عندما يقول وزير للتعليم - وزير وليس غفير مدرسة - إنه مع ضرب الأطفال فى المدارس، فإن هذه الجملة تكفى لتعرف أن هذه الحكومة والرئيس الذى اختارها لا يستحقان أن يتوليا مناصب عامة، ولا خاصة، وأن المكان الطبيعى لبعضهم هو السجن. منذ عشر سنوات تقريبا كنت فى زيارة قصيرة لكندا، اتصلت بصديق كان يحضر الدكتوراة هناك، حيث اصطحب زوجته وابنه الذى يبلغ من العمر – آنذاك- أربع سنوات للإقامة معه.
اتفقنا على موعد، وعندما التقينا كان فى حالة نفسية سيئة ولونه مخطوف، وبدون أن أسأله روى لى منزعجا كيف أن مديرة المدرسة التى يتعلم بها ابنه استدعته هو وزوجته وحققت معهما، كل على حدة، بعد أن قال طفلهما أمام إحدى المدرسات إن «ماما ضربتنى». الصديق أقسم لى بأن زوجته لم تضرب الولد وربما تكون قد «هوشته» أوهددته فقط، وأخبرنى بأنه أقسم هو وزوجته لمديرة المدرسة بأنهما لم يضربا الطفل، فقالت إنها ستصدقهما هذه المرة، ولكن إذا ذكر الطفل مرة أخرى أنه تعرض للضرب فسوف يتم أخذه وإيداعه مصحة للعلاج النفسى، وإذا ثبت أن أحدهما ضربه فربما تمنعهما الدولة من «حضانة» الطفل مرة أخرى!
تذكرت الحكاية وأنا أطالع وجه وزير التعليم الممتلئ ألما و«غلا»، وتخيلت كمية الضرب التى تعرض لها فى طفولته على يد أبويه ومدرسيه والأطفال الأكبر منه، وتخيلته وهو يعتدى على أولاده وزوجته بالضرب يوميا.. هذه الملامح وهذه التصريحات وحدها أكبر دليل على الأثر السلبى الذى يتركه العنف على الأطفال فيدمر نفسياتهم وحياتهم وحياة الأجيال القادمة بعدهم.
فى مقال الأسبوع الماضى أشرت إلى كتاب «التخلف الاجتماعى- مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور» للدكتور مصطفى حجازى، وإلى الآلية التى يلجأ إليها الإنسان الذى يتعرض للقهر وسوء المعاملة، حيث يتبنى أفكار القاهرين ويدافع عنها ويمارسها على الآخرين فى محاولة لتعويض شعوره القهرى بالنقص والألم، ولا أجد شيئا يمكن أن يجسد هذه الآلية مثل تصريحات وزير التعليم!
اليوم أنقل لكم فقرة أخرى من الكتاب تصف مثل هذه الكائنات التى تربت على القمع وتواصل إنتاجه على الآخرين:
«تتابع المدرسة عملية القهر والشلل الذهنى التى بدأت فى الأسرة من خلال سلسلة طويلة من الأنظمة والعلاقات التسلطية يفرضها نظام تربوى متخلف، ومعلمون عاجزون عن الوصول إلى عقول الطلاب وقلوبهم إلا من خلال القمع. وتتحول الدراسة إلى عملية تدجين، تفرض الخصاء الشخصى والفكرى على الطفل، كى يكون مجرد أداة راضخة، ويتم ذلك بالطبع تحت شعار غرس القيم الخلقية مثل الاحترام والطاعة وحسن السير والسلوك».
وفى كتابه الثانى المتمم للأول، والذى يحمل عنوان «الانسان المهدور» (المركز الثقافى العربى 2005) يؤكد أستاذ علم النفس الاجتماعى النابغ أنه لا سبيل إلى الحرية والديمقراطية فى العالم العربى قبل حصول المواطنين على حرياتهم وحقوقهم الإنسانية الأساسية ومن بينها عدم التعرض للضرب أو الاهانة على يد أى شخص مهما كان: « لابد من تجاوز شعارات الحرية والديمقراطية التى من فرط تداولها تحولت إلى عمليات تجميل وتغطية وتمويه»، ولا بد من مواجهة مثلث الحصار الذى يتمثل فى الدولة المخابراتية البوليسية والمجتمع القبلى العشائرى والأصولية الدينية. هذا هو مثلث القهر الذى يجب الخلاص منه قبل التشدق بأى كلام عن الديمقراطية والحرية. ببساطة لأن طفلا يتعرض للضرب على يد أبويه ومدرسيه ورجال الشرطة لا يمكن إلا أن يصير دجاجة أو خروفا تحت إمرة جماعته وعشيرته ورؤسائه.
وزير التعليم ليس استثناء، صفوت حجازى، الذى اختاروه عضوا بالمركز القومى لحقوق الانسان، له فيديو على الانترنت يعذب فيه «بلطجية» على الملأ، وفيديو آخر يعتدى فيه على صحفيتين فى ميدان التحرير. وهو و«أخوته» فى «التأسيسية» يدافعون عن ضرب الزوجات وعن ضرب المعتقلين فى أقسام الشرطة، وليس استثناء أيضا أن أتباعهم اعتدوا بالضرب على المتظاهرين الجمعة الماضى.
هؤلاء «المضروبون» «الضاربون»، الذين يتشدقون بالحرية والديمقراطية، ميئوس منهم!