نقد لاذع وسخرية وصلت حد التجريح والقذف، وتوجت بتحرير محاضر في أقسام الشرطة، واللجوء إلى ساحة القضاء.. ذلك هو حال العلاقة بين بعض الإعلاميين والقنوات الفضائية من جانب، ومؤسسة الرئاسة المصرية من جانب آخر، وهي علاقة متأزمة يرى خبراء أن "المهنية هي الحل" لتصحيح مسارها.
تلك العلاقة التي خرجت تمامًا عن إطارها الطبيعي المفترض خلال الشهور الماضية، وأصبحت محل رصد من وسائل إعلام أجنبية ومنظمات حقوقية باتت تحذر مما تراها محاولة من الرئاسة المصرية لقمع الحريات، لا سيما منذ التحقيق مع الإعلامي الساخر، باسم يوسف، أمس الأحد؛ بتهمة إهانة الرئيس محمد مرسي.
وراصدين مسؤولية مزدوجة، رأى خبراء، في أحاديث لمراسلة "الأناضول"، أن ثمة تجاوزًا من قبل بعض الإعلاميين وصل حد القذف، وفي الوقت نفسه تتحمل مؤسسة الرئاسة المسؤولية عن تراجع هيبة الدولة؛ نتيجة عدم إدارتها الأزمة كما يجب.
فقد أقامت الرئاسة عدة دعاوى قضائية ضد عدد من الإعلاميين، بينهم محمود سعد، وباسم يوسف، وعدد من الصحف الخاصة، منها "الوطن" و"التحرير"، ووفقا للمتحدث السابق باسم الرئاسة، ياسر علي، في مؤتمر صحفي نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، تم رفع هذه الدعاوى؛ ردا على "نشر معلومات مغلوطة عن الرئيس"، حيث شدد حينها على أن "مؤسسة الرئاسة ستتصدى لكل من يخالف القانون ويتعدى بألفاظ سب وقذف يعاقب عليها القانون".
ورغم إقرار مدير الشبكة العربية لحقوق الإنسان (منظمة حقوقية مصرية)، جمال عيد، ب"وجود تجاوز من بعض وسائل الإعلام"، إلا أنه رأى أن "المشكلة الأكبر تكمن في تعامل مؤسسة الرئاسة مع التجاوز مباشرة، دون معالجة الأسباب التي أدت إليه".
"عيد" أوضح، في تصريح ل"الأناضول"، أن "الدولة تتحمل المسؤولية الأكبر؛ لعدم اتخاذها الخطوات اللازمة لإصلاح منظومة الإعلام، لاسيما وأنها تسيطر علي الإعلام الحكومي، الذي لا يقل عن 40% من مساحة الإعلام المصري".
أما الحل، فبحسب اعتقاده، تمثل في "أن تسعى الدولة إلى تقديم النموذج الإعلام المهني، ما سيجبر الإعلام الخاص والديني على إصلاح المنظومة بالكامل.. وعلى الدولة أن تعي أن حرية التعبير حق تم انتزاعه بالدم خلال ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، ولا يجب القياس بين ما يحدث (من هجوم إعلامي) وأسلوب التعامل (من جانب الإعلام) مع النظام السابق".
ومضى الحقوقي المصري ناصحًا ب"منح المزيد من الحرية، وتقديم القدوة في التعامل من قبل مؤسسة الرئاسة، وفي الوقت نفسه للرئاسة حق الرد وإجبار وسائل الإعلام علي الاعتذار في حال الخطأ، ثم اللجوء إلي القضاء المدني، وعليها كذلك عدم الكيل بمكيالين، حيث تغض الطرف عن الإعلام الديني والرسمي، بينما تهاجم الإعلام الخاص".
أما الكاتب الصحفي والمفكر المصري فهمي هويدي، فعبّر عن رأيه أن "حجم الملاحقة القضائية من قبل مؤسسة الرئاسة ليس بتلك الصورة المفزعة التي يضخمها الإعلام".
وتابع قائلا إن "ثمة بلاغات عديدة قدمتها الحكومة، ومنها رئيس الحكومة (هشام قنديل) وعدد من وزرائه، ضد صحف خاصة، قبل أكثر من شهر، ولم يتم التحقيق فيها".
ومستنكرًا، أضاف أنه "عندما يتم التحقيق مع إعلامي، فإن الجميع يسخرون الأبواق لدعمه، بينما النقد تجاوز حد التجريح ووصل للقذف".
في الوقت ذاته، حمل هويدي مؤسسة الرئاسة جانبًا من المسؤولية، معتبرًا أنها "شجعت علي هذا التطاول جراء بعض الأخطاء التي ارتكبتها، بجانب تراجع هيبة السلطة".
ومن أسباب سوء العلاقة بين بعض الإعلاميين ومؤسسة الرئاسة "وجود خصومات سياسية تدفع للتجرؤ علي الطرف الآخر"، بحسب هويدي، الذي أضاف أن "المعارضة تستخدم المدفعية الثقيلة، والمتمثلة في وسائل الإعلام، لتدمير الطرف الآخر".
ويري أن "الحل يكمن في فرض الحالة الديمقراطية، وبأن تقوم المؤسسات بدورها الحقيقي، بحيث تقوم نقابة الصحفيين بدورها النقابي، لا السياسي، ويقوم المجلس الأعلى للصحافة بدوره في مراقبة الصحف".
ومنتقدًا، قال النائب البرلماني السابق، مصطفي النجار، إن "الرئيس مرسى سك مفردات لفظية وعبارات صادمة غير مسبوقة في تاريخ رؤساء مصر، مثل الحارة المزنوقة، والأصابع التي تلعب في مصر، والقرداتى لما القرد يموت يشتغل إيه".
واعتبر أن الرئيس المصري "لم يفرق بين هيبة المقام الرئاسي وجلاله وبين محاولته التبسط مع من يتحدث معهم؛ ما أوصل هذا التبسط إلى درجة مذهلة من التردي اللفظي، بما لا يليق برئيس مصر ولا بمقام الرئاسة". وختم النجار بأن "تلك العبارات أفقدت الرئيس تأثيره، وأدت إلى تقليص هيبته؛ ما شجع البعض على النقد والتجريح".