لعب مباراة مع الأطفال، محافظ الدقهلية يزور دار الأيتام بالمنصورة للتهنئة بعيد الأضحى (صور)    رغم فتح المجازر مجانًا، أهالي أسيوط يذبحون الأضاحي بالشوارع (صور)    ريبيرو: جئنا مبكرًا للتأقلم مع الأجواء.. وسنسعى لإظهار شخصية الأهلي في الملعب    رئيس مدينة طامية بالفيوم يتعرض لحادث تصادم    جامعة القناة تعلن خطة التأمين الطبي بالمستشفيات الجامعية خلال عيد الأضحى    حماس: مستعدون لمفاوضات جدية وهادفة لوقف إطلاق النار ورفع الحصار عن غزة    وزير العمل يلتقي وفدًا من المنظمة الدولية لأصحاب الأعمال    سعر الدولار اليوم الجمعة 6 يونيو 2025 بجميع البنوك اول ايام عيد الأضحي المبارك    مصرع طالب بكلية الصيدلة في حادث سير أثناء توجهه لأداء صلاة العيد ببني سويف    بيني بلانكو: أحلم بتكوين أسرة وإنجاب أطفال مع سيلينا جوميز    80 ألف فلسطيني يؤدون صلاة العيد في المسجد الأقصى (صور)    محافظ الدقهلية يتفقد مستشفى التأمين الصحي بسندوب ويوزع الكعك على المرضى (صور)    وزير الدفاع الإسرائيلي: لن يكون هناك هدوء في بيروت ولا استقرار في لبنان وسنواصل العمل بقوة كبيرة    ماسك يفتح النار على الرئيس الأمريكي ويوافق على مقترح بعزله ومراهنات على «الفائز»    محافظ الدقهلية يشهد ذبح الأضاحي بمجزر طنامل لتوزيعها على الأولى بالرعاية    عمر جابر: الزمالك كان يحتاج الفوز بكأس مصر.. وأثق في العودة للمنتخب    أهالي القليوبية يؤدون صلاة العيد بساحات وملاعب مراكز الشباب (صور)    محافظ الجيزة يؤدي صلاة عيد الأضحى المبارك بساحة مسجد مصطفى محمود    أسعار اللحوم اليوم الجمعة اول ايام عيد الاضحى المبارك    مصرع سيدة وإصابة 3 في انقلاب سيارة بطريق «رأس غارب- المنيا»    وسط أجواء احتفالية.. الآلاف يؤدون صلاة العيد في الإسكندرية    العيد تحول لحزن.. مصرع شقيقان وإصابة والدتهما فى حادث تصادم بقنا    المئات يؤدون صلاة عيد الأضحى بساحة ميدان الساعة في دمياط    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الجمعة اول ايام عيد الاضحى المبارك    وفاة الملحن الشاب محمد كرارة (موعد ومكان الجنازة)    محافظ شمال سيناء يؤدي صلاه العيد في مسجد الشباب بالشيخ زويد    محافظ جنوب سيناء يؤدي صلاة عيد الأضحى المبارك بمسجد المصطفى بشرم الشيخ    محافظ الفيوم يؤدي صلاة عيد الأضحى المبارك بمسجد ناصر الكبير    آلاف يؤدون صلاة عيد الأضحى في 214 ساحة بسوهاج (فيديو وصور)    محافظ القليوبية يوزع الورود على الزائرين بمنطقة الكورنيش ببنها    بالصور.. آلاف المصلين يؤدون صلاة العيد في المنصورة    فرحة العيد تملأ مسجد عمرو بن العاص.. تكبيرات وبهجة فى قلب القاهرة التاريخية    الرئيس السيسي يغادر مسجد مصر بالعاصمة بعد أداء صلاة عيد الأضحى المبارك    فى أحضان الفراعنة ..آلاف المواطنين يؤدون صلاة العيد بساحة أبو الحجاج الأقصري    بعد صلاة العيد.. شاهد مظاهر الاحتفال بعيد الأضحى من محيط مسجد مصطفى محمود    أوكرانيا تتعرض لهجوم بالصواريخ والمسيرات أسفر عن إصابة ثلاثة أشخاص    هبة مجدي: العيد يذكرني بفستان الطفولة.. وبتربى من أول وجديد مع أولادي    وعلى أزواج سيدنا محمد.. تكبيرات عيد الأضحى المبارك بمحافظة أسوان.. فيديو    تدخل عاجل بمجمع الإسماعيلية الطبي ينقذ شابة من الوفاة    «علي صوتك بالغنا».. مها الصغير تغني على الهواء (فيديو)    عيدالاضحى 2025 الآن.. الموعد الرسمي لصلاة العيد الكبير في جميع المحافظات (الساعة كام)    سنن وآداب صلاة عيد الأضحى المبارك للرجال والنساء في العيد (تعرف عليها)    بينها «الفرجة والسرور».. هذا ما كان يفعله رسول الله في عيد الأضحى المبارك    «محور المقاومة».. صحيفة أمريكية تكشف تحركات إيران لاستعادة قوتها بمعاونة الصين    خاص| الدبيكي: مصر تدعم بيئة العمل الآمنة وتعزز حماية العاملين من المخاطر    محافظ القليوبية يتابع استعدادات وجاهزيه الساحات لاستقبال المصلين    «زي النهارده» في 6 يونيو 1983.. وفاة الفنان محمود المليجى    عبارات تهنئة رومانسية لعيد الأضحى 2025.. قلها لحبيبك فى العيد    «ظلمني وطلب مني هذا الطلب».. أفشة يفتح النار على كولر    الفرق بين صلاة عيد الأضحى والفطر .. أمين الفتوى يوضح    بالفيديو.. استقبال خاص من لاعبي الأهلي للصفقات الجديدة    أحمد سمير: هدفنا كان التتويج بالكأس من اليوم الأول.. حققت كأس مصر كلاعب واليوم كمدرب    بعد التتويج بالكأس.. الونش: الفوز بالكأس أبلغ رد على أي انتقادات    طرح البرومو الرسمي لفيلم the seven dogs    خطوات عمل باديكير منزلي لتحصلي على قدمين جميلتين في عيد الأضحى    صبحي يكشف سبب حزنه وقت الخروج وحقيقة سوء علاقته مع عواد    قطر تهزم إيران بهدف نظيف وتنعش آمالها في التأهل إلى مونديال 2026    في وقفة العيد.. «جميعه» يفاجئ العاملين بمستشفى القنايات ويحيل 3 للتحقيق (تفاصيل)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عادل حمودة يكتب : 25 يناير سيناريو شديد الانفجار
نشر في الفجر يوم 14 - 01 - 2012

■ أسوأ ما يحدث الآن هو التعامل مع الذين أشعلوا الثورة والذين ساندوها على أنهم مجرمون ومتهمون وهو ما فرق بين الثوار والجيش ■ قتلة الثوار يتعاملون بغطرسة ويُتركون باطمئنان مذهل.. بينما أسر الشهداء يعانون الأمرين وإذا ما احتجوا كان مصيرهم الإهانة.
■إن بناء ديكور لميدان التحرير فى استاد القاهرة للاحتفال بالثورة لا تفسير له سوى أن المحتفلين بها لا يجرأون على النزول إلى الميدان ■ الذين يخشون من الانفجار يدعون إليه والذين يحذرون من الفوضى يوصلوننا إليها.. والذين يدعون إلى الفرح يصرون على تحويله إلى جنازة.


يدخل حبيب العادلى قاعة المحاكمة فى أكاديمية الشرطة وكأنه نجم سينما.. يمثل دور البطولة فى فيلم تدور أحداثه فى السجن.. ما إن ينتهى التصوير حتى يعود إلى بيته وفراشه وحمامه وشاى الساعة الخامسة الذى يتناوله مع البيتيفور والبان كيك والجاتوه سواريه.

لا تبدو عليه آثار الزنزانة.. ولا تقرأ فى ملامحه اكتئاب السجين.. فإما هو فى محبس خمسة نجوم.. وإما تبلد شعوره.. وماتت أحاسيسه.. وإما لا يزال يعيش فى دور وزير الداخلية الذى يفتش على ليمان طرة.

ومن شدة إعجابه بنفسه.. وزهوه بثروته.. بدا فى ملابس زرقاء أنيقة ومتميزة.. وكأنه مانيكان يستعرض آخر صيحات الموضة فى ثياب المجرمين.. فالسويتر الذى يرتديه من بيت الأزياء الإيطالى «كنالى».. والكاب من تصميم الأمريكى «رالف رولين».. والحقيبة السوداء الصغيرة التى يمسكها فى يده من كتالوج الألماني «مون بلون».

ولا يقل شريكاه فى المحاكمة علاء وجمال مبارك أناقة عنه.. فكل شىء يرتديانه محسوب بدقة.. وكأنهما يقتسمان معه بطولة الفيلم.. ويثقون بأن المخرج عندما يقول «فركش» سيعودون إلى السلطة التى حكموا بها.. وربما لهذا السبب يطلق أهالى الشهداء على المحاكمة وصف «المسرحية».

وما إن يدخل مبارك الكادر حتى تتجه الأنظار إليه.. فكل جلسة محاكمة بثياب ملونة.. مختلفة.. مستهترا بالقانون الذى يجبره على الاكتفاء بالملابس البيضاء.. وهو مجنون بالنظارات السوداء.. ويضع على عينيه فى كل مرة واحدة مختلفة غير التى سبقتها.. فالرجل لا يزال يحكم ويسيطر ويأمر حتى لو طالبت النيابة بإعدامه.. فهو يأتى فى طائرة طبية لم نر مثلها من قبل.. وتنتظره سيارة إسعاف مخصصة له وحده.. لا يجوز لغيره على ما يبدو استخدامها؟! وينتظره جنود من المظلات.. يشكلون أرقى وحدات فى الجيش المصرى. ما كل هذا التدليل السخيف.. ما كل هذا التمييز المثير للسخط؟! فهو فى النهاية مثله مثل غيره من المتهمين.. لا يجوز منحه حماية وحصانة وحراسة مميزة مهما كانت الدوافع والمبررات.

وقد فقد شجاعته فى المواجهة العلنية.. وفضل أن يحاكم راقدا على ظهره.. ليحبك دراما المرض التى يتقنها.. ويتكفن بها.. فقد سبق أن وضع ساقه فى الجبس يوم اختلف مع أنور السادات.. فى واقعة شهيرة.. يشهد عليها منصور حسن.. وكان وقتها وزيرا لشئون الرئاسة.

ولو كان يؤمن فى قرارة نفسه بأنه لم يخطئ فلماذا لا نسمع صوته؟.. لماذا يظل راقدا.. صامتا.. عاجزا عن أن يكون فى جرأة صدام حسين الذى واجه قضاته بشجاعة.. وواجه حكم الإعدام بصلابة.. مسحت بعضا من ذنوبه التى وضعته فوق قائمة أكثر الحكام العرب إجراما؟

وكى نعرف حجم الرفاهية التى يتمتع بها مبارك نقرأ داخل العدد تقريرا للصحيفة الإسرائيلية «يديعوت أحرونوت» (ترجمه الحسين محمد) عن حياة الرئيس الإسرائيلى كاتساف فى السجن بعد الحكم عليه فى جريمة اغتصاب امرأة.. وهى بالقطع لا تساوى شيئا أمام جريمة اغتصاب أمة .. التى ارتكبها مبارك.

كاتساف ينظف الحمامات.. ويسخن طعامه.. ولا يشاهد التليفزيون.. ويأكل اللحم مرتين فى الأسبوع.. ويشاركه الزنزانة الضيقة وزير حكم عليه فى قضية رشوة.. ولا يسمح له إلا بقراءة الصحف الدينية.. الرئيس هناك مسجون عادى.. والرئيس هنا مسجون سوبر.

وبينما نجد مشاهد المتهمين بالضرب والسحل والخطف والقتل بهذه الصور الناعمة.. المستريحة.. المدللة. نجد مشاهد أسر الشهداء مختلفة تماما.. وجوه مرهقة.. غاضبة.. يغطيها الحزن واليأس والتراب.. ويواجهها جنود أمن شرسون.. مستعدون لمزيد من البطش والعض.

القتلة يتصرفون بشموخ وغطرسة.. ويبتسمون بشفاه مستهترة.. ويتحركون باطمئنان مذهل.. وأصحاب الحق يعانون الأمرين.. ليس لهم صوت يدعمهم.. أو قوة تساندهم.. ومصيرهم المحتوم هو الإهانة لو فكروا فى الاعتصام أو الاحتجاج أو الإضراب.

وربما لهذا السبب فقدوا الثقة فى القانون.. إما لحباله الطويلة التى لا تطفئ النار المشتعلة فى صدورهم.. وإما لتسلل محامى المتهمين من ثغراته كى يأتوا بالبراءة لموكليهم على طبق من كريستال شفاف.. وهو ما يُعدم الإيمان بالعدالة.. ويفتح الباب للانتقام الشخصي.. لتصبح مصر غابة تزأر بما فى النفوس المظلومة المكلومة المقهورة من أسود ونمور وصقور جارحة.

لقد سمعت على محطة «نجوم إف أم» تهديد تامر رضوان.. شقيق أحد شهداء السويس.. بالانتقام.. إن أسر الشهداء فى السويس والقاهرة والإسكندرية قرروا تكوين فرقا للقصاص من قتلة أبنائهم.. لو القضاء لم يعاقبهم قبل 25 يناير القادم.. بعد عام كامل على قتلهم.

شقيق تامر رضوان قتل بين يديه.. سال دمه الساخن على ثيابه.. ويخشى أن يبرد بالتباطؤ الذى يصر على أنه تواطؤ.. فكان أن جمع هو و«من معه» فيديوهات وصورا وأدلة يرى أنها تدين المتهمين.. كما رصدوا عناوين الضباط وخطوط سيرهم.. وكل المعلومات عن عائلاتهم.

وجملة «من معه» تعنى 3500 أسرة شهيد.. و15 ألف شاب من تكتلات وأحزاب الثورة.. سيتجمعون فى التحرير يوم 25 يناير ليعلنوا تشكيل «كتائب الشهداء» فى العاشرة صباحا.. يتوجه بعضها على الفور إلى سجن طرة.

ولا ينكر الرجل أن معهم أسلحة.. بجانب فتوى من دار الإفتاء السعودية بأخذ الدم بأنفسهم.. حصل عليها وقت أن كان يحج.. العين بالعين.. والسن بالسن.. والقصاص باليد.. دون التنازل عن الدية.. وهى فتوى ساندها مفتى مصر الأسبق نصر فريد واصل.

ويعتبر تامر رضوان أن القضاء.. مات.. وقال: إنهم سينصبون له فى السويس سرادق عزاء.. ثلاثة أيام.. ويتركون مقعدا فى الصدارة لمندوب المجلس العسكرى.. فالحزن يسيطر على بيوت الشهداء.. والقتلة يمرحون.. طبقا لشعار : «اقتل شهيدا يفرج سبيلك» المرفوع على ميدان الأربعين.

وأخطر ما فى هذا الكلام هو المنطق المقنع الذى يغطيه.. لكن.. كيف تضمن كتائب الشهداء أن من سيقتلونهم هم الجناة؟.. كيف يطمئنون بضمير مستريح أنهم لن يطلقوا النار على شخص مظلوم.. برىء؟.. كيف يثقون أن الرصاص الذى سيخرج من بنادقهم لن يضاعف من مساحة الظلم.. ومساحة الدم.. ومساحة الفوضى؟

إن الثأر فى الصعيد قضية محصورة فى عائلات بعينها.. تعرف القاتل قبل أن يقتل.. وهو أمر يختلف عن القتل فى المظاهرات والتجمعات كثيفة البشر فيما يوصف بشيوع الجريمة.. هنا يجب أن يتدخل القانون برجاله وأدواته وإمكاناته وأجهزته.. ولو كان أهالى الشهداء يمتلكون الأدلة الدامغة فلماذا لم يقدموها إلى القضاء؟.. لماذا لم ينشروها على القنوات التليفزيونية والمواقع الإلكترونية ويضاعفوا من كثافة الضغوط وشدتها؟

أعرف أن من يده فى الماء غير من يده فى النار.. لكن.. أعرف أيضا أن الشهداء ضحوا بحياتهم من أجل التخلص من عيشة مقهورة.. وحرية مفقودة.. وعدالة منقوصة.. فكيف يكون ثمن تضحياتهم مزيدا من الفوضى المقصودة؟

إن القانون الذى لا يحقق العدل يجب أن يتغير.. والقاضى المنحاز يجب أن يرحل.. والحق الذى يصر عليه أصحابه لا يضيع مادام وراءه مطالب.. لكن.. لا يمكن أن نعالج خطأ بخطأ.. وجريمة بجريمة.. مهما كانت نبل الدوافع وسلامة المبررات.

وأخشى أن تكون هذه البداية فى مسلسل طويل مؤلم.. يأخذ فيه كل شخص حقه بيده.. اللص الذى نقبض عليه نقيم عليه حد الحرابة.. المرأة التى تخرج مع غريب عنها نقيم عليهما حد الزني.. الرجل الذى لا يطلق لحيته نرجمه بتهمة الكفر.. الموظف الذى لا يحصل على حقه يقتل مديره.. كل من يتصور فى نفسه شيئا ينفذه.. وكتائب الإعدام ستفتح الباب أمام كتائب الأمر بالمعروف.

وما يزيد المأساة.. أن المجتمع يعيش الآن ما يمكن وصفه بحالة احتقار القانون.. وعدم الاكتراث به.. والقبول الفورى بالخروج عليه.. فالطفلة التى تموت تحت عجلات قطار يوقف أهلها حركة القطارات بالساعات.. والأهالى الذين يرفضون بقاء مصنع على أرض محافظتهم لا يغلقون أبوابه فقط وإنما يوقفون العمل فى الميناء المجاور له.. والتلميذ الذى تعاقبه مدرسته لخروجه عن حدود الأدب يرد لها الصاع صاعين وينشر صورتها على جسم عار فى شبكة الفيس بوك. إن تضحية الشهداء يجب أن تظل على قدسيتها وطهارتها وألا تتعرض لما ينتقص منها.. أو يؤرق أصحابها.. وهم أحياء عند ربهم يحسبون.

وقد توقعت أن نكرم الشهداء بوضع أسمائهم على الشوارع التى سقطوا على أرضها.. أو على المدارس التى تخرجوا فيها.. توقعت أن تؤلف كتب عنهم.. وندرس سيرتهم.. ونعلق صورهم.. توقعت أن يمنحوا أرفع الأوسمة.. وينالوا مكافأة مغرية.. ومعاشا خاصا محترما.. توقعت أن نفعل كل ما يمكن وما لا يمكن كى لا ننساهم.

إن ذلك قد يهدئ من روع أهاليهم.. ويخفف من شعورهم بالقهر.. ورغبتهم فى الانتقام.. لكن.. كل هذه التوقعات خابت.. وخسرت الرهان.. وبقيت قضية الشهداء مبررا لاستمرار الغضب.. وسببا مباشرا لمزيد من العنف.. بقيت سندا للتظاهر.. ودافعا إليه.. من شباب برىء يعرف قيمة الدم.. ومن شباب من نوعية أخرى يمكن أن يستخدم الحدث ويشعل النار.. ويوغر الصدور.. ويضاعف من مساحات الدم بين الجيش والشعب.

وقد تضخمت ملفات الشهداء بعدما جرى فى ماسبيرو وشارع محمد محمود وأمام مجلس الوزراء.. وتوسعت دائرة الجناة لتمتد من الشرطة إلى الجيش.. لكننا.. فى الأحداث الأخيرة لم نسمع عن متهم واحد قدم إلى المحاكمة.. وجرى تلبيس الجرائم للبلطجية.. وهو ما يبرر الهتافات ضد المجلس العسكرى فى الاحتفال الأخير بعيد الميلاد فى الكاتدرائية.. فقد رفض أهالى الشهداء الذين سقطوا فى ماسبيرو تهنئة الجنرالات لهم بالعيد.. وتمردوا لأول مرة بصورة علنية على سلطة البابا الروحية.. وهو ما يعنى أنهم سينضمون إلى مظاهرات 25 يناير ليصبحوا طرفا مباشرا فيها.

إن أخطر ما يعانى منه أهالى الشهداء هو النظرة الدونية لتضحيات أبنائهم.. دون أن تحاول السلطة القائمة استيعاب مشاعرهم.. أو التخفيف منها.. ويمكن أن يحدث ذلك لو وضع القائمون على الحكم أنفسهم مكان عائلات الشهداء.. تخيلوا لو أن ابنا لواحد من أعضاء المجلس العسكرى قد استشهد كيف كان سيتصرف؟.. وبماذا كان سينادى.. وهل كان سيقبل كل هذا الاستهتار أم كان سيخلع ملابسه العسكرية وينضم إلى كتائب الشهداء؟

ولو كان الشهيد ابنا لمرشد الإخوان.. أو شقيقا لعضو فى مكتب الإرشاد.. هل كان سيقبل بالدية التى اقترحها المتحدث باسمهم.. محمود غزلان.. وهو نفس ما سبق ودعا إليه السلفيون فى الإسكندرية؟.. لو أن عائلة واحدة من السلطة العسكرية أو السلطة الدينية بها مصاب واحد لكان شعارها : لا اللى فات مات.. ولا اللى مات فات.

وحسب تصريحات محمود غزلان أيضا.. فإن الإخوان مستعدون لنسيان ما ارتكبه قادة الجيش من تجاوزات سياسية واقتصادية.. «عفا الله عما سلف».. وهو ما يعرف بصفقة «الخروج الآمن» التى يجرى التفاوض بشأنها بين الطرفين.. وقد تعجبت.. كيف يسامح الإخوان فى أخطاء لو صحت تضع من ارتكبها أمام القضاء.. من هم ليغفروا ويسامحوا ويتنازلوا عن حق المجتمع؟.. لو كانت هناك جريمة فليكن هناك حساب.. ولو تستر أحد عليها أصبح شريكا.. يستحق نفس العقاب.. ولو سكت عليها لكان شيطانا أخرس.. إلا إذا كان الإخوان يخدرون الجنرالات لبعض الوقت ثم يوقظونهم على محاكمات عاجلة بعد أن يكونوا قد تركوا السلطة لهم.. فالإخوان رغم لحاهم وسبحهم لم يحترموا عهدا واحدا قطعوه على أنفسهم.. وأسرع من ينقضون ما اتُفق عليه.. وراجعوا تاريخهم القريب قبل البعيد.

لكن.. الأخطر هو صمت المجلس العسكرى أمام هذه التصريحات.. كيف ابتلعها وسكت؟ كيف سمعها ولم يعترض؟.. إنها إهانة له، حسب وصف الدكتور على السلمى صاحب الوثيقة الشهيرة التى صمم الجنرالات على وضع بندين فيها يجلبان الحصانة لهم.

ولاشك أن ما يجرى سرا خلف الستار فى غرف مغلقة بين الإسلاميين والعسكريين يضاعف من شعور الآخرين بأن هناك ما يدبر فى الخفاء.. وهو ما سيدفع أعدادا إضافية من الشباب للنزول إلى الشوارع يوم 25 يناير.. ويزيد مما سيجرى اشتعالا وانفلاتا.

ولو كنت مكان المجلس العسكرى لخرجت علنا وصارحت الناس بكل ما يجرى.. ولاعترضت على ما يقال عن نسيان ما فعلت.. إلا إذا كنت قد فعلت.. ولأصدرت قرارات سياسية تستوعب الغضب.. وتخفف من الشياط.

مثل أن يكون 25 يناير- يوم الثورة - عيدا قوميا للبلاد.. وأن تلغى حالة الطوارئ.. ويفرج عن المعتقلين من الشباب.. وترميم الجسور المحترقة مع قوى وطنية جرى التربص بها دون مبرر.. وأن يقدم الجنود والضباط الذين اعتدوا على المتظاهرين فى ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء إلى محاكمات عاجلة.. وإلا وجدنا كتائب الشهداء تزداد عددا وتتنوع هدفا.

لو كنت من المجلس العسكرى لرددت الاعتبار لكل من ينتمى للثورة وأصدرت ملحقا للإعلان الدستورى بتعيين ثلاثين شابا من الثوار فى البرلمان الذى ما كان أن يوجد لولاهم.. وأقل واجب أن يمثلوا فيه.. ويعبروا عن ثورتهم تحت قبته.. وربما سامحوا بعد ذلك من سرق منهم الثورة.. وسحقها بعد أن أصبحت دولة.... ولعل هذا التعيين يكون الخطوة الأولى لإعادة الشرعية الثورية الغائبة إلى المعادلة السياسية التى قصرت على الشرعية العسكرية والشرعية الدينية.. بدون إعادة الشرعية الثورية لمعادلة السلطة لن ينعم أحد بما فيه أو بما يحلم به.. فكتائب الشهداء التى ستسعى وراء قتلتهم سيلحق بها ميليشيات الثوار بدعوى استرداد ثورتهم.. إن النور الذى جاءت به الثورة مهدد أن يصبح نارا.

لكن.. ما عرفته عن برنامج الاحتفال بالعيد الأول للثورة.. لا يطمئن.. ولا يرضى.. ويثير علامات التعجب أكثر ما يثير من علامات الاستفهام.. كل ما سيحدث حسب الخطابات الرسمية هو بناء ديكور لميدان التحرير فى استاد القاهرة يمثل مسرحا مقلدا للثورة.. ترفع فيه شعاراتها.. وتتلى فيه أشعارها.. بجانب وصلات غناء من مطربين محترفين (مثل مدحت صالح) على طريقة أوبريتات العبور التى كانت تنفذها الشئون المعنوية فى ذكرى حرب أكتوبر.. وكأن مصر لم تتغير.. وكأن المطربين والراقصين والطبالين والزمارين لا السياسيين هم الأولى بالرعاية اقرأ تقرير نبيل أبوزيد داخل العدد قبل أن يرتفع ضغط الدم فى العروق.

إن بناء ديكور للتحرير والميدان الحقيقى لا يزال شامخا وسط القاهرة لا تفسير له سوى أن المحتفلين بالثورة لا يجرأون على النزول إليه.. كما كانوا يفعلون من قبل.. ويعنى أن الانفصال بينهم وبين أهله بات واضحا.. ويعنى أنهم يريدون احتفالا شكليا آمنا تحت حراسة مشددة.. يختار من يشاركهم فيه بعناية بعد مراجعة ملفاته فى الأمن الوطنى.. وبشرط ألا يكون قد ولد فى التحرير يوم 25 يناير.

اللافت للنظر أن الذين يستحقوق تصدر الصفوف الأولى فى الاحتفال سيحتفلون فى مكان آخر.. غرف التحقيق فى النيابة العامة.. فقد جاء على لسان شخص اتهم بحرق المجمع العلمى أن ممدوح حمزة وجورج إسحق وأيمن نور وغيرهم حرضوه على إشعال النار فى المبنى التاريخى بزجاجات المولوتوف.. واسترد الإعلام الحكومى خضوعه وخنوعه فراح يكيل التهم لهم قبل أن يدلونا بأقوالهم.

وفى الوقت نفسه جرى التحقيق مع خطيب الثورة وإمامها الشيخ مظهر شاهين فى وزارة الأوقاف بتهمة تجاوز الأصول المهنية باستقبال عمرو موسى فى مسجد عمر مكرم يوم الجمعة الماضى.

وتلقى نجيب ساويرس نصيبه بتحويله إلى المحكمة بتهمة ازدراء الأديان بعد أن وضع لحية لميكى ماوس.. ووضع نقابا على جسد زوجته ميمى.

وقبل ذلك جرى مهاجمة مقار النشطاء من منظمات حقوق الإنسان.. ربما كانت حجة التمويل الأجنبى هى الحجة الظاهرة.. لكن.. يصعب أن نتجاهل أن الانتقام منهم بسبب انحيازهم للثورة.

وبدأت بوادر مطاردة الإعلاميين الذين يساندون الثورة.. وتهديد صحفهم وقنواتهم.. واتهامهم بالفساد.. والخيانة.. وحسب معلوماتى فإن هناك قائمة تضم أسماء المطلوبين منهم وضعت لملاحقاتهم قضائيا أو ضريبيا والتنصت على تليفوناتهم ومراقبة تحركاتهم وتصرفاتهم.. وهى الأساليب القديمة نفسها التى تجعل منهم ضحايا لا مذنبين.

هل هناك تحريض على أن يتحول الاحتفال إلى مأتم أكثر من هذا؟.. هل هناك رغبة فى إشعال الموقف يوم 25 يناير أكثر من ذلك؟.. إن الذين يخشون من الانفجار يدفعون إليه.. والذين يحذرون من الفوضى يوصلوننا إليها.. والذين يدعون إلى الفرح يصرون على تحويله إلى جنازة.

إن أسوأ ما يحدث الآن هو التعامل مع الذين أشعلوا الثورة على أنهم مجرمون.. والتعامل مع من ساندوها على أنهم متهمون.. وهو ما فرق بين الثوار والجيش.. وهو أمر خسر فيه الطرفان.. وانقسمت فيه البلاد بين من يؤيد ويعارض لكل طرف.. فى حالة شرذمة وطنية كان المستفيد الوحيد منها هم الإخوان.

ومازلت اتصور إمكانية التفاهم من جديد بين الثوار والمجلس العسكرى.. بشرط أن يجلسا معا وتكون الصراحة ثالثهما.. ليس من أجل فوز أحد على أحد.. ولا من أجل إدانة طرف على حساب الآخر.. وإنما من أجل مستقبل بلد أصبح على كف القدر.. لا نعرف ماذا يخبئ له بكل من فيه.. حاكما ومحكوما.. عسكريا وثوريا.. شرطيا ومواطنا.. لا أحد سينجو لو جاء الطوفان.

لقد شعرت بالقلق مما يأتى من العقيد عمر عفيفى عبر موقعه الإلكترونى.. ضابط الشرطة اللاجئ إلى الولايات المتحدة بدعوى أنه كتب رواية تفضح أساليب الشرطة.. وقد رأيته فى واشنطن داخل إحدى قاعات نادى الصحافة القومى متحالفا مع منظمات أقباط المهجر والإخوان المسلمين فى حضور سعد الدين إبراهيم فى مؤتمر ضد مبارك عقد خلال إحدى زياراته الأخيرة.

آخر تعليمات عمر عفيفى المثيرة للريبة الدعوة لترك ميدان التحرير للعسكر «يلعبوا فيه كورة».. وتكوين مجموعات من الشباب فى سرية تامة.. ترفع من لياقة أعضائها البدنية.. وترصد الأهداف القريبة منها.. وعدم الاكتفاء بالشعارات.. فالمجلس «لن يرحل بالهتافات».. وتحرير مصر من «الاحتلال العسكرى «لن يكون إلا بالعنف.. وحدد 25 يناير القادم لنهاية النظام تماما.

وعلى موقع لجماعة تسمى نفسه «آئتلاف الثورة» نجد دعوة للسيطرة على المبانى الحكومية والبنوك ومحطات الماء والكهرباء والوقود والسنترالات والمتاحف والمستشفيات والجامعات وحمايتها مع وضع علم مصر الجديد على المبانى التى يسيطر الثوار عليها.. تدمير جميع مركبات الأمن المركزى.. واعتبار جميع قوات الأمن أعداء للشعب.. والسيطرة على الأقسام ومعسكرات الأمن المركزى ومبانى وزارة الداخلية ووزارة الدفاع واستخدام الأسلحة المتاحة.. واقتحام السجون.. والإفراج عن الثوار المحبوسين.. واعتقال رؤوس النظام وقتلة الشهداء وإعلان حكومة ثورة من أعضاء مجلس الشعب.. وانتخاب رئيس انتقالى خلال 30 يوما من إعلان الحكومة.

ولا أعرف مدى حقيقة هذا الائتلاف.. ففى مصر الآن نحو 500 اتئلاف.. كما أن هناك من يزعم أن مثل هذه الخطة صناعة أمنية تبرر تصرفات السلطة العسكرية.. وتخيف الناس من يوم 25 يناير.. ولست قادرا على معرفة الحقيقة هنا.. هذا أكبر من قدراتى.

لكن.. أخشى أن يتكرر السيناريو نفسه الذى شاهدناه وعشناه من قبل.. أن يخرج الثوار إلى الشوارع يعبرون عن أنفسهم بطريقتهم السلمية.. ثم يتحول المشهد إلى قتل وضرب وحرق واعتداء على مبان عامة.. فكيف يضمن الثوار أن ذلك لن يحدث؟

إن جماعات متنوعة من الثوار لن يتجمعوا فى التحرير.. وإنما سيخرجون من أحياء متفرقة.. وشوارع خلفية.. من باب تغيير المألوف.. وهو ما حدث نفسه يومى 25 و28 يناير.. اليومان الشهيران فى الثورة اقرأ تقرير رشا عزب داخل العدد.

مشاهد مرتبكة.. وقوى متصارعة.. وتهديدات خفية.. ومخاوف مذهلة.. وصعوبة فى التفرقة بين الوهم والحقwيقة.. فكيف ننجو من المؤامرات السرية التى تتربص بالجميع.. وتوقع بينهم.. لا حل سوى أن يسارع المجلس العسكرى بإصدار حزمة من القرارات السياسية التى أشرنا إليها.. تهدئ من غضب أسر الشهداء.. وتعيد شرعية الثورة إلى معادلة السلطة.. وتفرق بين العدو والحليف.. وتوحد الأمة.. وتمد جسور التفاهم مع كل من بادره بالخصام.

إن المجلس العسكرى فى سباق مع الوقت.. عليه أن ينزع الفتيل من اللغم شديد الانفجار.. قبل أن تصيب شظاياه أمة بأسرها.. هم على رأسها


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.