هيثم هلال تنفق الحكومة سنويا 13.8 مليار جنيه على دعم رغيف الخبز في مصر ورغم المليارات الطائلة والكميات الهائلة للخبز المدعم، لا يزال المصريون يصطفون فى طوابير من أجل الحصول على رغيف الخبز، وتذهب حكومة وتأتى اخرى , ويظل المواطن المطحون يبحث عن رغيف عيش , فعجزت الحكومات المتلاحقة الأخيرة فى حل المشكلة , وانتهت المائة يوم التى وعد فيها الدكتور محمد مرسى - رئيس الجمهورية - بحل الازمة ولكن بدون جدوى , ليصبح الحصول على رغيف العيش المدعم بطريقة ادامية تحفظ كرامته حلم بعيد المنال .
"الفجر" تفتح هذا الملف وتروى تفاصيل كيفية سرقة الدقيق, وترصد واقع المشكلة وما حدث من تطورات وتغيرات مع انتهاء ال 100 يوم التى تعهدت الرئيس محمد مرسى فيها بحل هذه الازمة .
بداية .. يقول أحمد شوقى - مشرف على توزيع الخبر سابقا - ان جميع المخابز التي اشرف عليها وغالبية مخابز مصر تقوم بسرقة الدقيق وتخرج رغيف خبز غير مطابق للمواصفات , وسرقة الدقيق لا تقل عن 50% من حصة كل مخبز , قائلا " لو مفيش سرقة دقيق مش هنلاقى ازمة عيش " .
واوضح أن سعر جوال الدقيق 16 جنيها ينتج منه 1000 رغيف زنة 120 جم، مضيفا "الخبز الذي ينتج في مصر يكفيها لو اصحاب المخابز بطلوا سرقة الدقيق " ، وتابع "النظام القديم أجبر اصحاب المخابز على إنتاج خبز غير مطابق للمواصفات، فالرغيف المطابق للمواصفات لا يقل فيه القطر عن 22 سم زنة 130 جم وكامل النضج وغير ملتصق الشطرين، لكن لا يوجد مخبز فى مصر ينتج خبز بتلك المواصفات وإلا سيؤدي ذلك إلى خراب بيته، وذلك كله بسبب التكلفة المنصوص عليها فى قوانين قديمة ولم تجدد حتى اليوم" ، فرغم أن تكلفة إنتاج جوال الدقيق تتراوح بين 85 و90 جنيهاً، إلا أن الحكومة تصر على أن تتعامل بأسعار عام 2006 على أساس أن تكلفة إنتاج الجوال 60 جنيها. مشيرا إلى أن أجرة العامل في اليوم تصل إلى 100 جنيه ، بالإضافة إلى ارتفاع جميع العناصر التي تدخل في إنتاج الخبز بدءاً من يوميات العاملين وصولاً إلى الخامات التي تدخل في صناعة العيش. ويقول: «لا يستطيع اصحاب المخابز أن تتوقف لأنهم يعملوا بأمر تكليف ، موضحا "يضطر اصحاب المخابز بتوفير هذه المبالغ من خلال الخبز غير المطابق للمواصفات وسرقة الدقيق " .
وعن كيفية سرقة الدقيق يقول المشرف السابق بالشركة المصرية للتوزيع والخدمات ان المخبز يجب ان يعطى عامل "التروسكل" 500 رغيف كل 12.5 دقيقة ليتسلمهم البائع بكشك التوزيع بدفتر استلام , ويقوم المخبز بخبز العيش من السادسة صباحا بينما يقوم بالتوزيع فى السابعة صباحا , ليعطي عامل "التروسكل" في السابعة صباحا 2000 رغيف بموجب 500 رغيف كل 15 دقيقة .
وتابع صاحب المخبز يقوم بالاتفاق مع عامل التروسكل والبائع على عدم اخراج الكمية المطلوبة من الخبز مقابل رشوة من صاحب المخبز , ويضطر عامل "التروسكل" والبائع ان يقبلها نظرا لقلة اجرتهم , حيث تتراوح اجرة كل منها يوميا 15 / 20 جنية , قائلا " مستحيل ان تتم هذه المؤامرة الا بعلم المشرف , وكنت ادع صاحب المخبز يسرق نصف الكمية التي كان يسرقها مقابل ان يخرج كمية خبز تكفى المواطنين لأنه بعلمى او بغيره هيسرق هيسرق " وتابع قائلا " اقسم بالله كنت باكل عيش حاف علشان المرتب يكفيني " .
في سياق متصل تحدث علي ابراهيم " صاحب مخبز" بصراحة وجرأه " للفجر " حيث قال " انا وجميع اصحاب المخاز بنبيع اكثر من نصف كمية الدقيق المدعم في السوق السوداء الذى يصل سعر 100كيلو الى 160 جنية في حين اننا نستلمه من الوزارة ب 16 جنية " مؤكدا " إذا اعتمدنا على تكلفة إنتاج الخبز الحالية لن نستطيع تشغيل الفرن، لو بطلنا نبيع الدقيق لا نستطيع أن نعيش " وتابع " الحكومة والقوانين الحالية جعلتنا حرامية " .
وطالب صاحب المخبز بضرورة تعديل القوانين التي تحكم منظومة الخبز حتى يصل الخبز الى مستحقيه . واتفق معه " أ " صاحب مخبز – رفض ذكر اسمة - متسائلاً: كيف تطالبنا الحكومة بإنتاج جوال الدقيق يتكلف إنتاجه 95 جنيهاً وتحاسبنا عليه ب60 جنيهاً . وعن سؤاله من موقف مفتشى التموين من تهريب الدقيق قال صاحب المخبز انه يشترى سكوت مفتشى التموين ومشرف الشركة المصرية للتوزيع على سرقة الدقيق ب 20 او 50 جنية يوميا للواحد حسب الاتفاق . وعلى الصعيد الشعبي لا يزال المواطنون يعانون اشد معاناه في الحصول على رغيف عيش , فتقول "أم عمر" انها تجلس على الرصيف امام الكشك مع باقي السيدات من بعد صلا الفجرة لتأخذ دور متقدم في الطابور حتى تحصل على الخبز قبل نفاذة , واستمرت فى وصف معاناتها وطريقة تعامل البائع معها وعشرات الالفاظ النابية التى تسمعها فترة انتظارها للحصول على الخبز . واضافت " وياريت بعد كل العذاب ده باخد عيش كويس , فالعيش ندى وفيه صراصير وكأنة رايح لبهايم مش لبشر ورغم دا مضطرين ولو معانا ثمن العيش ابو ربع جنية مكنتش وقفت واتبهدلت البهدله ديه " .
واكد هاني جمال " طالب ثانوي " ان الطوابير التى تمتد لمسافات طويلة تشهد مشاجرات ومشادات واشتباكات بالأيدي احيانا للتسابق على الادوار , للحصول على رغيف خبر غير صالح للاستخدام الآدمي .
ويضيف محمد احمد "على المعاش" ان البائع لا يلقى بالا لشيخوخته حيث يقف من الساعة 8 الى الساعة 9.30 والى الان لم يحصل على العيش , مطالبا الحكومة بتهكم " ياريت يلغوا الدعم بدل الذل والمهانه ديه " . وارجع ناصر عيد "عاطل " سبب المشكلة الى سرقة اصحاب المخابز للدقيق وشراء بعض المواطنين هذا الخبر للحيوانات بدلا من العلف , وغياب الرقابة على المخابز .
وترى اميرة عيد "ربة منزل" ان المشكلة قبل وبعد الثورة كما هي فالطوابير موجودة وسرقة الدقيق وغياب الضمير واختفاء الرقابة والفكر العقيم للحكومات التي عجزت على حل مشكلة صغيرة رغم قيامنا بثورة ابهرت العالم .
وعن سعى جهود الحكومة في حل المشكلة فتدرس وزارة التموين حاليا تحرير سعر الدقيق والذى يعنى قيام وزارة التموين بتسليم المخابز للدقيق بسعرة الحر ثم تقوم الوزارة بشراء الخبز من المخابز بسعرة غير المدعم ويبلغ 25 قرشا , ثم تقوم ببيعه للجمهور بسعرة المدعم 5 قروش من خلال منافذ خاصة بها . وفى محاولات الوزارة لحل الازمة ايضا التوسع فى عدد المخابز المليونية ذات الانتاجية العالية خاصة فى المحافظات الاكثر احتياجا لتخفيف حدة الزحام . وتشمل الخطة التنفيذية للمخابز المليونية 20 محافظة على مستوى الجمهورية وفقا لاحتياجات المحافظات المختلفة . وترى وزارة التموين ان تنفيذ مشروعات المخابز المليونية بمحافظات الجمهورية حلا في مشكلة الزحام فى التوزيع وتنظيم عملية تسليم الخبز وانتاجه بالجودة المطابقة للمواصفات وانتاجها بكميات وفيرة تلبى احتياجات المواطنين .