جامعة الدلتا التكنولوجية تتألق في النسخة الرابعة من واحة كونكت بمدينة السادات    تراجع أسعار العملات الأجنبية في ختام تعاملات اليوم 6 ديسمبر 2025    بسمة عبدالعزيز: الشباب هم القوة الدافعة للتصنيع والتصدير    الاحتلال يستعد لمناورات عسكرية في جبل الشيخ ومزارع شبعا بلبنان    رئيس وزراء قطر: مفاوضات غزة في مرحلة حرجة.. ووقف إطلاق النار لم يكتمل    التعادل بهدف يحسم الشوط الأول بين بتروجت وبيراميدز    تأجيل محاكمة زوجة بهاء سلطان بتهمة السب والقذف    قرار قضائي ضد مساعدة هالة صدقي في اتهامات بالتهديد والابتزاز    منى زكي تتألق بالأحمر في العرض الخاص لفيلم «الست» | صور    جوائز ب13 مليون جنيه ومشاركة 72 دولة.. تفاصيل اليوم الأول لمسابقة القرآن الكريم| صور    «أسرتي قوتي».. قافلة طبية شاملة بالمجان لخدمة ذوي الإعاقة بالمنوفية    أسلوب حياة    انتهاء فرز الأصوات ب عمومية المحامين لزيادة المعاشات    صور تجمع مصطفى قمر وزوجته فى كليب «مش هاشوفك» قبل طرحه    مصر تجذب 520 ألف سائح أمريكي خلال العام الجاري    ريال بيتيس ضد برشلونة.. هاتريك توريس يمنح البارسا التقدم 4-1 "فيديو"    سرق أسلاك كهرباء المقابر.. السجن 3 سنوات لشاب بقنا    وزير خارجية ايران يدعو اليابان إلى لعب دور محوري في تأمين المنشآت النووية    قطر تبحث مع نيجيريا والبوسنة والهرسك سبل تعزيز علاقات التعاون    تقرير عن ندوة اللجنة الأسقفية للعدالة والسلام حول وثيقة نوسترا إيتاتي    بايرن ميونخ يكتسح شتوتجارت بخماسية.. وجولة مثيرة في الدوري الألماني    الإصلاح مستمر في ماراثون الانتخابات.. وحماية الإرادة الشعبية "أولاً"    مؤسسة أبو العينين عضو التحالف الوطني تحتفل باليوم العالمي لذوي الهمم    الجيش الباكستاني يعلن مقتل 9 مسلحين في عمليتين استخباراتيتين بولاية خيبر باختونخوا    إسرائيل ترد على طلب ترامب بالعفو عن نتنياهو: الديمقراطية فوق كل اعتبار    أصالة تحسم الجدل حول انفصالها عن زوجها فائق حسن    محافظ الأقصر والسفيرة الأمريكية يفتتحان «الركن الأمريكي» بمكتبة مصر العامة    سكرتير عام الجيزة يتابع جهود رفع الإشغالات وكفاءة النظاقة من داخل مركز السيطرة    بيطري الشرقية: استدعاء لجنة من إدارة المحميات الطبيعية بأسوان لاستخراج تماسيح قرية الزوامل    اسكواش – تأهل عسل ويوسف ونور لنهائي بطولة هونج كونج المفتوحة    هيئة الكتاب تهدي 1000 نسخة من إصداراتها لقصر ثقافة العريش دعمًا للثقافة في شمال سيناء    الإعدام لمتهم والمؤبد ل2 آخرين بقضية جبهة النصرة الثانية    نظام «ACI».. آلية متطورة تُسهل التجارة ولا تُطبق على الطرود البريدية أقل من 50 كجم    ضبط عاطل اعتدى على شقيقته بالمرج    هذا هو موعد عرض فيلم الملحد في دور العرض السينمائي    خبير اقتصادى يوضح تأثير انخفاض سعر الدولار عالميا على الدين الخارجي المصرى    الاتصالات: 22 وحدة تقدم خدمات التشخيص عن بُعد بمستشفى الصدر في المنصورة    عمرو عابد يكشف سر عدم تعاونه مع أبطال «أوقات فراغ»    عاجل استشاري أمراض معدية يحذر: لا تستخدم المضادات الحيوية لعلاج الإنفلونزا    الدوري الإنجليزي.. موقف مرموش من تشكيل السيتي أمام سندرلاند    لماذا يزداد جفاف العين في الشتاء؟ ونصائح للتعامل معه    مفتي الجمهورية: التفاف الأُسر حول «دولة التلاوة» يؤكد عدم انعزال القرآن عن حياة المصريين    15 ديسمبر.. آخر موعد للتقدم لمسابقة "فنون ضد العنف" بجامعة بنها    الشرع: إسرائيل قابلت سوريا بعنف شديد وشنت عليها أكثر من ألف غارة ونفذت 400 توغل في أراضيها    فيلم السلم والثعبان.. لعب عيال يحصد 65 مليون جنيه خلال 24 يوم عرض    وزير الصحة يشهد انطلاق المسابقة العالمية للقرآن الكريم في نسختها ال32    الإعلان التشويقى لفيلم "القصص" قبل عرضه فى مهرجان البحر الأحمر السينمائى الدولى    مواقيت الصلاه اليوم السبت 6ديسمبر 2025 فى المنيا..... اعرف صلاتك بدقه    السيسي يوجه بمحاسبة عاجلة تجاه أي انفلات أخلاقي بالمدارس    حارس بتروجت: تتويج بيراميدز بإفريقيا "مفاجأة كبيرة".. ودوري الموسم الحالي "الأقوى" تاريخيا    تحليل فيروسات B وC وHIV لمتعاطي المخدرات بالحقن ضمن خدمات علاج الإدمان المجانية في السويس    وزير الأوقاف يعلن عن أسماء 72 دولة مشاركة في مسابقة القرآن الكريم    اندلاع حريق ضخم يلتهم محتويات مصنع مراتب بقرية العزيزية في البدرشين    فليك يعلن قائمة برشلونة لمباراة ريال بيتيس في الليجا    اسعار المكرونه اليوم السبت 6ديسمبر 2025 فى أسواق ومحال المنيا    الصحة: توقعات بوصول نسبة كبار السن من السكان ل 10.6% بحلول 2050    لاعب بلجيكا السابق: صلاح يتقدم في السن.. وحصلنا على أسهل القرعات    مصر والإمارات على موعد مع الإثارة في كأس العرب 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصة سيدّنا هود عليه السلام
نشر في الفجر يوم 12 - 02 - 2013

وهو هود بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح عليه السلام.
وكان من قبيلة يقال لهم عاد بن عوص بن سام بن نوح.
بعد أن ابتلعت الأرض مياه الطوفان الذي أغرق من كفر بنوح عليه السلام، قام من آمن معه ونجى بعمارة الأرض. فكان كل من على الأرض في ذلك الوقت من المؤمنين. لم يكن بينهم كافر واحد. ومرت سنوات وسنوات. مات الآباء والأبناء وجاء أبناء الأبناء. نسى الناس وصية نوح، وعادت عبادة الأصنام. انحرف الناس عن عبادة الله وحده، وتم الأمر بنفس الخدعة القديمة.
قال أحفاد قوم نوح: لا نريد أن ننسى آبائنا الذين نجاهم الله من الطوفان. وصنعوا للناجين تماثيل ليذكروهم بها، وتطور هذا التعظيم جيلا بعد جيل، فإذا الأمر ينقلب إلى العبادة، وإذا بالتماثيل تتحول بمكر من الشيطان إلى آلهة مع الله. وعادت الأرض تشكو من الظلام مرة ثانية. وأرسل الله سيدنا هودا إلى قومه.
تأمَّلْ في خارطةِ شبهِ الجزيرةِ العربيةِ تَجِد منطقةً صحراويةً واسعةً في الشرقِ، إنّها منطقةُ الرَّبعِ الخالي… منطقةٌ خاليةٌ من كلِّ آثارِ الحياةِ فلا نباتَ ولا مِياه..
ولكنْ هل كانت هذه المنطقةُ صحراءَ قبلَ آلافِ السنين؟ لا كانت في هذه الأرضِ المُوحِشةِ مَناطقُ خِصبَةٌ وخضراء، وقد وجدَ علماءُ الآثارِ أطلالَ مدينةٍ مَطمورةٍ تحتَ الرِّمال.
في هذه المِنطقةِ وفي عُصورِ ما قبلَ التاريخِ عاشَت قبائلُ « عاد » القويةُ، وهي قبائلُ من العربِ البائدةِ.. لم يَذكُرْ عنها التاريخُ شيئاً الاّ ما وَردَ في القرآنِ الكريم.
عاشت قبائلُ عادٍ في تلك المِنطقةِ المُعشِبةِ الخضراء.. وكانت السماءُ تُمطِرُ في المَواسِمِ، فتُخصِبُ الأرضُ وتَمتلئُ السَّواقي والغِدرانُ وتَزدادُ الحقولُ بهجة.
وهكذا امتلأت أرضُهم بالنخيلِ والعِنَبِ والحُقولِ، وتَوسَّعَت بَساتينُهم.
اهتمَّ الناسُ آنَذاكَ بالبناءِ، فكانوا يَتَفنّنونَ في العِمارةِ وبناءِ القُصورِ والقِلاعِ والحُصون.
كانوا أقوياءَ مَغرورينَ.. أبطَرَتهُم النِّعمةُ .. لم يَعودوا يَستَمعونَ لصوتِ العقل..
كانوا وَثَنيّين يَعبُدونَ التَّماثيلَ… يَنحِتونَها بأنفُسِهم ثم يَعبُدونَها!
وهم يَبنونَ مَعابِدَهُم فوقَ التلالِ، ثم يَضَعونَ فيها تِمثالاً ويقولونَ: هذا إلهُ الخِصب، وهذا إلهُ البَحر، وذاك إلهُ البَرّ، وهناكَ إلهُ الحَرب.
لهذا كانوا يَتّجهونَ إلى تلكَ الأصنامِ في كلِّ حاجةٍ تَعرِضُ لهم.
كانت أرضُ الأحقافِ خضراءَ مليئةً بالمَراعي، فكَثُرَت ماشِيَتهُم وأصبَحوا أكثرَ تَرَفاً وبَذَخاً وغُروراً.
تَصَوّروا أنّ كلَّ هذا الخيرَ هو من بَركاتِ الآلهةِ.. لهذا انغَمَسوا في وَثَنيّتهِم أكثَر.
ازدادَ ظُلمُهم لِلأبرياءِ، وازدادَ بَطشُهم بمَن لا يُسايِرُهم في عقائدِهم وحياتِهم.
الناسُ الطَيَّبونَ كانوا يعيشونَ خائفينَ.. كانوا أقليّةً ضعيفةً، وكانت أسبابُ القوّةِ في أيدي الأغنياء.. والأغنياءُ كانوا جميعاً من الأقوياء.. فهُم طوالُ القامةِ، عَضَلاتُهم مَفتولة، وقلوبُهم قاسيةٌ كأنها مَنحوتةٌ من الصَّخر. في ذلكَ الزمنِ وفي تلك البقعةِ من دُنيا اللهِ الواسعةِ.. عاشَ سيّدُنا هُود.
كان إنساناً صالحاً طيِّبَ القلبِ مُحِبّاً للخيرِ.. اللهُ سبحانه اختارَهُ نَبيّاً وبَعَثَهُ رسولاً إلى قومِه.
أعلَنَ سيّدُنا هودٌ دعوتَهُ إلى عبادةِ اللهِ الواحدِ الأحِد، ونَبْذِ الأصنامِ والأوثانِ والآلهةِ، لأنها مُجرَّدُ حجارةٍ لا تَضُرُّ ولا تَنفَع.
كانَ سيّدُنا هودٌ شُجاعاً لم يَخَفْ من الوَثَنيّين.. كانوا أقوياءَ في الجسمِ ولكنّ هوداً كان قويّاً في إرادتهِ وروحِه.. إنّه مع اللهِ واللهُ معه.. واللهُ أقوى من كلِّ شيء.
الناسُ الطيبونَ آمَنوا برسالةِ هودٍ، كانوا قليلينَ جدّاً.
الأقوياءُ والمُترَفُونَ سَخِروا من هودٍ و من رسالتهِ، وقالوا إنّه رجُلٌ سَفيهٌ مَجنون، وراح أهلُ عادٍ يُؤذونَ النبيَّ ويُهدِّدونَه.
استَمرّ سيّدُنا هودٌ في دعوتِه، وكانَ يَعِظُ قَومَهُ دائماً يُذكّرُهم بنعمةِ اللهِ وبركاتهِ، ولكنْ لا فائدة..
كانوا يَتصوّرونَ أنّ الآلهةَ هي التي تَرزُقُهم… هي تُرسِلُ المَطر، و تُنبِتُ العُشبَ، و تُبارِكُ في ماشيتِهم فتَتكاثَرُ و تَزدادُ و تنمو..
لهذا قالوا إنّ هوداً مجنونٌ، وإنّ الآلهةَ قد لَعَنته .. كانوا هم أيضاً يُخوِّفونَ هوداً مِن سُوءِ العواقبِ إذا ما استَمّر في دعوتِه.
قالوا له:
إنّ الآلهةَ ستُعاقِبُك!
سيّدُنا هودٌ كانَ يَتَحدّى جبابرةَ عادٍ، ويَتَحدّى آلهتَهُم أيضاً.
ظلَّ هودٌ مُستمرّاً في رسالتِه، وعَجزَ الجَبابِرةُ عن فعلِ شيءٍ تجاهَ سيّدِنا هود.
أصبحَ أهلُ عادٍ قِسمَين: قسم آمنَ باللهِ واليومِ الآخِر وهم أفرادٌ قلائل جداً.. وقسم كفَروا برسالةِ هودٍ وظَلُّوا على بَغيِهم وفَسادِهم وضَلالِهم.
لم يَعُد هناكَ أملٌ في إصلاحِهم، ظلّوا سادِرينَ في ضلالِهم.
القَحطُ والجَفافُ
جاءَ مَوسِمُ المطرِ… ولكنّ السماءَ لم تُمطِر… كانت الغُيومُ تَمرُّ في سماءِ الأحقافِ وتَرحَلُ بعيداً.. أو كانت تَتَجمّعُ ثمّ تَتَبدَّد..
كانَ أهلُ عادٍ يعيشونَ على المراعي والزراعةِ وما تَهَبهُه البساتينُ من الفاكهة.
مَرّ ذلكَ العامُ دونَ مطر.
نَقَصَت مَحاصيلُهم.. وبعضُ الماشية نَفَقَت بسببِ الجُوعِ، وماتَت بعضُ الأشجار..
أهلُ عادٍ اتّجهوا إلى أوثانِهم يَعبُدونَها ويُقدِّمون لها القَرابين..
ولكنْ دُونَ جَدوى.
حَلَّ المَوسِمُ الآخَرُ.. وتَجَمَّعت الغيومُ.. أهلُ عادٍ فَرِحوا واستَبشروا. كانت الغيومُ سَوداء.. قالَ بعضُهم: إنها مُثقَلَةٌ بالمطرِ الغزيرِ. ولكنّ تلك الغيومَ سُرعانَ ما تَفرَّقت.
ضاعَفوا عددَ القَرابين… ولكنّ الغيومَ كانت تَظهَرُ وتَختَفي، وكانت الرياحُ التي تَهُبُّ تَحمِلُ لَهم الرِّمالَ فقط..
الإيمانُ يَعني الخِصب
جاء سيّدُنا هودٌ و وَعظَ قومَهُ. قالَ لهم: أنا أُحِبُّكُم.. أُريدُ لكم الخيرَ. قال لهم: يا قومِ استَغفِروا ربَّكُم ثُمَّ تُوبُوا إلَيه يُرسِلِ السَّماءَ علَيكُم مِدْراراً ويَزِدْكُم قُوَّةً إلى قُوَّتِكُم .
لم يَستَمِعْ أهلُ عادٍ إلى مَوعظةِ رسولِ اللهِ اليهم، أعرَضوا عنه وهَدَّدوه و تَوَعّدوه، وانصَرفوا إلى ذبحِ القرابينِ وتَقديمِها إلى الآلهة..
ومضى مَوسمُ المطرِ، ولكنْ لَم تَنزِلْ قَطرَةٌ واحدةٌ، واجتاحَ الجَفافُ مَناطقَهم.
تَحوَّلت أرضُهم الخضراءُ إلى صحراء.. نَفَقَت ماشيتُهم و ذَبَلَت أشجارُهم..
وحَلَّ العامُ الثالثُ.. كانَ عاماً عَصيباً جدّاً، أصبحَت المِياهُ نادرةً جدّاً إلاّ ما يَكفي لسَقيِ الماشيةِ فقط، أمّا الحُقولُ فقد ظَلَّت دونَ ماء.
في كلِّ يومٍ كانوا يَخرُجونَ إلى مَعابدِهم يَعبُدونَ الأصنامُ ويَتَضرّعونَ اليها. وكان سيّدُنا هودٌ يَنصَحُ قومَهُ يَدعُوهم إلى الايمانِ باللهِ عزّوجلّ؛ لأنّه هو وحدَهُ القادرُ على كلِّ شيء.. أمّا الأصنامُ فلا قيمةَ لها لأنها مُجرَّدُ حِجارة..
« إرَم » المدينةُ العجيبة
كانَ أهلُ عادٍ قد بَنَوا في تلكَ الفترةِ أعظمَ مدينةِ في العالَمِ، هي مدينةُ إرمَ التي لَم يُخْلَقْ مِثلُها في البِلاد .
كانت مليئةً بالقُصورِ والحَدائقِ والبساتينِ.. وكانَ شَدّادٌ الرجُلُ الجبّارُ الوَثَنيّ هو الذي أمَرَ ببنائها لتكونَ جَنّةً يعيشُ فيها..
كانَ يتَصوّرُ أنّه سيَبقى خالداً وأنّه لَن يَموت.. لقد كانَ قَويّاً جدّاً فتَصوّرَ أنه سيبقى حيّاً إلى الأبد.
عاصفةُ الدَّمار
حَلَّ المَوسِمُ الثالثُ لِهطولِ المَطر.. ولكنْ لا شيءَ سِوى الجفافِ، وسادَ القَحط.. وكانت الرياحُ تَهُبُّ فتَدَفعُ أمواجَ الرّمالِ باتّجاهِ الوُديانِ التي كانت ذاتَ يومٍ خضراء.
ضَرَبت المجاعةُ أرضَ الأحقافِ.. ما يزالُ سيّدُنا هودٌ يَدعوهُم إلى الإيمانِ ونَبذِ الأصنام…
اللهُ سبحانه هو القادرُ، هو الذي يُرسِلُ المَطَر فيُحيي الأرضَ بعد مَوتِها.. الله عزّوجلّ هو الذي يَبعَثُ الخِصبَ في الوِديانِ والسُّهول..
الأصنامُ والأوثانُ حِجارةٌ صَمّاءُ لا تَضُرُّ ولا تَنفَع..
ولكنّ قبائلَ عادٍ لم تُؤمِنْ برسالةِ هودٍ.. الناسُ كانوا يُطيعونَ الجَبابرة. أمّا هُودٌ فلَم يُؤمِنْ به أحدٌ إلاّ بعضَ الناسِ الطيّبين.
في الموسمِ الثالثِ.. خَرَجَ سُكّانُ الأحقافِ يَنظرونَ إلى السماءِ.. كانوا يَنتظرونَ الغُيومَ والمَطر..
السماءُ كانت صافيةً رزقاءَ ولا أثرَ للغُيوم… الوَثنيّونَ فكّروا بتقديمِ المَزيدِ من القَرابينِ.. فقد يُنقِذهُم إلهُ الخِصبِ من القَحطِ و الجَفافِ.. ولكنْ لا شيء.
جاءَ سيّدُنا هودٌ ووَعظَهُم للمرّةِ الأخيرةِ.. نَصَحَهُم بالتوبةِ والعَودةِ إلى اللهِ… اللهُ وحدَه الذي يُرسِلُ المَطرَ ويَبعَثُ الخِصب.
ولكنّ قومَ عادٍ نَهَروا سيّدَنا هوداً وقالوا له: إذهَبْ إيّها المجنون، أنت رجُلٌ كذّاب… لِيُرسِلْ ربُّكَ علينا العذابَ اذا كنتَ صادقاً… إننا لن نَترُكَ آلهتَنا… آلهتُنا هي التي تَرزُقُنا وتُرسِلُ لنا المطرَ و تَبعثُ الخِصبَ في أرضنِا و تُبارِكُ في ماشِيَتِنا، إنّ الآلهةَ لن تَنسى ذلك.
كانَ سيّدُنا هودٌ حزيناً من أجلِ قومِه.. كان يُريدُ لهم أن يُؤمِنوا حتّى يَعيشوا حياةً كريمةً هانئة…
مَرَّت ساعاتٌ… ظَهَرت في الأُفقِ غيومٌ سَوداءُ رَهيبة..
كانت الغُيومُ تَزحَفُ شيئاً فشيئاً حتّى غَطَّت سماءَ الأحقاف كلَّها..
فَرِحَ أهلُ عادٍ بالغيومِ.. قالوا:
لقد استَجابت الآلهةُ دُعاءنا… فارسَلَت لنا غُيوماً مُثقَلَةً بالمَطر.. سوف تُخصِبُ الوُديانُ وتَعودُ الخُضرةُ إلى البساتين.
قالَ سيّدُنا هودٌ وهو يَرى نُذُرَ العذاب:
كلاّ، بل هو ما استَعجَلتُم به، ريحٌ فيها عَذابٌ ألِيمٌ تُدمِّرُ كلَّ شيء.
أوى سيّدُنا هودٌ إلى الجبلِ ولجأ اليه المؤمنونَ… وأصبَحَ العذابُ قابَ قوسَينِ أو أدنى.. كان الوقتُ يَمرُّ، وكانَ الوثنيّونَ يُحَدِّقونَ في الغُيومِ السَّوداءِ المُتَراكمةِ. كانوا ينَتظرونَ المَطر.. ولكنْ دونَ جدوى.
بَدأ هُبوبُ الرياح الباردةِ.. سوفَ تَنقَضُّ العاصفةُ المُدمّرة.. في السماءِ اشتَعَلت البُروقُ، وانقَضّت الصَّواعقُ الرهيبةُ ودَوَّت الرُّعود… كانَ صوتُ الرعدِ هائلاً مُخيفاً انخَلَعَت له قلوبُ الكافرين.
أُصيبَ الوثنيّونَ بالهَلَعِ وفَرّوا إلى مَنازِلِهم، كانوا يَنظُرونَ بيأسٍ إلى الغُيوم.
لم يفكّروا بكلماتِ سيّدِنا هودٍ، لم يُفكّروا بمَواعِظهِ ونَصائحهِ، كانوا يَنظُرونَ إلى تلكَ التماثيلِ الحَجَريةِ فقط.. كانوا يَعتقدَونَ أنّ تلكَ الحجارةَ الصَّمّاءَ هي التي تَرزُقُهم وتَمنَحُهم الخيرَ والبركةَ و النَّماء.
بَدأت عاصفةُ الغَضَبِ السَّماوي … كانت الرِّياحُ عَنيفةً وجافّةً، وكانت قارِسَةَ البّرد..
لم تَكُن رياحاً تَحمِلُ السُّحُبَ ولا المطَر، كانت طُوفاناً مِن البردِ الشديدِ والرِّمالِ الكثيفةِ.
مَرَّت الساعاتُ مُخيفةً، والعاصفةُ لم تَهدأ أبداً، وكانت أمواجُ الرِّمالِ تزَحَفُ باتّجاهِ الوادي.
كانَ قومُ عادٍ مَغرورينَ بقوّتِهم… كانوا يَتّصوّرونَ أنَّهُم سيَتَغلّبونَ على القَحطِ والجَفافِ والعاصِفة.
تَصوّروا أنّ العاصفةَ ستَهدأ في الليلِ أو في صباحِ اليومِ التالي.
بَدأت الرِّياحُ المُدمّرةٌ هُبوبَها صباحَ الأربعاء، وظَلَّت تَعصِفُ بِعُنفٍ مدّةَ سبعِ ليالٍ وثَمانيةِ أيام.
لم تَهدأ ولم تَتوقّفْ إلاّ في صباحِ الأربعاء.. لم تَهدأ الاّ بعدَ أن طَمَرت الوادي الخَصيبَ بالرّمالِ، وانَدَثَرت مدينةُ إرَم العجيبةُ… تَحطَّمَت المَنازلُ وتَهاوَت الأعِمدةُ المَرمَريةُ الهائلةُ. أمّا أُولئكَ الرجالُ الذين كفَروا برسالةِ هُود عليهِ السّلام، فقد سَقَطوا فوقَ الرِّمالِ… كانوا طُوالَ القامةِ، لهذا بَدَوا مثِلَ جُذوعِ النَّخلِ اليابسة..
أمّا التَّماثيلُ فسَقَطَت على وُجوهِها وتَحَطّمَت، وتَحَوّلَت تلكَ المَعابدُ الوَثنيّةُ إلى أنقاض..
لقد حَلَّت اللعنةُ عليهم.. كانوا طغاةً جبّارين ليست في قلوبِهم ذرةٌ من الرحمة.. كانت حَياتُهم كلُّها عَبَثاً في عَبَث.. حتّى عندما كانوا يَبنونَ قُصورَهُم كانوا يَفعلونَ ذلك لمجرّدِ العَبَث.
لم يكونوا يَستَفيدونَ منها أبداً، لهذا غَضِبَ اللهُ علَيهم بسببِ كُفرِهم واضطهادِهم للمؤمنين.
من أجلِ هذا أهلَكَهُم، وأنقَذَ سيّدَنا هوداً والذينَ آمَنوا معه حتّى يعودَ الناسُ إلى فِطرتهِم ويَبدأوا حياةً إنسانيةً جديدةً مليئةً بالخيرِ والخِصبِ والنَّماء.
والله أعلم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.