منذ أكثر من ثلاثين عاما والقطاع الحكومي يتسم بالبيروقراطية والأمور في الدولة تمشي على نحو رتيب بطيء ممل، وكانت البلاد تتقدم إلى الأمام تقدم السلحفاة، فلا عمل مقنع ولا إنتاج مرضٍ ولا بحث علمي ناجح ومتقدم، ولا تعليم يرضي الله، حتى أراد الله لهذا الشعب التحرر، فكانت ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 م وما تلاها من حوادث، ثم كانت ثورة الثلاثين من يوينو 2013 م، وقد استتبع ذلك توقف كثير من المصانع والإنتاج عن العمل، لأسباب متنوعة ومتعددة، منها الأمن، ومنها الإضرابات المتكررة، والمطالب الفئوية، وغير ذلك من الأسباب الأخرى. والمتابع للشأن المصري يدرك للأوهلة الأولى أنه منذ قيام ثورة يناير وعجلة الإنتاج في تراجع، وأيضا يتراجع معها الاقتصاد المصري، ويقل النقد الأجنبي، والمصانع متوقفة ولا أحد يعمل في الأعم الأغلب بشكل مرض، والوقفات الاحجتاجية تتزايد ولا حد لنهايتها. إن استمرار الوضع على هذا النحو يهدد حاضر البلاد ومستقبلها مع أننا أمة الصناعة، ومن يقرأ في سورة الحديد قوله تعالى "وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز"، يعلم ويدرك أن هذا إشارة إلى أهمية الصناعات التي تقوم على الحديد ومدى المنافع التي يمكن أن تحققها هذه الصناعات للمجتمع المصري، ولكن للأسف المصانع معطلة، ولا أحد يعمل، ومصانع الدولة التي بنيت عبر العقود السابقة تم بيعها بثمن بخس. يقول المفسرون: أنزل الله الحديد "فيه بأس شديد" وهو قوة في الحرب والسلم، "ومنافع للناس" إذ تكاد حضارة البشر القائمة الآن تقوم على الحديد، فالمصانع في شتى دول العالم وكل الصناعات تعتمد في عملها على الحديد، وفي هذا دعوة للأمة إلى الاجتهاد في هذه الصناعات التي تحقق المنافع الدنيوية والأخروية، وفي قوله: "وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب" إشارة إلى الجهاد بالسلاح والدفاع عن النفس والعرض والأوطان. وروى عمر رضي الله عنه أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: "إن الله أنزل أربع بركات من السماء إلى الأرض: الحديد والنار والماء والملح". وفي سورة التوبة يقول الله تعالى "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون" وقال تعالى "إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا" وقوله "والعصر إن الانسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات"، وكلمة العمل الصالح تعني كل عمل صالح أتقنه صاحبه سواء كان في الصناعة أو الزراعة أو التجارة أو العلم أو العبادة، فكل ذلك داخل في نطاق العمل الصالح، ولكن أين نحن من كل ذلك؟!! أمة الإسلام هى أمة إتقان العمل، أمة الجودة الشاملة في كل شيء، قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه الترمذي وغيره "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه"، وللأسف نحن أمة العمل نظريا، النصوص من الكتاب والسنة ما أكثرها، وما أكثر ما تدعو إليه من إتقان العمل، ولكن الكل يتقاعس، ولا أحد يعمل، مع أن العمل قرين الإيمان، فهل نُفَعل ثقافة العمل الجيد، ونفعل ثقافة الحب والإخلاص حتى ننهض بوطننا. قبل النبي عليه الصلاة والسلام يد رجل خشنة من كثرة العمل وقال "هذه يد يحبها الله ورسوله"، فهل نفقه هذه المعاني، وترنو عيوننا وقلوبنا إلى حب الله ورسوله لنا ولجوارحنا، من خلال إتقاننا العمل في شتى قطاعات المجتمع من أجل الارتقاء بالوطن!! منذ وقت طويل ونحن أمة متواكلة نعيش عالة على غيرنا نقترض من هنا ومن هناك، وقد بلغ مقدار الدين الداخلي والخارجي أرقاما أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها أرقام خرافية، وللأسف لم نستخدمها للتطوير في بلادنا في الصناعات والاستثمار واستصلاح الأراضي والبحث والعلمي وإنما في ملء البطون وفي الطعام والشراب والسلع الاستهلاكية؟؟ نريد أن نحرر أنفسنا من سيئ عادتنا وننفض عن سواعدنا غبار السنين الغابرة ونرفع مشروعات قومية يلتف حولها الجميع بالتمويل والعمل حتى يكون الشعب كله شريكا في صنع وبناء نهضة الوطن. نريد من كل قيادات الدولة وكل المسئولين أن يبدأوا بأنفسهم فلا يترك أحد مكان عمله قبل الموعد المحدد وأن يتابع من دونه من الموظفين دونما فوضى ولا محسوبية ولا أذونات للخروج والتزويغ هنا وهناك، وخطوط السير التي تكون جاهزة عند مرور أحد المسئولين وخطابات التأمين الصحي المضروبة، وغير ذلك، نريد من الرئيس ووزائه ووكلاء الوزارة والمديرين وكل مسئول أن يراقب الله في عمله وفي مرؤوسيه، حتى نفعل ثقافة احترام العمل ومواعيده ولنتذكر جميعا أن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن. حمى الله الوطن وجعل مصر بلدا آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين.