■ إذا كان البرادعى قرر عدم مساندة الثورة فقد كان أولى به ألا يحول استقالته لطعنها ■ الوطن مش شركة نستقيل منها لو تعثرت أو أفلست أو دب فيها الخلاف والانقسام
■ ركز البرادعى على حالة الانقسام الوطنى وتجاهل أن استقالته تقسم الصف الثورى
1-الوطن مش شركة يادكتور
فى استقالته يتحدث البرادعى أو بالأحرى يلقى علينا محاضرة عن حلمه بالتوافق الوطنى، لكنه يتجاهل أنه باستقالته المنفردة يشق التوافق الثورى. وفى نفس الاستقالة يقول البرادعى أنه لايستطيع تحمل مسئولية إراقة نقطة دم واحدة. فهل استقالته البرادعى ستوقف حمام الدم الذى يصر الإخوان على أراقته فى كل ربوع مصر. أم أن اختفاء البرادعى من المشهد سيعيد التوافق الوطنى ويقلل حالة الاستقطاب.
فاذا كان البرادعى قد نجح فى تصوير حال الوطن فى هذه اللحظة فقد فشل فى فهم أو تصور الدور الذى يجب أن يلعبه رجل مثله فى هذه اللحظة، فاذا زادت المحن على الوطن فالحل بالتأكيد ليس فى الهروب من الوطن. وحجز تذكرة سفر إلى فرنسا. مع الحرص على استقالة مكتوبة ومسببة. وكأن الوطن مجرد مصلحة حكومية أو شركة خاصة، وكأن المواطن البرادعى فضلا عن المعارض ورجل الدولة ممكن أن يستقيل من الوطن المتأزم المتقسم الدامى بنفس سهولة استقالة الموظف من شركة تعانى من التعثر أو أوشكت على الإفلاس. وإن دب الخلاف فيها، وتكاثرت المؤامرات عليها فيبدو الحل الوحيد هو تقديم استقالة من مجلس إدارة الشركة.
الوطن ليس مجرد فيللا يمكن هجرها لو تم سرقتها وتخربيها أو «ضربت» ماسورة فيها يصبح الحل الوحيد هو إغلاق الفيللا والبحث عن فندق بديل.
الوطن والوطنية مسئولية. وعلاقة المواطن بوطنه علاقة خاصة جدا. فكلما زادت هموم الوطن زادت مسئولية المواطن عن إنقاذ الوطن. وكلما تكاثرت المؤامرات على الوطن تضاعف جهد المواطن للتصدى لهذه المؤمرات. وحين يصاب جسد الوطن بالانقسامات والاستقطابات تزيد مسئولية المواطن فى رأب صدع الانقسامات وإنهاء الاستقطابات
2-ضمير البرادعى
قد اتفهم أن ضمير البرادعى أتعبه وعذبه مع سقوط ضحايا. قد يبدو للبعض أن فض الاعتصام قد تم بأقل قدر من الخسائر البشرية، وهذا صحيح، ولكننى أشارك البرادعى أن كل قطرة دم مصرية تسقط على ارض المعركة، تتحول إلى سكين تطعن الضمير. وصخرة تجثم على القلب والروح معا. فالدم المصرى غال ولو كان دم إخوان أو ثوار. الدم المصرى غالى ونفيس ولو كان الدم شرطة أو أهالى.
لكننى اختلف مع الدكتور البرادعى مع تجاهله للضمير الأهم والإشرف والاعلى والاولى بالاتباع والرعاية والولاء، وأقصد الضمير الوطنى، ولا اتهم البرادعى بالخيانة وأرفض كل محاولة فى هذا الاتجاه. ولكن الطريق إلى جنهم مفروش بالنوايا الحسنة. فحين يتقدم الدكتور البرادعى باستقالته فى لحظة يتعرض فيها الوطن لهذا الكم من الضغوط والمؤامرات الدولية فهو يعرض الضمير الوطنى للخطر، ويشارك بدون قصد فى حفلة الضغوط والمؤامرات الدولية على مصر. أدرك أن صوت ضمير البرادعى قد أزعجه وأتعبه، ولكن لا صوت يعلو فوق صوت الضمير الوطنى. فقضية الضمير ليست قضية مطلقة أو فلسفية. وليس كل دم سال هو دم مهدر. فحين يرسل الوطن بخيرة أبنائه إلى الحرب دفاعا عن سيادة الوطن وأرضه. وحين تسيل الدماء الوطنية الزكية النبيلة فداء لهذا الوطن، فإن الضمير الوطنى لا يساوى بين دماء أبناء الوطن ودماء الأعداء فضلا، عن أنه لا يعتبر هذه الدماء دماء مهدرة. ولكنها دماء حفظت السيادة الوطنية. قد يتشح الوطن بالسواد حزنا على دماء أبنائه. ولكنه يدرك أن هذه الدماء هى ثمن تحرير الوطن، واستعادة إرادته. وبهذا المعنى الوطنى ضحى شباب الثورة بدمائهم ثمنا لتحرير الإرادة الوطنية من قبضة نظام الإخوان الاستبدادى، وقبلها من قبضة نظام مبارك. فالضمير الإنسانى يتألم ويتعذب للدماء والضحايا، ولكن الضمير الوطنى يدرك أن شجرة الحرية والكرامة والعزة لم تثمر وطنا حرا إلا بهذة الدماء.
فقد كان أولى بالدكتور البرادعى إعلاء قيمة الضمير الوطنى والانصياع إلى صوت هذا الضمير. ولو استمع إليه جيدا لأدرك أن استقالته فى هذا التوقيت العصيب هى طعنة فى قلب الوطن، وليس وفاءً لهذا الوطن، فالوفاء ليس مجرد كلمات نصوغها، وعبارات نكتبها فى استقالات. ولكن الوفاء للوطن أن تساند وطنك ظالما كان أم مظلوما ضد العدو الخارجى، وألا تبادر بكشف أخطاء أبناء وطنك حتى لو وقعت هذه الأخطاء. فحتى لو كان البرادعى يؤمن بأن مد المهلة للإخوان قد يثمر وحتى لو كان البرادعى صدق هذه المقولة، فلا هذا ولا ذلك يعفيه من أن استقالته اكسبت الأعداء أرضية للتدخل فى الشأن المصرى، وجاءت خصما من رصيد الوطن فى حربه ضد المؤامرات والضغوط الأجنبية.
3-الرهان الخاسر
وكأن الدكتور البرادعى يلعب دور الحكم فى مباراة، وعندما يكتشف الحكم أن المباراة لم تسر طبقا للمعايير الدولية والأعراف، فهو لا يملك الا إطلاق صفارة انتهاء المباراة ومغادرة الملعب.
لم تكن استقالة البرادعى هروبا من المسئولية فقط، ولكنها كانت هروبا من الاختيار. ومن الانحياز لطرف دون آخر. فالبرادعى فى استقالته يبدو أقرب للخبير الدولى من الثورى أو السياسى، فالثورى يختار طريقة ويكمله، الثورى الحق يدرك أن المنطقة الرمادية هى منطقة الموت بالنسبة له. البرادعى الآن يقف فى المنطقة الرمادية.
لقد خلع الدكتور البرادعى عباءة الثورى، وارتدى ثوب الخبير أو الأكاديمى. يحذر البرادعى من حالة الاستقطاب. كتّر خيرك يادكتور، لكن الدكتور البرادعى لم يحذر نفسه من حالة التخاذل.
يؤكد لنا الدكتور البرادعى أن العنف يولد العنف. ولكنه لم يسأل نفسه وماذا يولد الهروب من ميدان المعركة؟
يادكتور البرادعى كنا فى غنى عن محاضراتك وجملك وكلماتك
يا دكتور البرادعى لم نكن نحتاج منك سوى صمودك معنا فى معركتنا التى كتب علينا أن نخوضها، لم نسع إلى العنف، ولم تولد حالة الاستقطاب من رحم ثورة 25 يناير ولا فى 30 يناير
لقد كتب علينا خوض معركة لتحرير إرادة شعب وإنقاذ مستقبل وطن، فاذا قررت الانسحاب من المعركة، فليس أقل من أن تؤجل قرار انسحابك.
إذا قررت عدم مساعدتنا فى المعركة فلا تكن سيفا يطعنا فى وسط المعركة.
ابتعد عنا بخيرك وشرك، بصمت يليق بكل الثقة التى أولاها لك الملايين من شباب مصر. لا تهرول خارجا من ساحة المعركة فقد تكسر بهذه الهرولة أيقونة الثورة التى كنتها يوما ما