يظن البعض أن نجاح فيلما كوميديا يكون منتهاه ضحك الجمهور وجلبه للإيرادات ولا يهم بعد ذلك المعالجة المناسبة للقضية المطروحة أو تنفيذ الفكرة بألية سينمائية عميقة تضمن فائدة ما للمشاهد حيث الدور الاساسى للسينما فى تثقيفه وترقية وجدانه وإسعاده ايضا، وهذا ما يفتقده فى الكثير من أعماله يوسف معاطى مؤلف " تيتة رهيبة " الفيلم الأخير لمحمد هنيدى ، فبداية أى عمل يكتبه معاطى يعدك نفسيا بأنك على موعد مع عمل ذا قيمة ولكن سرعان ما يتبدل ذلك الشعور بسبب ترهل الدراما فى العمل و الفشل الذريع فى توظيف مشاهد ترسخ قيمة الفكرة داخل عقل المشاهد ، وقد حدث ذلك من معاطى فى فيلم " رمضان مبروك ابو العلمين حمودة " بطولة هنيدى أيضا حيث شعرنا من المشاهد الاولى والمدخل الجاد للفيلم أنه يعالج قضية هامة وهى فقدان هيبة المدرس بين الطلاب ولكن معاطى أفقد الفكرة بريقها وجدواها حيث تحول المدرس فى النهاية إلى " صبى عالمة " يجمع النقوط خلف زوجته المطربة دون أدنى مبرر درامى لتتوه الفكرة بين زحام المشاهد الهشة والطرح السطحى الذى يظهر بمرور الاحداث . فعل معاطى ذلك أيضا فى فيلم " امير البحار " الذى حمل فكرة عظيمة أساء اليها معاطى بتكرار مع فعله مع فيلم " مبروك حمودة " حيث تنبئك المشاهد الاولى بطرح قضية هامة وهى القرصنة التى تتعرض لها السفن المصرية وإهمال السلطات فى انقاذ المواطنين المصريين وكالعادة فلتت وصبئت الفكرة من معاطى رغما عنه لأن تلك هى امكاناته التى لابد ان يحترمها ويحترمنا معها. وقدم معاطى قبل عامين للدراما التليفزيونية مسلسل " ماما فى القسم " بطولة سميرة أحمد وهو النموذج الأقرب لما قدمه مؤخرا فى فيلم " تيتة رهيبة " حيث يحمل نفس التيمة ونفس الأخطاء أيضا ، ففى الفيلم الأخير أراد معاطى أن يطرح قضية هامة وهى غياب إحترام القيمة الذى يكون مصيره حتما هو الصدام وذلك من خلال الشاب رؤوف – محمد هنيدى صاحب الاداء النمطى - الذى وصل لسن الاربعون ولم يتزوج ويعمل فى أحد المتاجر الكبرى ويعيش مع جده رومان – عبد الرحمن ابو زهرة – بعد أن هاجرت جدته- سميحة ايوب- إلى ألمانيا بعد أن قامت بتربيته بالشدة والعنف مما نتج عنه تشوهات وعلل نفسية للبطل حيث سار يخشى أى شىء ولم يعد له رأى فى أى شىء .تعود تيتة الرهيبة من المانيا بعد وفاة رومان رمز الحرية المسئولة والتى كان رؤوف يتمناهما فى نفسه ، تعود الجدة لتمارس طقوس وجبروت السلطة والقهرعلى حفيدها وتتدخل بشكل سافر فى حياته الشخصية وتحقر دائما من طريقة ملبسه وكلامه بل وطعامه ودائما ما تقول له ان كلبيها أهم وأكثر فائدة منه وفى النهاية تتدخل فى نفقاته وتتولى هى الإنفاق بعد حصولها على أمواله ولا تناديه إلا بالحيوان أو الغبى سواء فى السر أو العلن أمام زوجته – إيمى سمير غانم التى قدمت دورا لم يضف لها شيئا- والتى وافقت الجدة على زواج حفيدها بها على مضض لبساطة أسرتها وهى إبنة الأسرة الأرستقراطية ساكنة مصر الجديدة . ظهور الجدة أو تيتة أحدث انقلابا سلبيا فى الفيلم حيث قطرها المؤلف فى لا وعى المشاهد طوال الأحداث على إنها إمرأة جبارة لاتقهر ، ولكن فجأة يأتى مشهد النهاية فى المحكمة التى لجأ اليها رؤوف لتفصل فى نزاعه على الشقة مع جدته حتى يعيش حياة حرة مع زوجته ولكننا نفاجىْ بتيتة كالملاك تبرر كل تصرفاتها السيئة بأنها نابعة من عظيم الحب لحفيدها وذلك فقط لأن " أعز الولد .. ولد الولد " كما جاء على لسانها ، فالتحول هنا غير منطقى للغاية فتلك الجدة لم تظهر رحمة تجاه حفيدها طوال حياتها وتعود لتدعى محبتها له وأنها كانت تربيه ! وتسقط الجدة فى المحكمة فى مشهد عبثى يعود بعدها الحفيد فى مشهد اكثر عبثية ليرتمى فى أحضانها لشعوره أنه أخطأ فى حقها وكأنه سار مدمننا لإهاناتها المستمرة وأسيرا لقمع جدته لحريته ولا يستطيع الحياة بدونها لينتهى الفيلم بضياع فكرة ذهبية بين أوراق سيناريو وحوار يوسف معاطى . هانى سامى