(( كان يا مكان فى سالف العصر والأوان..فى مملكة تُدعى "فسادستان"..كانت تعيش مجموعة من الشقيان..مُهمشين فى دنيا من النسيان..كل أحلامهم هى قتل الطغيان..والعمل على إعلاء البنيان..لكن فى حروبهم ماتت كل الفرسان..فبقى الفساد بينهم صورة للبهتان..وفى أحد الأيام طفح الكيل بهم فقاموا بثورة على فساد كبيرهم وأطاحوا به خلف القضبان..أخيرا إرتسمت البسمة فوق شفاهم مُعتقدين أنهم تخلصوا من "البتنجان"! مرت الأيام وأبناء المملكة مازالوا فى إنتظار نهضة "فسادستان"..ولسوء حظهم أو لسوء ظنهم لم تأتى النهضة ولم يختفى الفساد، بل ساءت الأحوال وانهارت المملكة وازداد المفسدون فيها فسادا، والطاغين بها طغيانا.. هنا قرر أهل المملكة أن يبحثوا عن أسباب الفساد وكيف يستشرى بينهم يوما بعد يوم..طرح السلطان فكرة بناء صندوق ضخم للتبرع بأموال الفساد، وعلى كل من يمتلك أموالا جاءت من حرام أن يتخلص منها بوضعها فى الصندوق!.. ولكن بقى الصندوق خاليا أسابيع وشهور وربما سنين!.. فقرر السلطان فى مجلسه الأسبوعى أن يقوم بسؤال كل كبراء المملكة عن أحوالهم لأخذ أقوالهم حتى يطوى صفحة الفساد ويصل إلى جذوره.. روى كبير البصاصين ما رصده فى المملكة منذ أعوام طويلة، فقال: " يا مولاى، فى كل ديوان بالمملكة رئيس تعمل معه بطانة سوء تمتد يده إلى أفواههم ليطعمهم من مال حرام، فيزدادون جوعا ولا يشبعون..حتى يستسيغون مذاق الحرام". سأل السلطان: " ومن هذا ذو الشارب الذى يحمل فى يديه صُرة المال؟" " إنه يا مولاى مسئول الديوان..رجلٌ كمم أفواه ضمائر حاشيته، وسقاهم سُما فى وعاء العسل..فسخرَ الرجل الذى شاب شعره لتملقهُ، وأقنع الشاب الذى بدأ طريقه بالتلصص على إخوانه فى المكان، وأقنع ذو الكرش المتدلى بالإنقضاض على حقوق الآخرين، وأجبر ذو اللحية الأخرس على السكوت مثل الشيطان..فأصبحوا جميعا فى مركب واحد ثقلت بالذنوب وامتلأت بالثقوب..تتأرجح وسط الأمواج..لتغرق بهم جميعا وهم لا يشعرون.. إنهم يتحدثون عن الشرف وهم المفسدون.. ويتحدثون عن الفخر وهم يرتدون ثوب العار..ويتحدثون عن الضمائر وهم يمتلكون ضلوعا خاوية ". قال السلطان مُتعجبا: " ولكن..من هذا الذى يقف وراءهم فى الظل منزويا؟" رد كبير البصاصين: " إنه رأس الأفعى يا مولاى..إنه الرحم الذى ينجب الفساد، والتربة التى ترتوى بالضلال فتطرح أشواكا سامة.." " ما اسمه إذن؟" " إسمه (( قُفة)) لأنه بالنسبة لرئيسه مثل قُفة للمقريزى..شاب نحيف هزيل كانت الحيرة نظرته والإنكسار قوامه يوم أتى إلى الديوان..ثم لمح مسئول الديوان في عينيه نظرة طموح بلا حدود، وجشع بلا سدود، وطمع بلا قيود..فقرر أن يجعله ظله وملاذه وتلميذه وتابعه الأمين!.. حتى أن الشاب الهزيل قرر أن يعيش داخل جلبابه، حمل له حقيبته، وسار فى ظله.. يشير له فيجرى لينفذ مطالبه وكأنه مصباح علاء الدين.. حتى أنه أطال شاربه ليصبح صورة مكررة منه!.. ومع مرور الوقت تحول "تابعه قفة" من مجرد ظل إلى حقيقة.. لكنها حقيقة مزيفة مشوشة، حقيقة فقدت المصداقية والجوهر والمعنى النبيل"..... وتوتة توتة فرغت الحدوتة..........حلوة والا ملتوتة )) وهكذا سيظل "تابعه قُفة" نموذج صريح للنبت الشيطانى فى كل مؤسسات الدولة..وستظل مملكة فسادستان هى المملكة الأولى بين كل الممالك فى التلون بألوان الفساد والإلتحاف برداء الظلم.. "قُفة" نموذج صريح للشخص المتسلق الذى يتحسس طريقه للوصول إلى القمة غير مبالى بالوسيلة، وتبقى عينيه دائما على القمة دون أن يراعى من يتساقطون حوله من بشر، ولا حتى بما يتساقط منه من مبادئ..هذا النموذج هو من يضمن بقاء الفساد فى الأوطان ويرسخ لفكرة إستنساخ فاسد من جينات فاسد أكبر..إنه ضمان لبقاء سلسلة الفساد متصلة لا تنقطع.. عندما أكد السيد عبد الرحمان الأدغم وزير مكافحة الفساد والحوكمة التونسي, أن بلاده ستطبق تجربة مصر بعد الثورة بالنص في الدستور المصري علي إنشاء المفوضية الوطنية المصرية لمكافحة الفساد في مواد الدستور، كدت أن أضحك!.. فالفساد يا سيدى ليس إدارة، ولا نص فى دستور، ولا حتى مفوضية!.. القضاء على الفساد لن يكون إلا بترسيخ فكرة الضمير ومحاسبة النفس فى كتب الصغار..وبتعريف الأديان كعقيدة ومعاملات وليس كمظهر زائف ولغو بلا معنى فى عقول الكبار..وأخيرا لن يكون هناك نهضة سوى بإبادة "قُفة" وأتباعه!.. إلى كل مواطني مملكة "فسادستان"...كل ثورة وأنتم طيبين..تعيشوا وتاخدوا غيرها..