اشد جرائم القتل فتكا وجسامة هي القتل المعنوي حيث تُغتال الشخصية الإجتماعية والعلمية للإنسان أو يغتال حق الوطن في أن يرث الماء صفوا وإن يكدر ورثة كما قال شاعر النيل حافظ إبراهيم. وقد تشابكت أيادي قوي الظلام الداخلية والخارجية لأغتيال الجنزوري والوطن معا معنويا وتشويه صورتهما. فبالنسبة للجنزوري أنهالت قوي الظلام الداخلية في النيل في كل ما يقوله أو يقترحه أو يعرضه من مشروعات وطنية وتعددت السهام الموجه إليه من إنه من الفلول وإنه رئيس وزراء مؤقت وأن مهمته يجب أن تكون تسيير أعمال ليس إلا طبقا للفترة الأنتقالية التى يشغلها بل زادوا على ذلك بقولهم بأن دوره أنتهي بعد أنتخاب مجلس الشعب ويجب تشكيل حكومة جديدة وأن المشاريع التى يقترحها هي مشاريع أستراتيجية لا يجب أن يستأثر هو وحده بطرحها. وهذه السهام رغم تعددها لن تنال منه فمع كثرتها وبصرف النظر عن صحتها من عدمه فبادئ ذي بدء فإن الجنزوري شخصية يحترمها أغلب المصريين ويشهدوا له بالنزاهة وبطهارة اليد كما أن للجنزوري شخصيتين الأولي كونه رئيسا للوزراء والثانية خاصة وهي كونه مواطن مصري فإذا كانت شخصيته العامة تحول بينه وبين ما يراه ويعرضه ويقوله من مشاريع وطنية فإن شخصيته الخاصة وهي كونه مصري توجب عليه أن يساهم بعلمه وبخبرته وبمقترحاته في التقدم بالحلول اللازمة للنهوض بالوطن هذا إذا أفترضنا صحة السهام الموجه إليه وهي غير صحيحة على إطلاقها لأن كونه وزير لفترة أنتقالية لا تحول بينه وبين أن يعمل للفترة الأنتقالية كأنه سيرحل غدا ويحل بمقدار الأمكانيات المتوفرة لديه المشاكل التى تقابله وأن يعمل للوطن كأنه سيكون رئيسا للوزراء للأبد فيقترح المشاريع الاستراتيجية وبين هذا وذاك تكون الحلول التكنيكية للمرحلة الراهنة والحلول الأستراتيجية للمرحلة المقبلة وبذلك تعود السهام إلي مصدرها ويسلم الجنزوري لنفسه ولوطنه من كل أذي ولنا أن نتساءل ماذا قدم هؤلاء من مشاريع وحلول استراتيجية مثلما قدم الجنزوري هذا من ناحية ومن ناحية أخري فما الضرر في أن يضع الجنزوري خبرته التى ألمَّ بها طوال فترة رئاسته لوزارة التخطيط في معرفة الداء ووصف الدواء ومن ينكر عليه ذلك هو في أقل تقدير غائب عن الوعي ولا يقصد من سهامه سوي الأضرار بالوطن. ومن حيث أغتيال الوطن معنويا فهو واضح وليس في حاجة إلي مزيد من الإيضاح لأن تكاتف الدول الأوروبية وأمريكا مع الدول الخليجية والسعودية عن مد يد العون لمصر من ناحية المساعدات هذا الأمر مقصود منه عدم إنجاح الثورة وعدم النهوض بالدولة المصرية التى فاقت من كبوتها. وأصبح تطلع مصر للأمام يخشي منه على مصالح الدول الأوروبية والأمريكية والخليجية والسعودية لأن مصر كانت وستظل هي قلعة للأمن والأمان والأقتصاد ويكفي قول الله تعالي في سورة يوسف عليه السلام " قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ " ولم يقل على خزائن مصر لأن مصر كانت سلة الغلال للعالم بأثره ولن نذهب بعيد واسألوا السعودية عن التكية المصرية وعن كسوة الكعبة حتى عام 1959 واسألوا دول الخليج وأمرائها الذين كانوا يحترفون الصيد فقط والكبير منهم كان قاطع طريق بل واسألوا أمير قطر الحالي كيف وصل إلي الإمارة واسألوا السعودية نفسها كيف أصبح أسمها السعودية أن مثل هذه الأمور هي التى تسيطر على ولاة الأمر في الدول الأوروبية والأمريكية الخليجية والسعودية فإذا كانت للدول الأوروبية والأمريكية اعذار فإن اشقائنا في الخليج والسعودية ليس لهما أية أعذار فنحن ظهرا لهم ونحن عمودهم الفقري ويكفي أننا كنا نرسل إليهم المساعدات قبل عام 1959 دونما طلب منهم. واليوم لن تطلب مصر من أحد فهي أكبر من ذلك والله أكبر منهم جميعا وعلى الله وحده قصد السبيل لتعود مصر سلة غلال الأرض كما كانت في عهد سيدنا يوسف عليه السلام كما تعود مهدا للحضارات كما كانت قبل التاريخ بتاريخ وصدق حافظ إبراهيم عندما قال: وقف الخلق ينظرون جميعا كيف أبني قواعد المجد وحدي وبناة الأهرام في سالف الدهر كفون الكلام عند التحدي أنا تاج العلاء في مفرق الشرق ودراته فرائد عقدي انا ان قدر الاله مماتى لاترى الشرق يرفع الراس بعدى ما رمانى رام و راح سليما من قديم عناية الله جندى كم بغت دولة على وجارت ثم زالت وتلك عقبى التعدى فلينتظر المصريون الراغبون في البناء بغدا أفضل وليكف الأخرون الذين لن يجنوا من وراء رغباتهم إلا الحسرات.