انطلاق امتحانات الفصل الدراسي الثاني بجامعة مطروح    براتب 7 آلاف ريال .. وظيفة مندوب مبيعات بالسعودية    مبيعات عربية تقود هبوط مؤشرات البورصة بمنتصف تعاملات الأربعاء    محافظ كفر الشيخ يبحث التعاون وفرص الاستثمار بالمحافظة مع هيئة الأوقاف    إزالة 10 تعديات على أملاك الدولة والأراضي الزراعية في حملات ب الشرقية    محافظ المنيا: 457.9 ألف أسرة مستفيدة من «تكافل وكرامة» منذ مطلع 2025    وزارة الدفاع الليبية تعلن بدء تنفيذ وقف إطلاق النار فى طرابلس    الخطوط الجوية الإيطالية تلغى رحلاتها إلى ليبيا غدا    محافظ الشرقية: لم نرصد أية خسائر في الممتلكات أو الأرواح جراء الزلزال    استوديو تحليلي من أرض الملعب.. أون سبورت تنقل بطولة أفريقيا لأبطال الكؤوس لكرة اليد    مبابي يقود الهجوم.. تشكيل ريال مدريد المتوقع ضد مايوركا في الليجا    «مش ابني».. أول تعليق من والد رامي ربيعة على أنباء رحيله عن الأهلي    لجنة التخطيط بالزمالك تحسم مصير محمد عواد مع الفريق    وزارة الرياضة لليوم السابع: التنسيق مع الخارجية وسفارة مصر بليبيا لعودة الرياضيين    حملات أمنية لضبط متجري المخدرات والأسلحة والهاربين من تنفيذ الأحكام    رئيس منطقة الإسماعيليّة الأزهرية يشهد انطلاق امتحانات الشهادتين الابتدائية والإعدادية    بعد تداول مقطع فيديو.. ضبط قائد سيارة لسيره عكس الاتجاه وإطلاق إشارات خادشة بالشروق    دون خسائر في الأرواح.. الحماية المدنية تسيطر على حريق نشب بمصنع غزل ونسيج بفوه في كفر الشيخ    إصابة 5 بطلقات نارية فى مشاجرة بين عائلتين بسوهاج    «ثقافة العريش» يناقش معوقات العمل الأدبى بشمال سيناء    مادي يحتقر القيم الفنية.. روبرت دي نيرو يهاجم ترامب في حفل تكريمه بمهرجان كان السينمائي    فتحي عبد الوهاب يوجه رسالة ل «عبلة كامل وعادل إمام ومحمد صبحي »    الرئيس الأمريكى يغادر السعودية متوجها إلى قطر ثانى محطات جولته الخليجية    «التأمين الصحي الشامل» يتوسّع في التعاقد مع المستشفيات الجامعية والخاصة    بالصور- محافظ الدقهلية يقود حملة تفتيشية على مخابز أوليلة ويرصد مخالفات جسيمة    للمرة الثالثة.. محافظ الدقهلية يتفقد عيادة التأمين الصحي بجديلة    "معرفوش ومليش علاقة بيه".. رد رسمي على اتهام رمضان صبحي بانتحال شخصيته    مدرب سلة الزمالك: سعداء بالفوز على الأهلي وسنقاتل للتأهل لنهائي دوري السوبر    فى نواصيها الخير    وزير «التعليم» يلتقى وفدا من البنك الدولى لبحث سبل تعزيز أوجه التعاون المشترك    ورش توعوية بجامعة بني سويف لتعزيز وعي الطلاب بطرق التعامل مع ذوي الهمم    الري: تحقيق مفهوم "الترابط بين المياه والغذاء والطاقة والبيئة" أحد أبرز مستهدفات الجيل الثاني لمنظومة الري 2.0    الصين: تعديل الرسوم الجمركية على المنتجات الأمريكية المستوردة اليوم    «ماسك» يشكر السعودية لدعم ستارلينك في الطيران    السجن المشدد 10 و15 سنة لشقيقين قتلا جارهما بالشرقية    مصر تدعو المواطنين المتواجدين فى ليبيا بتوخى أقصى درجات الحيطة    سيناريوهات تنتظر الفنان محمد غنيم بعد القبض عليه فى واقعة تهديد طليقته    إعلام عبري: الجيش الإسرائيلي ألقى 40 قنبلة خارقة للتحصينات في خان يونس أمس    بالصور.. جبران يناقش البرنامج القطري للعمل اللائق مع فريق "العمل الدولية"    وفد جامعة حلوان يشارك في المؤتمر العاشر لمنظمة المرأة العربية بالقاهرة    لدعم التعاون العلمي.. سفيرة رومانيا تزور المركز القومى للبحوث    وزير الثقافة: يجب الحفاظ على الهوية المصرية وصونها للأجيال القادمة    لاستقبال ضيوف الرحمن.. رفع كسوة الكعبة المشرفة استعدادًا لموسم الحج (صور)    اليوم..مصطفى كامل يستعد لطرح أحدث أعماله الغنائية "قولولي مبروك"    توقعات برج الدلو في النصف الثاني من مايو 2025.. أفكار جديدة ومكافأة مالية    الأدعية المستحبة عند حدوث الزلازل.. دار الإفتاء توضح    رئيس هيئة قناة السويس يدعو وفد «ميرسك» لتعديل جداول إبحارها والعودة التدريجية للعبور    رئيس الوزراء: الاقتصاد العالمي يدخل حقبة جديدة لا تزال ملامحها غير واضحة حتى الآن    عبد الغفار يشهد توقيع بروتوكول لتحسين جودة الرعاية الصحية في مصر    «الصحة العالمية» توصي بتدابير للوقاية من متلازمة الشرق الأوسط التنفسية    «الرعاية الصحية»: توقيع مذكرتي تفاهم مع جامعة الأقصر خطوة استراتيجية لإعداد كوادر طبية متميزة (تفاصيل)    وزير الخارجية: الدفاع عن المصالح المصرية في مقدمة أولويات العمل الدبلوماسي بالخارج    فرار سجناء وفوضى أمنية.. ماذا حدث في اشتباكات طرابلس؟    دون وقوع أي خسائر.. زلزال خفيف يضرب مدينة أوسيم بمحافظة الجيزة اليوم    دعاء الزلازل.. "الإفتاء" توضح وتدعو للتضرع والاستغفار    بيان عاجل خلال دقائق.. معهد الفلك يكشف تفاصيل زلزال القاهرة    فى بيان حاسم.. الأوقاف: امتهان حرمة المساجد جريمة ومخالفة شرعية    هل أضحيتك شرعية؟.. الأزهر يجيب ويوجه 12 نصيحة مهمة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شخصيات إسلامية - الإمام النووي
نشر في الفجر يوم 07 - 07 - 2012

هو الإِمام الحافظ شيخ الإسلام محيي الدين أبو زكريا يحيى بن شرف النووي نسبة إلى نوى، وهي قرية من قرى حَوْران في سورية. من أئمّة المذهب الشافعي. وهو صاحب أشهر ثلاثة كتب لا يكاد يخلو منها بيت مسلم وهي الأربعون النووية" و"الأذكار" و"رياض الصالحين".
ولد النووي رحمه اللّه في محرم عام 631ه في قرية نوى من أبوين صالحين، ولما بلغ العاشرة من عمره بدأ في حفظ القرآن وقراءة الفقه على بعض أهل العلم هناك، وصادف أن مرَّ بتلك القرية الشيخ ياسين بن يوسف المراكشي، فرأى الصبيانَ يُكرِهونه على اللعب، وهو يهربُ منهم ويبكي لإِكراههم، ويقرأ القرآن، فذهب إلى والده ونصحَه أن يفرّغه لطلب العلم، فاستجاب له.
وفي سنة 649 ه قَدِمَ مع أبيه إلى دمشق لاستكمال تحصيله العلمي في مدرسة دار الحديث، وسكنَ المدرسة الرواحية، وهي ملاصقة للمسجد الأموي. وفي عام 651 ه حجَّ مع أبيه ثم رجع إلى دمشق، وهناك أكب على علمائها ينهل منهم ..
أخلاقه وصفاته:
أجمعَ أصحابُ كتب التراجم أن النووي كان رأساً في الزهد، وقدوة في الورع، وعديم النظير في مناصحة الحكام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ومن أهمّ صفاته الزهد والورع.
يتحدث أبو العباس بن فروخ عن النووي فيقول: كان الشيخ قد صارت إليه ثلاث مراتب، كل مرتبة منها لو كانت لشخص شُدَّت إليه الرحال. المرتبة الأولى: العلم. والثانية: الزهد. والثالثة: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وقال الذهبي في "سير النبلاء": كان يؤثر عنه كرامات وأحوال.
وقال التقي محمد بن الحسن اللخمي: إنه ظهرت له الكرامات الكثيرة: من سماع الهاتف، ومن انتفاع الباب المقفل بالأقفال ورده كما كان، وانشقاق الحائط في الليل وخروج شخص له منه حسن الصورة، وكلامه معه في مصالح الدارين، واجتماعه بالأولياء الأخفياء وكاشفته هو للواحد بأحوال لا يعلمها إلا الله ثم صاحبها، وإعلامه بموته وهو بدمشق.
ومن قوة نفسه ملازمته لحيّة عظيمة في بيته بالرواحية، ويراها كلَّ قليل تخرج إليه ويضع لها لباباً تأكله، حتى أن بعضهم رآها في غفلة وهو يطعمها اللباب فقال له: يا سيدي ما هذه؟ وخاف، فقال: هذه خلق، من خلق الله لا تضر ولا تنفع، أسألك بالله أن تكتم ما رأيت، ولا تحدث به أحداً.
وأحواله كثيرة لا يسعها هذا المحل فرحمه الله، لقد كان من الدين بمكان الرأس من الجسد، ظهر له العلم فشمَّر إليه، ونظر إلى الخيرات فأفرغت عليه، إذا تكلم افتتح كلامه بالحمد لله والثناء عليه، وإذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم رفع صوته بالصلاة عليه
مما يروى عنه :
يذكر العطار: وذكر لي والده أن الشيخ كان نائماً إلى جنبه، وقد بلغ من العمر سبع سنين ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان، قال: فإنتبه نحو نصف الليل وأيقظني وقال: يا أبتي، ما هذا الضوء الذي قد ملأ الدار؟ فاستيقظ أهله جميعاً فلم نر كلنا شيئاً. قال والده: فعرفت أنها ليلة القدر.
شيوخه :
سمع أبا الفرج عبد الرحمن بن أبى عمر، ومحمد بن أحمد المقدسي وهو أجل شيوخه، وأبا إسماعيل بن أبى إسحاق إبراهيم ابن أبى اليسر وأبا العباس أحمد بن عبد الدائم، وأبو البقاء خالد النابلسي، وأبا محمد عبد العزيز بن عبد الله محمد بن عبد المحسن الأنصاري، والضياء بن تمام الحيصي، والحافظ أبا الفضل محمد بن محمد البكري، وأبا الفضائل عبد الكريم بن عبد الصمد خطيب دمشق، وأبا محمد عبد الرحمن بن سالم ين يحيى الأبناري، وأبا زكريا يحيى بن الفتح الصيرفي الحراني، وأبا إسحاق إبراهيم بن على بن أحمد بن فاضل الواسطي وغيرهم حياته العلمية .
حفظ الإمام النووي التنبيه في أربعة أشهر ونصف، وحفظ ربع العبادات من المهذب في باقي السنة، واستطاع في فترة وجيزة أن ينال إعجاب وحبَّ أستاذه أبي إبراهيم إسحاق بن أحمد المغربي، فجعلَه مُعيد الدرس في حلقته.
ثم درَّسَ بدار الحديث الأشرفية، وغيرها. وقد جمع إلى جانب الجدّ في الطلب غزارة العلم والثقافة المتعددة، وقد حدَّثَ تلميذُه علاء الدين بن العطار عن فترة التحصيل والطلب، أنه كان يقرأ كلََّ يوم اثني عشر درساً على المشايخ شرحاً وتصحيحاً، درسين في الوسيط، وثالثاً في المهذب، ودرساً في الجمع بين الصحيحين، وخامساً في صحيح مسلم، ودرساً في اللمع لابن جنّي في النحو، ودرساً في إصلاح المنطق لابن السكّيت في اللغة، ودرساً في الصرف، ودرساً في أصول الفقه، وتارة في اللمع لأبي إسحاق، ودرساً في أسماء الرجال، ودرساً في أصول الدين، وكان يكتبُ جميعَ ما يتعلق بهذه الدروس من شرح مشكل وإيضاح عبارة وضبط لغة.
تميزت حياة النووي العلمية بعد وصوله إلى دمشق بثلاثة أمور:
الأول: الجدّ في طلب العلم والتحصيل في أول نشأته وفي شبابه.
الثاني: سعَة علمه وثقافته، وقد جمع إلى جانب الجدّ في الطلب غزارة العلم والثقافة المتعددة، فقد كان يقرأ كلََّ يوم اثني عشر درساً على المشايخ شرحاً وتصحيحاً.
الثالث: غزارة إنتاجه، فقد بدأ به عام 660 ه، وكان قد بلغ الثلاثين من عمره، وقد بارك اللّه له في وقته وأعانه، فأذاب عُصارة فكره في كتب ومؤلفات عظيمة ومدهشة، تلمسُ فيها سهولةَ العبارة، وسطوعَ الدليل، ووضوحَ الأفكار. وما زالت مؤلفاته حتى الآن تحظى باهتمام كل مسلم.
كان لا يضيع له وقتاً في ليل ولا في نهار إلا في وظيفة من الأشتغال بالعلم حتى في ذهابه في الطريق ومجيئه يشتغل في تكرار أو مطالعة، وأنه بقي على التحصيل على هذا الوجه نحو ست سنين.
ثم اشتغل بالتصنيف والأشتغال و الافادة والمناصحة للمسلمين وولاتهم مع ما هو عليه من المجاهدة بنفسه، والعمل بدقائق الفقه والاجتهاد على الخروج من خلاف العلماء، و إن كان بعيد المراقبة لأعمال القلوب وتصفيتها من السوء، يحاسب نفسه على الخطرة بعد الخطرة.
وكان محققاً في علمه وفنونه مدققاً في علمه ولفنونه حافظاً لحديث رسول الله صلى الله عليه و سلم عارفاً بأنواعه كلها من صحيحه وسقيمه وغرب ألفاظه وصحيح معانيه واستنباط فقهه حافظاً المذهب الشافعي وقواعده وأصوله وفروعه، ومذاهب الصحابة والتابعين، واختلاف العلماء ووفاقهم وإجماعهم، وما أشتهر من ذلك جميعه، ومازال سالكاً في كل ذلك من طريقة السلف.
قد صرف أوقاته كلها في أنواع العلم والعمل فبعضها للتصنيف وبعضها للتعليم، وبعضها للصلاة، وبعضها للتلاوة، وبعضها للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ذكر لي صاحبنا أبو عبد الله محمد بن أبى الفتح البعلي الحنبلي الفاضل نفع الله به في حياة الشيخ رض الله عنه قال: كنت في أواخر الليل بجامع دمشق والشيخ واقف يصلي إلى سارية في ظلمة وهو يردد قوله تعالى (وَقِفُوهُم إنهم مَّسْئُولُونَ)، مراراً بنحيب وخشوع، حتى حصل عندي من ذلك شيء الله به عليم، وكان رضي الله عنه إذا ذكر الصالحين ذكرهم بتعظيم وتوقير واحترام وسودهم وذكر مناقبهم وكراماتهم.
وسمع منه خلق كثير من الفقهاء، وسار علمه وفتاويه في الآفاق، ووقع على دينه وعلمه وزهده وورعه و معرفته وكرامته الوفاق، وانتفع الناس في سائر البلاد الإسلامية بتصانيفه، وأكبوا على تحصيل تواليفه حتى رأيت من كنان سناها في حياته مجتهدا على تحصيلها وانتفاع بها بعد وفاته فرحمه الله ورضى عنه، وجمع بيننا وبينه في جناته.
ملامح شخصيته وأخلاقه:
الزهد و الورع تفرَّغَ الإِمام النووي من شهوة الطعام واللباس والزواج، ووجد في لذّة العلم التعويض الكافي عن كل ذلك. ويُروى أنّه سُئلَ: لِمَ لمْ تتزوَّج؟ فقال: نَسيت.
وفي حياته أمثلة كثيرة تدلُّ على ورع شديد، وكان لدار الحديث راتب كبير فما أخذ منه فلساً، بل كان يجمعُها عند ناظر المدرسة، وكلما صار له حق سنة اشترى به ملكاً ووقفه على دار الحديث، أو اشترى كتباً فوقفها على خزانة المدرسة، ولم يأخذ من غيرها شيئاً.
وكان لا يقبل من أحد هديةً ولا عطيّةً. وكان لا يقبل إلا من والديه وأقاربه، فكانت أُمُّه ترسل إليه القميص ونحوه ليلبسه، وكان أبوه يُرسل إليه ما يأكله، وكان ينام في غرفته التي سكن فيها يوم نزل دمشق في المدرسة الرواحية، ولم يكن يبتغي وراء ذلك شيئا.ً
وكان رحمه الله لا يأكل في اليوم والليلة إلا أكلة واحدة بعد العشاء الآخرة، ولا يشرب إلا شربة واحدة عند السحر، وكان لا يشرب الماء المبرد وكان لا يأكل فاكهه دمشق فسألته عن ذلك فقال: دمشق كثيرة الأوقاف، وإملاك من هو تحت الحجر شرعاً والتصرف لهم لا يجوز لأوجه الغبطة والمصلحة والمعاملة فيها على وجه المساقاة، وفيه اختلاف بين العلماء: فمن جوزها قال: جوزها بشرط المصلحة والغبطة لليتيم والمحجور عليه، والناس لا يفعلونها إلا على جزء من ألف جزء من الثمرة للمالك، فكيف تطيب نفسي بأكل ذلك.
وقال لي الشيخ العارف المحقق المكاشف أبو عبد الرحيم الأخميمي. قدس الله روحه ونور ضريحه: كان الشيخ محيي الدين رضي الله عنه سالكاً منهاج الصحابة. رضي الله عنهم، ولا أعلم في عصرنا سالكا، مناهجهم غيره.
وولي "رحمه الله" من الوظائف الدينية مشيخة دار الحديث الأشرفية. قال الذهبي: مع صغر سنّه ونزول روايته، في حياة مشائخه، بعد الإمام أبي شامة عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم بن عثمان، سنة خمس وستين "وستمائة"، إلى أن مات.
وكان رحمه الله لا يأخذ من أحد شيئا، ولا يقبل إلا ممن تحقق دينه ومعرفته، ولا له به علاقه من اقراء وانتفاع به قاصداً الخروج من حديث القوس، والجزاء في الدار الآخرة وربما أنه كان يرى نشر العلم متعيناً عليه مع قناعة نفسه وصبرها، والأمور المتعينة لا يجوز أخذ الجزاء عليها في دار الدنيا بل جزاؤه في الدار الآخرة شرعاً كالقرض الجار إلى منفعه فإنها حرام باتفاق العلماء.
وكنت جالسا بين يديه قبل انتقاله بشهرين ونحوها، وإذا بفقير قد دخل عليه وقال: الشيخ فلان يسلم عليك من بلاد صرخا، وأرسل معي هذا الإبريق لك، فقبله الشيخ وأمرنى بوضعه في بيت حوائجه، فتعجبت من قبوله فشعر بتعجبي وقال: أرسل إلى بعض فقراء زدبولا، وهذا إبريق فهذه آلة السفر.
ثم بعد أيام يسيره كنت عنده فقال لي قد أذن في السفر، فقلت كيف أذن لك؟ قال: أنا جالس هنا يعني ببيته في المدرسة الرواحية وقدامه طاقة مشرفة عليها مستقبلة القبلة إذ مر على شخص في الهوى ومر هنا. ومن كذا (يشير من غرب المدرسة إلى شرقها) وقال قم سافر لزيارة بيت المقدس.
وقد حملت كلام الشيخ على سفر العادة فإذا هو السفر الحقيقي. ثم قال: قم حتى تودع أصحابنا وأصحابنا فخرجت معه إلى القبور الذي دفن بها بعض مشايخه فزارهم، وقرأ شيئاً، ودعا وبكى ثم زار أصحابه الأحياء كالشيخ يوسف القفاعي والشيخ محمد الأخميمي وشيخنا الشيخ شمس الدين ابن أبي عمر شيخ الحنابلة.
ثم سافر صبيحة ذلك اليوم، وجرى لي معه وقائع، ورأيت منه أمور تحتمل مجلدات، فسار إلى نوى، وزار القدس والخليل عليه السلام ثم عاد إلى نوى، ومرض عقب زيارته بها في بيت والده فبلغني مرضه، فذهبت من دمشق لعيادته ففرح رحمه الله ثم قال لي: ارجع إلى اهلك وودعته وقد أشرف على العافية يوم السبت العشرين من رجب سنة ست وسبعين وستمائة ثم توفي ليلة الأربعاء المتقدم ذكرها الرابع والعشرين من رجب فبينما أنا نائم تلك الليلة مناد ينادي على سدة جامع دمشق في يوم جمعة الصلاة على الشيخ ركن الدين المرقع.
فصاح الناس لذلك النداء فاستيقظت فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، فلم يكن إلا ليلة الجمعة عشية الخميس إذ جاء الخبر بموته، وصلى عليه رحمه الله فنودي يوم الجمعة عقيب الصلاة بموته وصلى عليه بجامع دمشق، وتأسف المسلمون عليه تأسفاً بليغاً الخاص والعام، والمداح والذام ورثاه الناس بمراثي كثيرة سيأتي ذكرهاإن شاء الله تعالى.
كما عرف عنه ( رحمه الله ) أنه كان لا يأخذه في الحق لومة لائم ، وكان كثيرًا ما يكاتب الأمراء ، والوزراء ، وينصحهم لما فيه خير البلاد والعباد ، يورد الساخاوي منها ورقة الظاهر في ورقة لبَيْليك الخازندار بدر الدين نصها:
بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله يحيى النووي، سلام الله ورحمته وبركاته على المولى الحسن، ملك الأمراء: بدر الدين، أدام الله الكريم له الخيرات، وتولاه بالحسنات، وبلّغه من خيرات الآخرة والأولى كلَّ آماله، وبارك له في جميع أعماله، آمين.
وننهى إلى العلوم الشريفة أن أهل الشام هذه السنة في ضيق عيش وضعف حال، بسبب قلة الأمطار وغلاء الأسعار، وقلّة الغلات والنبات، وهلاك المواشي، وغير ذلك، وأنتم تعلمون أنه تجب الشفقة على الراعي والرعية، ونصيحته في مصلحته ومصلحتهم، فإن الدين النصيحة.
وقد كتب خَدَمَة الشرع الناصحون للسلطان، المحبون له: كتاباً بتذكرة النظر في أحوال رعيته والرفق بهم، وليس فيه ضرر، بل هو نصيحة محضة وشفقة تامة، وذكرى لأولي الألباب.
والمسؤول من الأمير "أيده الله تعالى" تقديمه إلى السلطان "أدام الله له الخيرات" ويتكلم عليه من الإشارة بالرفق بالرعية بما يجده مدّخراً له عند الله تعالى (يوم تجد كلُّ نفسٍ ما عملت من خيرٍ محضراً وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً ويحذّركم الله نفسه.
مؤلفاته:
صنف -رحمه الله- كتبا في الحديث والفقه عم النفع بها، وانتشر في أقطار الأرض ذكرها منها: المنهاج في الفقه، وشرح مسلم، ومنها المبهمات، ورياض الصالحين، والأذكار، وكتاب الأربعين، والتيسير في مختصر الإرشاد في علوم الحديث.
ومنها الإرشاد، ومنها التحرير في ألفاظ التنبيه، والعمدة في صحيح التنبيه، والإيضاح في المناسك، والإيجاز في المناسك، والمناسك الثالث والرابع والخامس والسادس، ومنها التبيان في آداب حملة القرآن ومختصره، ومنها مسألة الغنيمة، وكتاب القيام، ومنها كتاب الفتاوي ورتبته أنا، ومنها الروضة في مختصر شرح الرافعي، ومنها المجموع في شرح المهذب إلى المعراة.
ومنها كتب ابتدأها ولم يتمها، عاجلته المنية، وقطعة في شرح التنبيه، و قطعة في شرح البخاري، وقطعة يسيره في شرح سنن أبي داود، وقطعة في الإسناد على حديث الأعمال والنيات، وقطعة في الأحكام، وقطعة كبيرة في التهذيب للأسماء واللغات، وقطعة مسودة في طبقات الفقهاء، ومنها قطعة في التحقيق في الفقه إلى باب صلاة المسافر، ومنها كتاب المنهاج في مختصر المحور للرافعي وشرح ألفاظه منه، ومسودات كثيرة ، ويذكر تلميذه (ابن العطار) أنه ترك له مسوداتٍ كثيرة (نحو ألف كراس بخطه) وأمره بأن يغسلها في الوراقة فأطاعه راغمًا!!
أهم كتبه شرح صحيح مسلم" و"المجموع شرح المهذب"، و"رياض الصالحين" و"تهذيب الأسماء واللغات"، و"روضة الطالبين وعمدة المفتين"، و"المنهاج في الفقه" و"الأربعون النووية" و"التبيان في آداب حَمَلة القرآن" و"الأذكار من كلام سيّد الأبرار" و"شعار الأخيار في تلخيص الدعوات والأذكار المستحبّة في الليل والنهار"، و"الإِيضاح" في المناسك.
آراء العلماء فيه:
قال عنه الإمام الذهبي " الشيخ الإمام القدوة ، الحافظ الزاهد ، العابد الفقيه ، المجتهد الرباني ، شيخ الإسلام ، حسنةالأنام "
وقال الإمام ابن كثير " الشيخ الإمام ، العلامة الحافظ ، الفقيه النبيل ، محرر المذهب ومذهبه ، وضابطه ومرتبه ، ، أحد العباد والعلماء الزهاد ، كان على جانب كبير من العلم والعمل والزهد والتقشف ، والاقتصاد فى العيش والصبر على خشونته ، والتورع الذي لم يبلغنا عن أحد فى ومانه ولا قبله بدهر طويل" وقال فى حقه الإمام العلامة محمد بن علان الصديقي " شيخ الإسلام ، علم الأئمة الأعلام ، أوحد العلماء العاملين ، والأولياء الصالحين ، عين المحققين ، وملاذ الفقهاء والمحدثين ، وشيخ الحفاظ وإمام الحفاظ ، وإمام أرباب الضبط المتقنين "
وفاته:
وفي سنة 676 ه، رجع إلى نَوى بعد أن ردّ الكتب المستعارة من الأوقاف، وزار مقبرة شيوخه، فدعا لهم وبكى، وزار أصحابه الأحياء وودّعهم، وبعد أن زار والدَه زار بيت المقدس والخليل، وعاد إلى نوى فمرض بها وتوفي في 24 من رجب.
ولما بلغ نعيه إلى دمشق ارتجّت هي وما حولها بالبكاء، وتأسف عليه المسلمون أسفاً شديداً، وتوجّه قاضي القضاة عزّ الدين محمد بن الصائغ وجماعة من أصحابه إلى نوى للصلاة عليه في قبره.
وهكذا انطوت صفحة من صفحات عَلَمٍ من أعلاَم المسلمين، بعد جهاد في طلب العلم، ترك للمسلمين كنوزاً من المعرفة، لا زال العالم الإسلامي يتتلمذ عليها ويذكره بخير، ويرجو له من اللَّه تعالى أن تناله رحماته ورضوانه.
ورثاه الصاحب الفقيه الفاضل أبو عبد الله محمد بن عمر بن أحمد بن عمر المنيحى، نفع الله به، أحد فقهاء مدرسة الناصرية بدمشق المحروسة والساكن بها أديب مُغلق.
سًبُل العلوم تقطعت أسبابها ... وتعطلت من حليها طلابَها لمصيبة عزَّ العزاء لها كماً ... في الناس قدجلت وَجل مُصابها أيها الحَبْر الذي من بعده ... كل الفضائل غلقت أبوابُها


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.