ويحتاجها سوق العمل    11 مرشحًا لانتخابات الشيوخ يتقدمون بأوراقهم لمحكمة المنصورة بالدقهلية    منى الحسيني: مصر استقرت في عهد السيسي    خبير: دعوة آبي أحمد لمصر والسودان لحضور افتتاح سد النهضة خطوة رمزية تخفي مناورة سياسية    وزير الإسكان ومحافظ بني سويف يتابعان سير العمل بمنظومتي مياه الشرب والصرف الصحي    محافظ بني سويف يستقبل وزير الإسكان والمرافق في بداية زيارته للمحافظة    تبدأ من 3.5 جنيه، أسعار الكتاكيت والبط اليوم السبت 5 يوليو 2025    محافظ جنوب سيناء يرافق لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب في جولة ميدانية بدهب    طيران الاحتلال يشن غارة جوية شرق خان يونس    "الأونروا": الاحتلال جعل من قطاع غزة مكانًا غير صالح للحياة    الرئيس السيسي: استقرار ليبيا السياسي والأمني جزء لا يتجزأ من استقرار مصر    ترامب "غير راضٍ" عن موقف بوتين بشأن أوكرانيا: يريد الاستمرار في استهداف الناس    سبورتنج: بيجاد لاعب محترف والمفاوضات مازالت مستمرة    أحمد حسن: الأهلي أنهي التعاقد مع أسد الحملاوي بعد رحيل وسام أبو علي    إغلاق مقبرة جوتا بعد الجنازة بسبب صور سيلفي    3 وديات.. في الجول يكشف تفاصيل معسكر الأهلي في تونس تحضيرا للموسم الجديد    سيقوده زميله السابق.. بيرنلي يتعاقد مع كايل ووكر    رئيس منطقة الإسماعيلية الأزهرية يبحث مع مديري الإدارات خطة عمل الفترة المقبلة (صور)    القضاء الإداري يصدر حكمًا بشأن تعيين خريج بهيئة قضايا الدولة    ضبط متهم بالإتجار وتداول العملات الرقمية المشفرة وتمرير المكالمات الدولية بالمخالفة للقانون    اليوم.. لجنة برلمانية حكومية تعيد صياغة نصوص قانون التعليم الجديد    التحقيقات تكشف معلومات جديدة في حادث طريق الإقليمي    طقس الأحد شديد الحرارة وشبورة ورطوبة والعظمى بالقاهرة 36 درجة والإسكندرية 31    سرقة فيلا وزير الاتصالات بالطالبية    مكتبة الإسكندرية تطرح أحدث إصداراتها في معرضها الدولي للكتاب    المسرح والتحولات الرقمية الكبرى بين الإبهار التقني وفقدان الدهشة الإنسانية    عزت الدسوقي يكتب: للذكاء الاصطناعي مخاطر على الإبداع    موعد صيام يوم عاشوراء وأفضل الأدعية والأعمال المستحبة    عمرو الدجوي ينعى شقيقه الراحل بكلمات مؤثرة ويحيي ذكرى ميلاد والده    للصائمين اليوم، طريقة عمل الكبسة باللحمة أكلة سريعة التحضير    محافظ الجيزة: تطور نوعي في الخدمات العلاجية بالمستشفيات خلال يونيو    نائب وزير الصحة يزور المصابين في حادث الطريق الإقليمي بالمنوفية بمستشفى الباجور    مصروفات المدارس الرسمية 2026 وموعد سداد الأقساط    الجريدة الرسمية تنشر قرار جمهوري جديد للرئيس السيسي    منطقة الغربية الأزهرية تحتفل بتكريم أوائل مسابقة حفظ القرآن الكريم بحضور قيادات الأزهر    ارتفاع حصيلة ضحايا الفيضانات بولاية "هيماشال براديش" الهندية إلى 72 قتيلا    إلهام شاهين برفقة كريم عبد العزيز والكدواني وإيمي من حفل زفاف حفيد الزعيم    جيش الاحتلال يواصل استهداف طالبى المساعدات فى غزة    محافظ المنوفية يتوجه لمستشفى الباجور العام للإطمئنان على الحالة الصحية لمصابي حادث الإقليمي    الصحة: زراعة 12 صماما رئويا بالقسطرة التداخلية العلاجية مجانا بمعهد القلب خلال 6 أشهر    تنسيق الجامعات 2025.. التعليم العالي تصدر دليل استرشادي لاختبارات القدرات    رئيس جامعة دمياط يستقبل ممدوح محمد الدماطي وزير الآثار الأسبق    مدبولي يشارك في قمة "بريكس" بالبرازيل نيابة عن الرئيس السيسي غدًا    تبدأ من العلمين وتنتهي بالسعودية.. تامر عاشور يستعد ل3 حفلات خلال أغسطس المقبل    غدًا.. البرلمان يناقش تعديل بعض أحكام قانون تنظيم شئون أعضاء المهن الطبية    وزارة الصحة تعلن المستشفيات المخصصة للكشف الطبي للمرشحين لانتخابات مجلس الشيوخ    رسائل مهمة من السيسي لرئيس مجلس النواب الليبي    محمود الطحاوى: يوم عاشوراء من النفحات العظيمة وصيامه يكفر ذنوب السنة الماضية    الجار قبل الدار    جهاز المشروعات يتعاون مع الوكالة الفرنسية للتنمية لدعم مشروعات المرأة المصرية    اليوم.. نظر محاكمة 37 متهما بخلية التجمع الإرهابية    الصين: الحرب لن تحل مشكلة البرنامج النووي الإيراني    أسعار البيض والفراخ اليوم السبت 5 يوليو 2025 في أسواق الأقصر    وائل القباني: جون إدوارد يتبع سياسة خاطئة في الزمالك.. وهو سبب رحيلي    بعد مكاسب تتجاوز 60 دولار.. ننشر اسعار الذهب في بداية اليوم السبت 5 يوليو    «إيه كمية التطبيل ده!».. رسائل نارية من أحمد حسن بسبب مدحت شلبي    بالمر يقود هجوم تشيلسي الرسمي لموقعة بالميراس في ربع نهائي مونديال الأندية    4 أبراج «أثرهم بيفضل باقي»: متفردون قليلون الكلام ولا يرضون بالواقع كما هو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عصام زكريا يكتب : التحليل النفسى لمراهقى الإخوان ودراويش السيسى!
نشر في الفجر يوم 13 - 01 - 2014


مصر على «شيزلونج» الدكتور مصطفى صفوان:

■ انتقال المصريين من مرحلة «العشيرة» إلى الأسرة الطبيعية وراء انتشار العنف ■ نحن شعوب تخرج من الديكتاتورية لتسارع بالعودة إليها ولا مخرج سوى نهضة اقتصادية وثقافية شاملة

تحدث مع أى شخص فى الشارع عن حالة مصر وسوف تتوصلان إلى أن البلد يحتاج إلى علاج. قد تختلفان فى التشخيص وفى نوع الدواء لكن الأكيد أنكما ستتفقان على أن «المريضة» بحاجة إلى طبيب فاهم.

قد تتحدثان عن الاقتصاد والمرور والتعليم والتربية والأخلاق والإخوان وغيرها، ولكن من المستبعد أن تتطرقا إلى المشكلة الأساسية التى يعانى منها المصريون، وفقا لتحليل واحد من أهم علماء النفس السياسى فى العالم، وهو الدكتور مصطفى صفوان، المصرى المقيم فى فرنسا منذ ستين عاما.

المشكلة الأساسية تنحصر- حسب الدكتور صفوان- فى العقد والمركبات النفسية التى تحكم المصريين نتيجة تعرضهم لقرون وعقود طويلة من الفقر والقهر والاستبداد والجهل، وهى مشاكل تؤدى فى المدى البعيد إلى ظهور مجتمع غير سوى يحتاج إلى فترة علاج مكثفة فى المصحة الكونية للطب النفسى الشعبى!

فى ساحق السنين والأزمان كان الناس ينظرون إلى المريض النفسى باعتباره مجنونا أو «ملبوسا» أو «معمول له عمل»، ومع بزوغ عصر العلم أصبح للنفس علم وللمخ والأعصاب علم، وبات الكثيرون يدركون أن النفس والعقل يعتلان ويتعبان مثل البدن.

وحتى عقود مضت كان الناس يحسبون أن المجتمعات والشعوب لها صفات ثابتة خالدة، وكل أمة تعتقد أنها خير ما أخرجت للناس وأنها الوحيدة التى تملك الحق الذى لا يأتيه البطلان، ثم ظهر علم النفس الاجتماعى واكتشف الناس أن للجموع سيكولوجية تشبه النفس الفردية قد تصاب فى فترة من حياتها بالوهن أو الاكتئاب أو جنون العظمة أو الهستيريا الجماعية.

فى كتاب «إشكاليات المجتمع العربى» يبين الدكتور صفوان كيف أن البنية العائلية للمجتمع تؤثر فى سلوك مواطنيه فرادى أو جماعات. لقد ظل المجتمع العربى أسيرا لنمط القبيلة، العشيرة، العائلة، الجماعة المغلقة، لقرون طويلة، ولم يعرف نمط الأسرة الثلاثية (الأب، الأم، الأبناء) التى يطلق عليها الثلاثية الأوديبية نسبة إلى تحليلات فرويد عن العلاقات والتركيبات النفسية التى تنتج عن شكل وبنية هذه الأسرة. هذه الأسرة الثلاثية التى سادت فى أوروبا منذ القرن الثامن عشر لم يعرفها العالم العربى إلا حديثا. وهنا يلاحظ الدكتور صفوان أن «الانتقال من الانتماء القبلى كوحدة متكاملة للمجتمع إلى الثلاثية الأوديبية قد يولِّد عنفا هائلا لا حيلة لنا أمامه».

ما معنى هذا الكلام؟ معناه أن أفراد هذا المجتمع، الذين يشعرون بالقلق نتيجة افتقاد الوحدة والخوف من الاختلافات وتعدد الآراء والمذاهب والعقائد، يسعون إلى حل القلق بمحاولة القضاء على أى اختلاف ويتبنون بشكل مرضى فكرة الحقيقة الواحدة الوحيدة التى لا تقبل الشك أو الرأى، وكلما زاد قلقهم زاد عنفهم فى مواجهة هذا الاختلاف. من ناحية ثانية فإن هزيمة أو ضعف الأب الواقعى، فى البيت أو الجماعة أو العشيرة، يضاعف من قلقهم ورعبهم ويجعلهم فى حالة استماتة من أجل عودته بشحمه ولحمه أو بديل أكثر قوة واستبدادا منه. لاحظ خطاب وسلوكيات شباب الإخوان ومجاذيب مبارك. «كلما خفت فعالية الزعامة ازدادت الحاجة إليها أكثر» كما يقول الدكتور صفوان. ومن ناحية ثالثة فإن ضعف دور الأب فى الأسرة الواقعية يدفع الأبناء، الشباب الأصغر سنا، إلى استبدال صورته بأب آخر رمزى أكثر مثالية. إنهم يريدون أن يحل أب، أو رب الدولة محل أب الأسرة أو زعيم القبيلة، أى أنه كلما ضعف مركز الأب فى الأسرة الخاصة زاد الطلب عليه اجتماعيا!

واحد من أهم الكتب التى قام بترجمتها منذ عشرات السنين ولم يهتم بها أحد كتاب «مقال فى العبودية المختارة» للفرنسى إتيان دى لابوسيه، المكتوب فى القرن السادس عشر(!)، الذى يضم مجموعة من التأملات النافذة فى الأسباب التى تجعل الشعوب والأمم تقبل بالطغيان والاستبداد من قبل فرد واحد.

إنها الفكرة نفسها التى يعود إليها الدكتور مصطفى صفوان فى معظم مؤلفاته ومحاضراته، معرياً، طبقة وراء طبقة، هذه العقد المتشابكة الكثيفة التى تدفع الناس دفعا إلى التخلى عن حريتهم وكرامتهم من أجل وهم «الوحدة» والتخلص الظاهرى من الاختلاف والتعددية والتناقض الداخلى.

يتساءل لابوسيه: لماذا الخوف من الطاغية ومن أين يستمد سلطته عليك؟ ويجيب بأن الطاغية يستند إلى القوة التى يمنحها له المواطن، فقوته تأتى من الشعب وسلطته من التكليف الشعبى، فإذا أصبح ظالما وطاغيا واستلب مواردك فلأنك قد منحته هذا الحق».

فى «إشكاليات المجتمع العربى» يقول: «طالما أننا مأخوذون بالأب المثالى وبفكرة الوحدة فى كل شىء، لن نخرج من الديكتاتورية. وهزيمة الأب تعنى أننا سنطالب بديكتاتور آخر. هذا الوضع يؤدى إلى طريق مسدود أمام العرب».

«عندما يفشل الحاكم العربى يتم إرجاع فشله فى الأداء السياسى إلى إرادة الله. هذه العادة السيئة أخذها العرب من اليهود. فهؤلاء كلما ألمت بهم مصيبة يقولون بأنها من عند الله».

بنفاذ بصيرة مذهلة يبين الدكتور صفوان فى مقاله «الأسئلة المنسية فى فلسفتنا السياسية» أن التخلف العلمى والاقتصادى فى العالم العربى خلق فريقين متناقضين: «قسم يسير نحو الماضى المنتظر حتى لتراه يخطط من أجل تكوين الجماعة التى سوف تعيد فتح العالمين.. وقسم يتحمس لحقوق الإنسان دون أن يتساءل، ولو على سبيل الفرض، إذا لم يكن الإلحاح على المطالبة بالحقوق إنما يستر نسيان الإنسان واجباته، فعلام التذكير بحقوقنا فى ألا يقتلنا أو يعذبنا أحد إذا كنا لا نذكر واجبنا فى ألا نقتل أو نعذب أحدا؟»

وفى مقال آخر يكتب بانفعال وبساطة أكثر: «لقد صرنا شعوباً تهلل لكل من دارت برأسه، سواء كان فردا أم جماعة، أنه وحده مُصلحها، شعوبا تجرى جيلا بعد جيل وراء المهدى المنتظر دون أن تعرف بعد الخيبة إلا الخيبة».

قبل ثورة يناير كان يرى الدكتور صفوان أن مشكلة العالم العربى هى أنه لم تحدث به ثورة كبيرة مثل التى حدثت فى فرنسا، كما يقول فى أحد حواراته. ولكن ماذا بعد «الربيع العربى»؟

مرة أخرى، وبنفاذ بصيرة المحلل النفسى العالم ببواطن النفس البشرية، كان الدكتور صفوان من أوائل المتشككين المحذرين من انحراف هذه الثورة وانقلابها إلى الطريق العكسى لمسارها، وفقا لما جاء على لسانه فى حوار حديث له:

«المهمة الملحة، ليست فى إسقاط الحكام، ذلك أن بناء الانسان والمستقبل وصناعة التغيير بحاجة إلى ما هو أبعد من التغيير السياسى أو الغرق فى عبارات من مثل: «الشعب يريد».. تغيير الحكام من دون مشروع نهضة اقتصادية ثقافية يبقى ضمن التغيير ال«خارجى»، وتبقى معه المكبوتات الوجه الآخر للقهر السياسى والاجتماعى والثقافى».

ولكن كيف يمكن الخروج من دائرة الحاكم الأب مرة وإلى الأبد والوصول إلى مرفأ الديمقراطية الحقيقية التى تشمل النهضتين الاقتصادية والثقافية؟

الحل هو «الكلام» كما يقول الدكتور صفوان، الذى يشرح بالتفصيل فى واحد من أهم كتبه وهو «الكلام أو الموت» كيف أن العلاج النفسى التحليلى يتعلق بالكلام الذى تتكشف من خلاله حقائق اللاوعى أو «المكبوت»، وأن بقاء هذا المكبوت فى حالة الكبت أو الصمت هو الذى يؤدى لأعراض العصاب والذهان والعنف تجاه الآخرين والذات نفسها.

إن شعباً غير قادر على الكلام والتعبير والتفاوض والتصالح مع تناقضاته وخلافاته وتعدد الآراء والرؤى فى داخله لا يمكن أن ينتهى مصيره سوى إلى الحرب الأهلية والعنف المدمر.

هذا هو المذهب الوحيد الذى يعترف الدكتور مصطفى صفوان باعتناقه ورؤيته لمصير الجنس البشرى الذى ينفرد من بين كل الكائنات الحية، باستثناء الذئاب ربما، بأن الخطر على وجوده لا يأتى من خارجه، ولكن من حماقته وجنونه هو نفسه!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.