قوَّضت الأزمة التي اندلعت بمصر بسبب محاولة الرئيس محمد مرسي إنهاء الفترة الانتقالية على طريقته ثقة الشعب في نظامه الديمقراطي الوليد، وستعقد مهمة الحكومة التي تواجه بالفعل مصاعب لا تحسد عليها. وتسببت مساعيه لإقرار مشروع الدستور الجديد رغم من معارضة قطاعات رئيسية بالمجتمع بمن فيها الأقلية المسيحية في إضعاف الآمال ببناء التوافق الضروري لمواجهة التحديات القادمة مثل إصلاح الاقتصاد المتداعي.
كان مرسي قد تعهد بأن يكون رئيسًا لكل المصريين إلا أنه يواجه اتهامًا بتقديم مصلحة جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها على مصلحة الآخرين الذين يقولون إن مسودة الدستور التي من المقرر الاستفتاء عليها في 15 ديسمبر، لا تعكس طموحاتهم.
على الجانب الآخر، تفاقمت الشكوك التي تساور الإسلاميين تجاه خصومهم الليبراليين نتيجة للاضطراب الناجم عن محاولة مرسي تسريع المرحلة النهائية من الفترة الانتقالية التي بدأت بعد سقوط الرئيس السابق حسني مبارك.
ومع معارضة الأكثر تشددًا من بينهم لمجرد فكرة الديمقراطية، يقول الإسلاميون إن منافسيهم لا يحترمون قواعد اللعبة التي وضعت الإسلاميين في سدة الحكم من خلال انتخابات حرة ونزيهة.
ويخشى المصريون الذين يتوقون لتعافي البلاد من الاضطرابات المستمرة منذ نحو عامين أن يستمر التشاحن وتبدد الآمال في التعاون اللازم لمساعدة مرسي في حكم البلاد بشكل سلس وإحداث إصلاحات ضرورية للغاية.
وقال دبلوماسي غربي: "إذا نجحوا في الاستفتاء فسيعتبرون ذلك خطوة للأمام لكن ليس بدون تكلفة".
ورغم نيل مرسي إشادة دولية لتوسطه في وقف إطلاق النار بقطاع غزة، فإن العنف بشوارع بلده يثير قلق الغرب، لاسيما الولاياتالمتحدة التي منحت مصر مساعدات عسكرية ومساعدات أخرى بمليارات الدولارات بعدما أبرمت اتفاق سلام مع إسرائيل في 1979.
وأبلغ الرئيس الأمريكي باراك أوباما مرسي أمس الخميس "قلقه البالغ" بشأن سقوط قتلى وجرحى في الاحتجاجات.
وقد يكون أحد ضحايا الاستقطاب خطط جماعة الإخوان المسلمين لتشكيل تحالفات سياسية مع ليبراليين بالانتخابات البرلمانية المقبلة.
كان سعد الكتاتني رئيس حزب الحرية والعدالة المنبثق عن الجماعة قد قال في مقابلة مع رويترز هذا الأسبوع إنه يفضل مثل هذه التحالفات على التحالفات الإيديولوجية مع إسلاميين آخرين.
والشارع يموج بالانقسامات حاليًا حيث قتل سبعة أشخاص وأصيب المئات هذا الأسبوع في اشتباكات بين مؤيدين لمرسي ومعارضين له. ورفض نشطاء نظموا احتجاجات اليوم ضد مرسي دعوة وجهها من أجل الحوار الوطني.
وقال أيمن الصياد، الذي استقال من منصبه كمستشار لمرسي يوم الأربعاء بعد اندلاع العنف، إنهم قالوا إنه إذا لم يتم التعامل بشكل ملائم مع حالة الاستقطاب فسوف تصل إلى المرحلة التي وصلت إليها حاليًا بالفعل.
وأضاف، في مقابلة مع تليفزيون الحياة، إن ما حدث هو المشهد الذي كانوا يحاولون تجنبه، حيث كانت الصورة التي حاول مرسي بناءها للمؤسسة الحاكمة بأنها شاملة أحد أول ضحايا الأزمة التي بدأت بعد إصداره إعلانا دستوريا في 22 نوفمبر وسع سلطاته وحصن قراراته من الرقابة القضائية.
وكان مسيحي وامرأة من بين أول من استقالوا من فريق العاملين معه الذين فوجئوا بالإعلان مثل أغلب المصريين، ورغم العنف لم يبد مرسي أي علامة على التراجع وبدا أنه يهون من شأن منتقديه.
ومع تردد التكهنات بشأن كيفية اتخاذه للقرار استنتج مصريون طالما ارتابوا بشأن جماعة الإخوان المسلمين أن مرسي يدير البلاد بأمر الجماعة.
وفي المقابل، يشكو الإسلاميون من أن كثيرًا من محاولات مرسي للتواصل رفضت مبكرًا، وزادت رؤيتهم للمعارضة قتامة خلال الأزمة، وبدأ أعضاء في الجماعة يصفون معارضين بأنهم "فلول" لنظام مبارك.
وقالت اليجاه زاروان، الباحثة بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إن الأثر الجانبي المؤسف حقا لما حدث في الأسبوعين الماضيين هو أن الأجواء السياسية باتت مسمومة حقًا.. وأخشى أن يستمر هذا لفترة طويلة بعد الأزمة الحالية".
وأضافت: "سيتعين على الحكومة القادمة أن تتحرك بسرعة كبيرة للتصدي لكثير من المشكلات وستحتاج إلى التعاون، وفي ظل الأجواء الحالية من الصعب تصور أن يتعاون الآخرون".
وستكون الحاجة لمثل هذا التعاون أشد لوضع سياسات تهدف لكبح العجز الهائل بالميزانية وتجنب أزمة في ميزان المدفوعات، ويشير تقدير لأحد الخبراء الاقتصاديين إلى أن ناتج الاقتصاد المصري تراجع بما بين 70 و80 مليار دولار منذ الإطاحة بمبارك.
ويأتي على رأس الإجراءات الاقتصادية المطلوب اتخاذها خفض دعم الوقود، أحد البنود الرئيسية التي تستنزف ماليات الدولة، ومن المرجح ألا تحظى مثل هذه التعديلات على نظام الدعم بشعبية في بلد اعتاد فيه الأغنياء والفقراء الوقود الرخيص.
وقال سايمون كيتشن، الخبير الاستراتيجي لدى أحد بنوك الاستثمار: "لقد ورث مرسي اقتصادا ضعيفا يحتاج إلى جراحة خطيرة.. لذا سيتعين عليه اتخاذ قرارات مثيرة للجدل خلال العام القادم أو نحو ذلك، مضيفًا:"في الأحوال المثالية يريد المرء عمل ذلك في أجواء تتسم بنوع من التوافق السياسي".
وإلى جانب الاقتصاد يحتاج مرسي إلى دعم أوسع لمعالجة قضايا أخرى بينها القضاء الذي يتفق معارضوه معه في أنه يحتاج إلى إصلاح، لكنه حتى عندما أقال النائب العام الذي عين في عهد مبارك والذي لا يتمتع بشعبية ايضا واجه مرسي انتقادات تتهمه بتبني نهج استبدادي في الطريقة التي حقق بها ذلك.
وفي نظام الحكم بمسودة الدستور الجديد ستكون للبرلمان القادم كلمة بشأن تشكيل الحكومة. ومن المنتظر إجراء انتخابات برلمانية بعد نحو شهرين إذا أقر الدستور في الاستفتاء.
ويضع حزب الحرية والعدالة ذلك نصب عينيه وبدأ بالفعل يدرس إقامة تحالفات لخوض الانتخابات البرلمانية.
وقال الكتاتني، في المقابلة مع رويترز، إنه يفضل تحالفًا مع ليبراليين على التحالف مع السلفيين الذين يؤيدون مرسي في الأزمة الحالية، مضيفًا: "خيارنا المفضل ألا يكون التحالف أيديولوجيا حتى لا يحدث انقسام في الوطن.. يعني مجموعة تمثل التيار الإسلامي ومجموعة تمثل الاخرين ...هذا يمثل خطورة."
كانت جماعة الإخوان قد احتفظت بمسافة بينها وبين الأحزاب السلفية التي ظهرت بعد سقوط مبارك. لكن هذا التوجه بدأ يتغير تدريجيا مع تطلع الاخوان للإسلاميين من أجل الدعم.
وقال الدبلوماسي الغربي الذي طلب عدم ذكر اسمه: "لقد أحرقوا جسورهم مع المعسكر العلماني واعتمدوا بشدة على المعسكر السلفي.. لا نشعر بأن هذا هو الموقع الذي يرغبون في أن يكونوا به حاليًا".
وتشير وجهات نظر الأحزاب الليبرالية إلى أن جماعة الإخوان ستواجه صعوبة في إقناع ليبراليين بأنها شريك جدير بالثقة.
وقال أحمد سعيد، رئيس حزب المصريين الأحرار الليبرالي: "لا أعتقد أن الرجل يدرك حجم التمرد والغضب لدى الشعب. البلد يعاني انقساما واستقطابا حادا. لدينا دولتان الآن".