«الحُركرُك» كلمة لم نعرف معناها الدقيق إلا اليوم! فهى مُشتقة من لفظ «الحارك» وهو منبت أدنى العرف إلى الظهر الذى يأخذ به الفارس إذا ركب، والواقع أنه إذا ركب الفارس على آخر ظهر الدابة قيل إنه راكب على الحارك أو علي الحرُكرك، وبالتالى إذا تحرك الراكب منه إلى الأمام لم يستقم له الركوب ولم يستقم للدابة السير الصحيح.. هكذا هى مصر اليوم..رئيس ناجح على الحرُكرك، ودستور يتم تمريره على الحُركرك، واقتصاد متماسك على الحُركرك، وشعب أحلامه باتت على الحُركرك، وثورة توقفت عند الحُركرك، ودولة أصبحت شرعية مؤسساتها فى عداد الحرُكرُك.. إن وصولنا اليوم للحرُكرُك هو نتيجة سياسة الأيادى المرتعشة، والقرارات المتذبذبة وسوء التقدير وإهمال العوارض والتسويف وعدم الاستفادة من دروس الماضى والإصرار على تكرار نفس الأخطاء مرات ومرات.. فجماعة الإخوان لاتزال مُصرة على خطف الوطن تحت وطأة سيف الإرهاب.. والرئيس المُنتخب الذى جلس على مقعد الرئاسة بنسبة تصويت 51.73% أى المنتخب بمجموع أصوات 13 مليون مصرى من إجمالى شعب تعداده 85 مليون نسمة!، مازال لا يُدرك حقيقة أن أصوات مُعارضيه يجب أن تشغله أكثر من إرضاء مؤيديه..
54% موافقون، و46% غير موافقين.. هكذا أبرزت مؤشرات النتائج شبه النهائية للاستفتاء على مشروع الدستور فى مرحلته الأولى، بنسبة مشاركة بلغت 31% من مجمل من يحق لهم التصويت، مما يعنى موافقة 16% فقط من الناخبين على مشروع الدستور، وانقسام نحو 80% ما بين رافض ومقاطع..
هذه النسب تؤكد غياب التوافق نحو مشروع الدستور الجديد، وتؤكد قوة المعارضة، مما يضعف من شرعيته المُجتمعية، حتى وإن استطاع أهل الحُكم تمريره قانونا، فهو مازال مرفوضا سياسيا من الفئة التى تحتكم إلى العقل والرؤية... وعلى الرغم من الجموع الغفيرة التى تمسكت بالأمل ووقفوا لساعات طويلة رغم أنف كل المعوقات ليرفضوا الدستور الأعور.. إلا أن النتيجة تؤكد أن هناك فئة كبيرة لاتزال مُغيبة وهى الفئة التى يراهن عليها المرشد وجماعته..
فأسيوط التى لم يجف دم أبنائها على قضبان قطار الموت يقولون «نعم» بنسبة 76%.. وسوهاج بلد شهيد الصحافة أبو ضيف الذى قتلته ميليشيات الإخوان قالوا «نعم» بنسبة 78%.. وأسوان المحافظة التى ماتت فيها السياحة وخيم شبح البطالة على أغلب سكانها قالت «نعم» بنسبة 76%..
وهنا يأتى السؤال، هل هؤلاء ضحية جهل وأمية؟ أم إنهم ضحية تغييب مُتعمد؟ أم أن الفقر طغى على كل حواسهم فلم يعودوا يدركون إلا كيس السكر وزجاجة الزيت التى يقدمها لهم الإخوان عاملين بمقولة (إحيينى النهاردة وموتنى بكرة)!.
إن الدستور باطل سياسيا حتى لو تم تمريره قانونيا، فدساتير الدول لا تُمرر سوى بتجاوز نسبة التصويت ب«نعم» على 67% على الأقل، إذن فشرعية الاستفتاء مرهونة على موافقة ثلاثة أرباع المجتمع على مشروع الدستور، وعلى الرغم من التزوير المُخيف الذى قام به كل المُدلسين الذين استعان بهم حزب الرئيس الحاكم لتفويت العملية الانتخابية الباطلة، إلا أن رفض فئة كبيرة من الشعب لهذا الدستور كان يجب أن يكون إنذارا قويا لمُراجعة الرئيس لنفسه وحل اللجنة الدستورية وكتابة دستور يتوافق عليه كل فئات الشعب.. فالدستور الفرنسى الذى صرح الإخوان بأنه تم تمريره عام 1946 بنسبة 53% فقط من الشعب مع مقاطعة 31%، دستور نتيجة عيوبه الكثيرة وغياب التوافق عليه أدخل فرنسا فى فترة من الاضطراب السياسى والاجتماعى والاقتصادى استمرت لمدة 12 عاما! وانتهت بوضع دستور جديد تحت قيادة ديجول عام 1958 وتمت الموافقة عليه من 82٪ من المشاركين بالاستفتاء..
إن خروج ميليشيات الإخوان وجحافل أبو إسماعيل البربرية من أجل فرض شرعية مُزيفة لدولة الإخوان فى ظل سكوت متعمد من النظام وداخليته..إرهاب غير مقبول.. ووجود طعون عديدة تم تجاهلها ضد إشراف غير قضائى وتعطيل ناخبين وتزوير صارخ وانتهاكات سافرة للانتخابات (لم تحدث فى عز جبروت الحزب الوطنى) لا تعنى سوى أن فناء الدولة أصبح على الحُركرك!..
هذا الدستور قد لا نستطيع رفضه اليوم لأنه يخرج من رحم شرعية رئيس مصر المنتخب، ولكنه سوف يسقط غدا ولسوف تطاردنا لعنات الأجيال القادمة لأننا لم ندافع عن حقوقهم فيه، ولسوف يصب التاريخ لعناته على تجار الدين وسماسرة الشرع لأن دستورهم كتُب بالتزوير والكذب والضلال.