رغم خلافى مع الدكتور محمد البرادعى فى الكثير من مواقفه الا اننى لا اجد تعبيرا عما حدث خلال الساعات الأخيرة من احداث متلاحقة فى قضية التمويل الاجنبى ادق من قوله بأن "هناك دول مستقلة وهناك جمهوريات موز" ، وبالطبع فان النهاية الكوميدية التراجيدية المأساوية التى انتهت اليها هذه القضية تؤكد للأسف اننا ننتمى لجمهوريات الموز . ما حدث فى قضية التمويل الاجنبى ليس جريمة واحدة بل هى عدة جرائم متداخلة ، فيها رضوخ وتفريط فى الكرامة وتدخل فى القضاء وتغييب للشعب واستخفاف بمشاعره ، وكل منها يستوجب تدقيقا وتحقيقا ومحاسبة وتطهيرا ومحاكمات . ما حدث ان هناك شعبا تم شحنه بأن هناك مؤامرة تتعرض لها مصر وان هناك جمعيات ممولة من الخارج ومنظمات اجنبية تعمل فى مصر بدون ترخيص وتشيع الفوضى والتوتر ودعوات الانقسام والطائفية والوقيعة بين الشعب والجيش وان هناك اموالا ضخمة بالمليارات دخلت مصر لتحقيق هذه الاهداف الخبيثة للوصول لهدف محدد وهو تفسيم مصر الى دويلات لصالح المشروع الصهيونى . من الطبيعى عندما يسمع الشعب المصرى عن هذه الاتهامات وعن مخطط التقسيم وعن المليارات التى دخلت مصر لتمويل هذه المنظمات ان يقف بقوة ضد هذا المخطط وهذه المنظمات واهدافها ، وان يقف بقوة خلف القيادة التى تدير البلاد وخلف الحكومة وهى تعلن ان مصر لن تركع ولن تستسلم لكل الضغوط التى تتعرض لها من اميريكا مهما كانت التهديدات . شحنت القيادة والحكومة الشعب المصرى بأقصى درجة وجعلته ينتظر نتائج محاكمة المتهمين لينالوا جزاءهم الرادع وليكونوا عبرة لكل من تسول له نفسه التآمر على مصر ، واطلق الشعب المبادرات لجمع اموال لبلده تغنيها عن المعونة التى تلوح بها اميركا فى كل ازمة . وشعر الشعب المصرى بالغضب من تصريحات متعجرفة لمسئولين اميريكيين بشأن ضرورة الافراج عن المتهمين ومنهم نجل وزير اميركى ، كما شعر بالزهو والفخر والكرامة وهو يستمع لردود المسئولين المصريين وتصريحاتهم الرافضة للتهديدات الاميريكية وتأكيدهم ان مصر لن ترضخ تحت اى ظرف ولن تتدخل الحكومة فى عمل القضاء . وشعرنا بالغيظ مثلما قابلنا بتهكم تصريحات هيلارى كلينتون وزيرة الخارجية الاميريكية بان القضية ستحل خلال ساعات ، وقلنا ان كلينتون ما زالت تتوهم بأن مصر كما كانت عليه قبل ثورة 25 يناير لتتحدث بهذه العجرفة وهذه الثقة غير المبررة ، لكن الاحداث تسارعت وتلاحقت بشكل غريب اذهل كل المصريين بدءا من تنحى رئيس المحكمة التى تنظر القضية الى السماح بسفر المتهمين الى هبوط طائرة اميركية فى مطار القاهرة الدولى دون اذن او تصريح ونقلها للمتهمين . ماذا حدث ؟ وكيف حدث ؟ واين كرامة مصر التى تحدث عنها المسئولون ؟ وهل هناك صفقة ما ؟ وما هى الصفقة ؟ ولماذا لم تعلن لو كانت صفقة فى صالح مصر ؟وما هى الحقيقة وراء تنحى رئيس المحكمة ؟ وهل تدخلت السلطة السياسية فى القضية ومارست اى ضغوط على القضاء ؟ واين هو استقلال القضاء ؟ وكيف يثق المواطن المصرى فى استقلال القضاء بعدما تم تداوله من تصريحات بشان ضغوط مورست فى هذه القضية ؟ ولماذا يعتزم قاضى التحقيقات فى قضية التمويل الاجنبى الاعتذار عن استكمال التحقيقات فى القضية ؟ كلها وغيرها الكثير من الاسئلة التى تنتظر اجابات صريحة حاسمة حتى يهدأ الشعب المصرى الذى شعر بطعنة غادرة لكرامته ، وأن بلده قد انتهك عرضها ، ولا شيىء يمكن ان يرد هذه الكرامة غير ان يخرج وزير خارجيتنا ليعلن ان المتهمين الاميريكيين سيعودون خلال ساعات وان تذهب طائرة مصرية لتهبط دون اذن او تصريح فى اميركا لتأتى بهم ، وهذا طبعا مستحيل . وفى ظل استحالة الرد بالمثل لم يعد امامنا سوى حل واحد وهو اعلان الحقائق كاملة ومحاسبة كل متورط فى هذه الجريمة لنشعر فعلا اننا فى دولة مستقلة وليس فى جمهورية من جمهوريات الموز .