نفض التراب عن نفسه، أستيقظ بعد فترة من النوم الطويل، سأل نفسه ماذا حدث؟، لماذا أنا هنا !! فشل فى الحصول على أى إجابة، قرر أن يعود إلى حيث انتهى، ربما يستطيع بعدها أن يفسر ما حدث له، قفز فى أول قطار متجها للقاهرة، وظل طوال رحلته يحاول تذكر ما حدث له، لكنه فشل، فذاكرته كانت مشوشة، لا تستطيع ترتيب الأحداث التى مر بها، يتذكر وجوه أصدقائه، هتافات تنادى باسمه، وصوت عال يتلو آيات القرآن الكريم يتداخل مع صوت بكاء وصراخ، يقطعه صوت طلق نارى يتكرر بشكل مستمر، توقف القطار فجأة فى محطة مصر، فهم بالنزول، ووجد نفسه يتجه بطريقة لا إرادية إلى ميدان المرغنى، ظل واقفاً لساعات ينظر للمارة من حوله، دون أن يفهم سر وجوده فى هذا المكان، فجأة لمح مسيرة عن بعد تتجه إلى قصر الاتحادية، فسار نحوها وانضم إليها دون أن يشعر، ووجد نفسه يهتف معهم «يسقط يسقط حكم المرشد».. التف مجموعة من الشباب حوله، سمعهم وهم يهمسون بسيرة صديق قديم كان يشعل المسيرات بهتافه، رحل عنهم دون سابق إنذار، حاول أن يستفسر منهم ولكنهم لم ينتبهوا له كأنه طيف لا يشعر به أحد، أكمل معهم مسيرتهم، حتى وصلوا لأبواب قصر الاتحادية، ثم تركهم ووجد نفسه يقفز داخل إحدى سيارات المترو، تابع باهتمام حديث الركاب، فشعر بأن هذا الحديث ليس بغريب عليه، وأنه سبق واستمع إليه، ودخل فى مناقشات حادة بسببه، فهو يتذكر جيداً أحداث ثورة يناير، يتذكر ال18 يومًا التى قضاها فى التحرير، مع أصدقائه، يتذكر لحظة تنحى مبارك، أحداث ماسبيرو، مجلس الوزراء، يتذكر مجزرة بورسعيد، ولحظة فوز مرسى بالانتخابات، قراره هو ومجموعة من أصدقائه بمقاطعة الانتخابات الرئاسية، لأنه يرفض أن تكون نهاية الثورة هى الاختيار بين أحد رجال مبارك أو أحد تابعى المرشد!، تذكر خطيبته التى كانت تنتظره لتدخل معه فى شجار لأنه قرر أن يشترى بفلوس الشبكة كاميرا فوتوغرافية يوثق بها أحداث الثورة خوفاً عليها من تزوير الإخوان، هؤلاء الذين أصبحوا يرددون فى كل مكان أنهم صناع ثورة يناير وأنهم سر نجاحها، قرر أن يتجه بسرعة لموعد ليحاول مصالحتها، ذهب لنفس المكان الذى اعتادا أن يجلسا فيه ويتشاركا الأحلام، كانا يدخلان فى مناقشات حادة عن اسم أول مولود، كان يرغب تسميته على اسم والده، بينما تريد هى أن يحمل نفس اسمه، كان يحلمان بانتصار الثورة، ليحكوا لأبنائهما ذكرياتهما فيها وكيف كانت هذه الثورة هى السبب فى علاقة الحب التى جمعت بينهما، توقف عند باب المكان ليجد خطيبته جالسة بمفردها، ترتدى الأسود، اقترب منها وجلس أمامها دون أن تشعر، بدأ يتحدث إليها معتذرا عن تأخره، واصفاً لها الحالة التى يعيشها كأنه من أهل الكهف، فهو يشعر بأنه دخل فى نوم عميق واستيقظ فجأة ليجد كل شىء على حالته، لم تكن تجيبه، ولاحظ أنها تبكى، فحاول أن يمد يديه نحوها لتهدئتها، فقامت على الفور وقررت الانصراف، كأنه لا يجلس أمامها، أعتقد أنها غاضبة منه، بسبب تأخره، ابتسم وهو جالس مكانه، وردد بينه وبين نفسه، أنها ستحدثه كعادتها فى المساء لتطمئن عليه.
قرر أن يتجه لمكان عمله بجريدة الفجر، وعند الباب ألقى السلام على حارس الأمن، لكنه لم يرد، واتجه الى مكانه فى صالة التحرير، ووقعت عيناه على لافتة جعلت قدميه تتسمران مكانهما، فاللافتة مكتوب عليها «قاعة الشهيد الحسينى أبو ضيف» وقتها شعر بنفسه يبكى، وقف بين زملائه، الذين كانوا يحتفلون بعيد ميلاده ويطفئون شمعة التورتة التى تحمل صورته، انحنى معهم ونفخ بقوة فى الشموع وهو يبكى، لم يكن بكاؤه لأنه فارق الحياة، ولكنه بكى لأنها المرة الأولى الذى يحتفل فيها زملاؤه بعيد ميلاده!