حظيت حملة سعودية تطالب برفع معدل الرواتب في المملكة باهتمام غير مسبوق، وامتدت من مواقع التواصل الاجتماعي إلى وسائل الإعلام والصحف السعودية، التي تناولت الحملة بكثير من التفصيل، فيما تعاطف عدد من أبرز كتاب الرأي مع تلك المطالب. الرياض: بدأ الأمر ب"هاشتاغ" على موقع "تويتر" للتواصل الاجتماعي، حمل عنوان "الراتب ما يكفي الحاجة"، وسرعان ما جذب ذلك اهتمام الملايين من السعوديين، الذين انضموا إلى الحملة بشكل أو بآخر، وطالبوا بضرورة رفع الرواتب في ظل تراجع القيمة الشرائية للريال.
وشهد "الهاشتاغ" نشاطًا غير مسبوق وأرقامًا قياسية، حيث نُشرت ملايين التغريدات عبره، وأظهرت إحصاءات موقع "تويتر" أنه بدأ ينافس لتحقيق لقب أشهر "هاشتاغ" متداول على مستوى العالم.
ويبلغ متوسط عدد التغريدات عبر "الهاشتاغ" مليون و214 ألف تغريدة يوميًا، بواقع خمسين ألف وستمائة تغريدة في الساعة، ولعل ما لفت الانتباه هو مشاركة عدد كبير من النخب والمشاهير السعوديين في الحملة، ونشر بعضهم صورًا وتغريدات وأشعارًا تؤيد وتدعم الحملة.
وطبقًا لتقارير رسمية أخيرة أصدرتها المصلحة العامة للإحصاءات والمعلومات، يتوزع 86% من دخل الأسرة، الذي يبلغ 1500 ريال (400 دولار) فما دون، على السكن والملبس والغذاء، في حين تصل النسبة إلى 20% من الدخل بالنسبة إلى الأسرة التي تنفق 25 ألف ريال (6665 دولارًا) شهريًا فأكثر.
وكشفت دراسة أجرتها وحدة التقارير الاقتصادية في صحيفة "الاقتصادية" أن القوة الشرائية للعملة المحلية سجلت تراجعًاً بنسبة كبيرة اقتربت من النصف منذ عام 1989 حتى نهاية شهر مايو/أيار الماضي، وتحديدًا بنسبة 43%، أي إن الريال (26 سنتًا) في عام 1989 يساوي الآن 57 هللة (قرابة 15 سنتًا)، علماً بأن الريال يساوي مائة هللة.
وقد تراجعت القوة الشرائية للريال خلال الفترة الممتدة منذ عام 2000 حتى نهاية شهر مايو/أيار 2013 بنسبة 35.3%، أي إن الريال في عام 2000 يساوي حاليًا وبنهاية شهر مايو/أيار الماضي 65 هللة (17 سنتاً).
وفي الوقت الذي تتصاعد الحملة جاذبة مئات الآلاف من السعوديين، انضم عدد من كتاب الرأي إلى الحملة من خلال مقالات نشرتها أبرز الصحف السعودية، إذ كتبت منى المالكي في صحيفة "عكاظ" أن الهاشتاغ، الذي طالب فيه السعوديون والسعوديات برفع الرواتب لسد الحاجات الأساسية الحياتية، تعبير حضاري وحديث، بعدما أصبح الراتب ينتهي قبل أن يصل إلى يد الموظف.
وأضافت: "في هذه المناشدة دلالات عدة، أهمها والواضح منها أن هناك ارتفاعًا جنونيًا في أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية وإيجارات المنازل والخدمات الصحية الخاصة، لأن المستشفيات الحكومية لا تستطيع الدخول إليها إلا بشق الأنفس والرد الجاهز دائما عدم وجود سرير".
وتابعت: "الدلالة الثانية هي تلك الحجة الدائمة أن ارتفاع الرواتب يقابله ارتفاع في الأسعار، وكأن تجارنا وحوش متربصة دائمًا بنا، وإذا افترضنا ذلك، فأين دور وزارة التجارة والجمعية الغائبة دائمًا "حماية المستهلك"، لتتساءل لماذا لم تنفذ لدينا إلى الآن فكرة الجمعيات التعاونية التي تملكها الدولة بهامش ربحي بسيط، فهي جزء من الحل لإسكات تلك الحجة، فكيف يحصل هذا في بلد نعلم جيدا أن ملكه وقائد مسيرته همه الأول المواطن".
وأكملت: "الدلالة الثالثة كيف هي أحلام وآمال شبابنا وبناتنا، وهم في أول خطواتهم عندما يقفون عاجزين عن تحقيقها، وهؤلاء أكثرهم وأكثرهن في القطاع الخاص، ذلك القطاع الذي يأخذ أكثر بكثير مما يعطي، ورواتبه متدنية، هؤلاء الشباب يشكلون أكثر من نصف عدد سكان بلادنا، فكيف يحدث هذا في بلد نعلم جيدًا أن ملكه وقائد مسيرته همه الأول المواطن".
أما أمجد المنيف فقدم في مقاله في صحيفة "الوطن" مقترحات قال إنها قد تساعد على حل الأزمة، من بينها القضاء على أزمة السكن المؤرقة، وتحرك "وزارة السكن" في الواقع، بدلًا من حركتها (المزعجة) في الإعلام.
كما اقترح الكاتب تنظيم سوق العقار، وتحديدًا في ما يتعلق بآلية "الإيجار" وأسعارها، وسنّ نظام يقضي على مزاجية "الهوامير"، والتعامل مع البنوك "الجشعة" بنظام صارم، وخاصة في ما يتعلق بنسب الفوائد المبالغ بها، والتي تستغل حاجة المستهلك البسيط.
ودعا إلى فرض رقابة جادة على الأسعار، من قبل "وزارة التجارة"، ومنحها أولوية قصوى تتجاوز حضور قضية "العلك.. والنص"، وإعادة النظر في مشروع "ساهر" وآليته، وتحديد الرقم (الدقيق) لنسبة الانخفاض في عدد الضحايا البشرية من الحوادث المرورية، ومقارنتها بأرقام المخالفات المرورية الفلكية.
وطالب كذلك بمراجعة نظام التقاعد، والتأكد من أن الأرقام المعمول بها تضمن حياة كريمة، لمواطن خدم البلد لعقود عديدة، والتعاطي الجاد مع ملف "التأمين الصحي"، علمًا بأن تكلفته تقارب ال19 مليارًا لكل المواطنين، مقارنة مع ميزانية "الصحة" التي تتجاوز الرقم بأضعاف عدة، بحسب عضو شورى خبير في التأمين.
ورأت بدرية البشر في مقالها في صحيفة "الحياة" أن الشكوى المستمرة من مواطنين ومواطنات بأن رواتبهم لا تكفي هي شكوى يختلط فيها سوء التقدير مع تضخم اقتصادي مفرط. تختلط فيه شكوى سيدة بأنها لم تستطع أن تدفع راتب عاملة منزلية، وشكوى رجل من أقساط سيارة جديدة بجانب رواتب تقل عن 500 دولار.
وأضافت: "من يسمعنا نخلط بين شكوى الفقر وسوء التقدير يعجب، هل نحن مجتمع خليجي مرفّه؟، أم إننا نعيش بنية مختلة تجعل العاملة المنزلية ضرورة والسيارة ضرورة، وكذلك الوجبات الدسمة وسكنى الفلل ضرورة؟، أم إننا نحاكي الآخرين فقط؟".
وتابعت: "صحيح أن لنا شكاوى اقتصادية لا شبيه لها، مثل شكوى عدم تمكننا من دفع راتب سائق، لأن النساء لا يستطعن الذهاب إلى أعمالهن ومدارسهن من دون سائق، لأنهن لا يجدن نقلًا عامًا، ولا يستطعن إيصال أنفسهن بقيادة سيارة أو الركوب مع نساء أخريات، لكن هذا النوع من الشكاوى المعقدة لا يعني أن التضخم اقتصادي لن يهدد بتوسّع الفقر ودخول شرائح جديدة في عداد الفقراء".
وأكملت: "الوزارات والمؤسسات الحكومية لا تزال في حاجة إلى عاملين، لكنها صارت تتعاون مع شركات من خارج المؤسسة في توظيفهم من أجل خفض الكلفة، فتقوم هذه الشركات بتأمين موظفين سعوديين برواتب متدنية من دون بدلات ولا ضمانات، ومن دون إجازات مدفوعة، ومن دون تأمين صحي أو تقاعدي. وبدلًًا من أن يعمل هؤلاء في الوزارة أو المؤسسات بشكل مباشر فإنها تتخلص منهم بطريقة غير مباشرة، بطريقة هي أقرب للسخرة، فتشتري جهدهم بأقل الأسعار من دون ضمانات مهنية".
وذكرت أن "الحكومة تمتلك كثيرًا من الحلول، قروض الإسكان أولها، وتأمين وسائل النقل العام، لكن ضبط الأسعار هو طرفها الآخر الأكثر إلحاحًا، ولن يكون هذا بتوجيه دعوة إلى التجار لمخافة الله وتركهم للنوايا الحسنة، هناك حلول تجارية سبقتنا إليها كل المجتمعات الخليجية، اسمها التعاونيات التجارية، وهي متاجر تقوم على مساهمة الناس فيها، كي يكونوا هم حراس معاشهم اليومي على الأقل، التعاونيات هي التي ستوفر سلعاً منضبطة الأسعار".