"أنا وأنت نمارس العمل نفسه،" هكذا خاطب جورج بوش في صيف عام 2004 فيل ديرو المدير التنفيذي لشركة تصنيع مضخات ومكابس بولاية أوهايو. ولمن لا يجيدون اقتناص المعاني من محاجرها أكمل المزهو بنفخه ونفثه: "أليس الهواء الساخن عدتنا سيدي؟" قطعا لم يكن جورج بوش يتقاسم الربح من الباطن مع السيد ديرو كما يفعل السياسيون المحظوظون في بلادنا المنكوبة، ومن المؤكد أنه لم يكن يعفي وارداته من الضرائب أو الجمارك مقابل شراكة في الأسهم أو لقاء تعيين بعض أقاربه في مواقع حساسة. ويقينا لم يكن جورج بوش ساكن البيت الأبيض يحاول أن ينطح بقرنيه قرني رجل من عامة الشعب لا يمتلك من الحياة إلا أدوات الكبس والضغط. ولم يكن معروفا عن ديرو ولعه بالسياسة أو السياسيين، وربما لم يجد وازعا من الرغبة يسمح له بفتح كوة في جدار الزمن لينفذ منها إلى طوابير الاقتراع فيدلي باسمه في انتخابات لا يفوز فيها إلا المزورون وتجار الأصوات. لم يلتق الرجلان إذن على مصلحة دنيوية، ولم يضمهما كتاب مقدس أو غير مقدس أو صلوات في كنيسة هجرها الصالحون، ولم يخوضا حروبا صليبية معا أو تضمهما دبابة تقذف الحمم على الرؤوس الوادعة يوما. لم يكن ثمة قاسم بين الرجلين إذن إلا النفخ في الهواء البارد ليشكل دوامات ساخنة تصنع الثراء وتجلب الحظ. لكن الموتورين في بلادنا المغلوبة على جهلها لا يزالون يشكلون بأفهامهم المحدودة جدا هالات مقدسة حول حروف السياسيين التي تشعل في أراضي أحلامهم آلاف الهكتارات اليابسة. لا زال الطيبون في أرضنا المنهوبة يثقون بالهواء الساخن الذي تتفجر به ينابيع الحلوق الكاذبة والأغراض الدنيئة من أصحاب الياقات العالية والأصوات المرتفعة. لا زال الشباب المسيس يتابع دوامات الهواء وعينه على المستقبل الذي يحمل المن والسلوى لشعوب تجيد صناعة خبز الأمل من طحين اليأس في انتظار غوردو. وحدها السنابل تعلم أن السماء تجود بالمطر، لذلك لا ترفع وجهها طالبة القطر من سالبي أرغفة البسطاء من أيادي أطفالهم. وحدها الأشجار تقف هازئة من أشداقهم الممتلئة بالسخف لأن دوامات هوائهم الزائفة لا تصل إليها إلا باردة كشواهد القبور. ووحده الله يعلم أن بائعي سنابل الوهم لأفواه لم تعد تجيد المضغ من طول سغب كاذبون ومحتالون ومصاصو أحلام. وحدها الكراسي تعلم أنها أدفأ من دماء الشهداء، لكن مدمني التسكع فوق طرقات الوهم يأبون أن يفتحوا أعينهم على كلمات صادمة ككلمات جورج بوش لأنهم لا يجيدون صنعة لبوس لجلود واقعهم المهترئ وحالتهم الإجتماعية والثقافية والفكرية المزرية. يرفض أتباع المتاجرين بحناجرهم إلا أن يسيروا خلف الأكاذيب المنمقة والكلمات المتفجرة حتى آخر مدى. لكنهم حتما سيعلمون أن بوش الذي لم يصدق إلا في عدائنا كان صادقا للغاية هنا أيضا وهو يتحدث إلى شريك النفخ والكبس ودوامات الهواء الساخنة.