التنمية الإدارية تنفى مسئوليتها عن الكشوف الانتخابية واللجنة العليا ترمى الكرة فى ملعب الداخلية
الصدمات قد تكون أهم خطوة على طريق الإفاقة، رغم أنها ليست بالضرورة روشتة العلاج.. كما أن العسل الذى نتجرعه قد لا نتمكن من معرفة ما به من سم إلا بعد أن يجرى من الإنسان مجرى الدم، وقتها لن ينفع الندم ولن نعرف للحقيقة طريقا، وسنظل فى متاهة قد لا تنتهى حتى بقرار من ملك الموت.. أحدثكم عما نشرته هنا الأسبوع الماضى وبالمستندات عن تزوير الانتخابات.. الواقعة التى لا يريد أحد أن يصدقها.. عن الأرقام التى كنا نفهم أنها لا تكذب على الإطلاق.. لا يريد أحد أن يصدق خاصة الذين مرت من بين أيديهم العملية الانتخابية.. كل من شارك وأشرف عليها.. كل واحد منهم له مصلحة أن تكون هذه الانتخابات نزيهة لا يأتيها الباطل من بين يديها أو خلفها.. كل واحد منهم استمات فى الدفاع عن نزاهة الانتخابات ولم يقم دليلا عليها.. بل إنه لم يقبل بما قدمه إبراهيم كامل من مستندات يراها دامغة.
فاروق فرحات أحمد محمد أبوسنة، عندما يتكرر أربع مرات فهذا يعنى أنه منذ مائة عام تزوج أربعة اشخاص اسمهم أبوسنة وأنجبوا هم جميعا أولادا أطلقوا عليهم اسم محمد، وبعد عشرين سنة تزوج هؤلاء الأربعة وأنجبوا أربعة أبناء اسمهم أحمد، وبعد عشرين عاما تزوج هؤلاء الأربعة وأنجبوا أولادا اطلقوا عليهم جميعا اسم فرحات، وبعد عشرين سنة أخرى قرر الأربعة «فرحات» أن يتزوجوا.. فأنجبوا أولادا اطلقوا عليهم اسم فاروق.
ما هو احتمال أن يتكرر هذا الاسم لأربع مرات؟
هذا السؤال فى حقيقة الأمر كانت له إجابتان مختلفتان تماما، الأولى جاءت من مدينة نصر، حيث مقر وزارة الدولة للتنمية الإدارية وعلى لسان طارق سعد مدير برنامج البيانات القومية، فقال إن احتمال حدوث هذا جائز ومرتفعة للغاية، وإن التكرار الذى يشاع هو فى حقيقة الأمر تشابه، وليس تكرارا، لأن الاسم الذى قيل إنه تكرر 28 مرة وهو محمد على محمد علي، هو فى حقيقة الأمر تشابه لأنه انتقل من محافظة المنوفية إلى كل محافظات مصر، فمثلا فى القاهرة هناك 598 مواطنًا يحملون هذا الاسم، وفى جنوبسيناء أربعة يحملون هذا الاسم، المفاجأة أن هناك 3623 مواطنًا يحملون نفس الاسم على مستوى مصر كلها.
الإجابة الثانية جاءت من الدكتور إبراهيم كامل مكتشف قضية تكرار الأسماء، فقال: ما قاله السادة فى وزارة التنمية الإدارية مردود عليهم.. وعليهم أن يجيبونا عن السؤال بأى قاعدة علمية يمكن أن يحدث ما يقولونه، قد يقبل العلم والمنطق والعقل أن يتكرر الاسم بهذه الأعداد إذا كان ثلاثيا.. لكن أن يتكرر بهذه الضخامة فى اسم خماسى فهذا أمر غير مفهوم، وضرب مثلا بنفسه عندما كان يستخرج شهادة من المركز الرئيسى للضرائب.. فكان ولابد من البحث فى قاعدة بيانات تحتوى على 30 مليون مواطن، وعندما بحثوا باسمه الثلاثى اكتشفوا أن هناك تشابها بلغ 12 اسما، وعندما بحثوا باسم رباعى هبط التشابه إلى 5 فقط، بينما عندما بحثوا بالاسم الخماسى لم يكن هناك أحد سواه.
ويكمل الدكتور إبراهيم، أنا رجل أقدر العلم ولا أجادل فيه على الإطلاق، لكن أن أجد مسئولين يسعون بكل ما أوتوا من قوة كى يقنعونا بعكس كل نظريات الاحتمالات وكل قواعد المنطق وعلم الإحصاء، فهذا أمر لا أجد القدرة على تحمله، لأن العلم يقبل أن يتشابه الاسم الثلاثى وأحيانا الرباعى بنسب، لكن أن يتشابه الخماسى والسداسي.. فهذا تكرار وأتحدي.
سألنا الدكتور اشرف عبد الوهاب القائم بأعمال وزارة التنمية الإدارية عن أصل قاعدة البيانات التى على أساسها أجريت الانتخابات هل منشأها التنمية الإدارية أم من وزارة الداخلية؟، فقال نحن من أنشأنا مشروع الرقم القومى الذى أشرف عليه الدكتور أحمد درويش الوزير السابق.. ونحن من جهزنا برامج توزيع الناخبين على اللجان العامة والفرعية، لكن كل البيانات التى لدينا هى نسخة من البيانات الموجودة بوزارة الداخلية وتحديدا إدارة الأحوال المدنية، وبالتالى فنحن مسئولون عن البيانات التى خرجت من بين أيدينا، أما الكشوف التى فى اللجان الفرعية فهى ليست مسئوليتنا، بل مسئولية اللجنة العليا للانتخابات.
الدكتور إبراهيم كامل أجاب عن هذا السؤال أيضا.. وقال لماذا وضعت وزارة التنمية الإدارية فى المنتصف بين وزارة الداخلية واللجنة العليا للانتخابات.. رغم أن اللجنة العليا خلت من أى عضو من وزارة التنمية الإدارية، فى حين أن مساعد وزير الداخلية هو عضو فى اللجنة العليا، هذا أولا.
ثانيا: إذا كان الدكتور اشرف عبدالوهاب قد اعترف لك مثلما اعترف لى بأن وزارته ليست مسئولة سوى عن البيانات التى قدمتها للجنة العليا فقط.. لماذا إذن تصدوا لنفى واقعة لا يعلمون عنها شيئا، وبادروا بالهجوم علينا وهم ليسوا سوى طرف تم اقحامه لإبعاد أى شبهة حول تدخل الداخلية فى كشوف الناخبين؟ وهو أمر مخالف لصحيح القانون الذى ألزم اللجنة العليا بأن تتولى بنفسها إعداد وترتيب الكشوف الانتخابية.. وبالتالى فهى المسئولة قانونا.
زميلنا طارق حافظ حمل كلمات الدكتور إبراهيم والدكتور اشرف إلى المستشار يسرى عبد الكريم رئيس المكتب الفنى للجنة العليا للانتخابات، فكانت إجابته كالتالي: وزارة الداخلية هى من تقوم بحصر أسماء المواطنين على مستوى جميع المحافظات، وهى من تقوم بوضع الكشوف النهائية لمن يحق لهم التصويت، وهى من تقوم باستبعاد من ليس لهم حق التصويت وفقا للقانون، وهى من تقوم بتوزيع البيانات على المرشحين فى مديريات الأمن بالمحافظات على أسطوانات مدمجة مدون بها الكشوف الخاصة بالناخبين بكل دائرة.. وبالتالى فإن العملية برمتها بيد وزارة الداخلية.
عبد الكريم أضاف أن التكرار المزعوم لا يثبت وجود تزوير فى الانتخابات.. أو أنه قد شابها عوار، لأنها قد تكون أسماء لأشخاص مختلفين ولكن بأسماء متطابقة وهو أمر وارد الحدوث، ومع ذلك.. فإن الفيصل هنا هو الرقم القومى للناخب.. فإذا لم يحدث تطابق بطل الحديث عن التكرار أو التزوير، وهو أمر يحتاج إلى أدلة قاطعة، ومع ذلك أعلنها للجميع أن اللجنة العليا للانتخابات على استعداد كامل لتنفيذ أى حكم قضائى مهما كان.
سألت المهندس طارق سعد: لماذا لم تتضمن كشوف الناخبين الموزعة على المرشحين أرقام البطاقات القومية؟ قال إن القانون رقم 83 لسنة 72 فى مادته العاشرة الذى سمح لنا بمنح المرشحين كشفا باسماء الناخبين ألزمنا أيضا بعدم التعرض للحياة الخاصة للمواطنين.. وبالتالى فإن معرفة الارقام القومية أو العناوين يعد انتهاكا لهذه الحياة الخاصة؟
ويبدو أن الدكتور إبراهيم كامل قد التقط تناقضا ما فى كلام المهندس طارق.. حيث قال إن أشرف عبد الوهاب قال نفس الكلام، بل وزاد عليه وقال إن القانون يمنعه من الكشف عن أرقام اللجان الانتخابية وأرقام الناخبين داخل هذه اللجان، فى حين أن الكشوف الموزعة على بعض مرشحى الإسكندرية كان مدونا بها أرقام بطاقة الرقم القومي، وأن الكشوف التى تسلمها فى المنوفية تحمل أرقام الناخبين وأرقام اللجان الانتخابية لهم، إذا إما أن اللجنة العليا للانتخابات قد خالفت القانون، أو أن وزارة التنمية الإدارية تتحدث عن أمر لا علاقة لها به.
وبالتالي.. فإن القول الفصل عند وزارة التنمية الإدارية أنه لا وجود لشبهة تزوير أو تكرار للاسماء، فى حين أن مستندات الدكتور إبراهيم كامل تغرس سيفا كبيرا من الشك فى قلب العملية الانتخابية، وترجح فكرة التلاعب؟
كان من المفترض أن يتم اللجوء إلى أمر بسيط جدا كان سيكلفنا عناء التشكيك والبحث والنشر والبلبلة، وهو أن يكشف السيد رئيس المحكمة الابتدائية بالمنوفية والغربية والدقهلية عن كشوف الناخبين التى وقع فيها كل ناخب قبل التصويت.. والتأكد مبدئيا من وجود تصويت مكرر.. أم أن التكرار لم يفسد العملية الانتخابية وإن كان أفسد قاعدة الناخبين.
لكن القاضى رفض وبشدة، لماذا؟ لأن القاضى هو فى نفس الوقت رئيس اللجنة العامة للانتخابات، إذا هو الحكم والخصم فى الوقت نفسه بامتناعه عن تبيان الحقيقة.
لجأ المتضررون إلى القضاء الادارى فى كل محافظة، ومنها حصلوا على أمر تمكين من الاطلاع على كشوف الناخبين المحرزة والمحفوظة بمعرفة رئيس اللجنة العامة للانتخابات فى هذه المحافظات، لكن القاضى رئيس اللجنة العامة للانتخابات رفض تنفيذ أمر القاضى رئيس المحكمة الإدارية.
من هنا اشتعل الموقف وأمسكت نيران الشك فى تلابيب العملية الانتخابية، ومازال الجميع فى غيبوبة، التى يبدو أنهم لن يفيقوا منها إلا بعد أن تتمكن النيران من جسر الثقة فى العملية الانتخابية برمتها.
وحتى أضرب لكم مثلا على حجم التخبط الذى نعيش فيه خاصة فى لغة الأرقام التى قيل لنا كذبا إنها أصدق اللغات، فاللواء رفعت قمصان أكد أن قاعدة الناخبين تبلغ 50 مليونًا و650 ألف مواطن بعد تنقية الجداول من المتوفين والعاملين بالشرطة والقوات المسلحة.
فى حين أن اللواء أبوبكر الجندى وهو رئيس الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء والحكم الفصل فى أى رقم احصائي، اكد أن من يزيد عمرهم على 18 سنة ويحق لهم تلقائيا الإدلاء بأصواتهم فى الانتخابات، دون حذف أو رفع أسماء الممنوعين من الادلاء بأصواتهم وفقا للقانون يبلغون 49 مليون مواطن فى الأول من يوليو 1102.
ماذ يعنى هذا؟
يعنى أن هناك فرق مليون ونصف على الأقل، اضف إلى هذا الفرق 2 مليون شخص تقريبا هم العاملون بالشرطة والجيش والممنوعون من ممارسة حقوقهم السياسية، سيقفز الفارق إلى ثلاثة ملايين ونصف المليون.
هل توقف الشك والريبة عند هذا الحد؟ بالطبع لا.
فهناك كارثة اسمها الاموات فى كشوف الناخبين، الذين يستحيل عمليا أن تتم تنقية الجداول منهم، وأن كل التصريحات الهلامية التى تخرج فى هذا الشأن لا تعدو كونها «طق حنك» لعدة أسباب لست صاحبها.. بل الباحثون والمسئولون بوزارة التنمية الإدارية هم من أكدوها لي، لأن المشكلة الأساسية تكمن فى وزارة الصحة.. لأن أسلوب تسجيل المواليد والوفاة لديها لا يخضع للميكنة ولا لقواعد صارمة، وهناك تراخ رهيب فى كتابة اسم المتوفى وعدم تدقيق فى كتابة أسماء المواليد بخط واضح أو بياناتهم وبيانات الوالد والوالدة.
وإذا علمنا أن معدل الوفيات السنوى هو نصف مليون مواطن، ومع صعوبة بالغة -كما يؤكد مسئولو التنمية الإدارية فى رفع هذه الأسماء، فأنا أمام قاعدة بيانات تحتاج جهدا كبيرا لتنقيتها باستمرار.
نحن لا نتمنى أن يصدق إبراهيم كامل فيما ذهب إليه، ونريد أن نجنب مصر ويلات العودة للمربع صفر من أول وجديد، لكن إذا كان ما يقوله صحيحا.. فعلينا أن نتحلى بالشجاعة وأن نواجه الموقف مهما كان عصيبا.. وإلا نلجأ لدفن الرءوس فى الرمال- كما يفضل القائمون على إدارة البلاد فعله